من "الدفاع" إلى "الحرب".. ما دلالات تغيير ترامب لاسم البنتاجون؟
كتب : مصراوي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
وكالات
أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعًا عقب نشره تدوينة عبر منصته "تروث سوشال" أمس السبت، قال فيها إن مدينة شيكاغو "ستكتشف سبب تسمية وزارة الدفاع بوزارة الحرب"، في إشارة إلى حملة صارمة مرتقبة على الهجرة.
وأضاف ترامب في المنشور: "أعشق رائحة الترحيل في الصباح، شيكاغو على وشك اكتشاف سبب تسميتها بوزارة الحرب"، مرفقًا صورة مُولّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي له وهو يرتدي قبعة ونظارة شمسية وخلفه أفق المدينة مع عبارة "شيبوكاليبس الآن".

هذا المنشور جاء بعد يوم واحد فقط من توقيعه مرسومًا تنفيذيًا يقضي بإعادة تسمية وزارة الدفاع الأميركية رسميًا بـ"وزارة الحرب"، وهو ما فتح نقاشًا واسعًا حول أهداف هذه الخطوة ودلالاتها.
عودة إلى التاريخ العسكري الأمريكي
بموجب القرار، استعادت الوزارة تسميتها القديمة التي اعتمدت منذ تأسيس الولايات المتحدة عام 1789 وحتى عام 1947، حين تم تقسيمها إلى وزارة الجيش ووزارة القوات الجوية، ويرى ترامب أن إعادة التسمية "تبعث برسالة النصر والقوة" وتعكس الدور الحقيقي للقوات المسلحة الأمريكية.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض: "لقد ربحنا الحربين العالميتين وكان اسمها وزارة الحرب، وهذا ما يعكس حقيقتها، الدفاع جزء منها، لكن الحرب تمثل جوهرها."

دلالات القرار ورسائل داخلية وخارجية
البيت الأبيض أوضح أن إعادة التسمية تهدف إلى إظهار "القوة التي لا تُضاهى للجيش الأمريكي"، إلا أن مراقبين اعتبروها خطوة شكلية ذات دلالات سياسية وعسكرية.
وفي هذا الإطار تناولت قناة "فرانس 24" القرار عبر محللين للتعرف على الدلالات، وأشاروا إلى أن الديمقراطيين يرون الخطوة بلا مبرر حقيقي، إذ إن "الولايات المتحدة ليست في حالة حرب فعلية، بل تعلن إدارة ترامب سعيها إلى إنهاء الصراعات"، لافتين إلى أن ترامب يعتبر كلمة "دفاع" غير هجومية بما يكفي، في حين يسعى من خلال الاسم الجديد "وزارة الحرب" إلى إظهار القوة والعدوانية.
تناقض مع صورة "رجل السلام"
وأوضحت هبة القدسي، مديرة مكتب جريدة الشرق الأوسط بواشنطن أن قرار ترامب يتناقض مع محاولاته لتقديم نفسه كـ"رجل سلام" يسعى للفوز بجائزة نوبل عبر إنهاء عدد من الحروب، بينها النزاع في غزة وأوكرانيا، مؤكدين أن الخطوة تسلط الضوء على التناقض بين طموحات ترامب لنيل جائزة السلام ورغبته في تسويق صورة عدوانية للجيش الأمريكي.

من جانبها، ترى الباحثة رنا خالد، رئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات، أن القرار "شَكلي لكنه محمّل برسائل عسكرية"، مشيرًة إلى أن ترامب، الذي وعد بتغييرات جذرية في البنية الأمنية الأمريكية لكنه فشل في مواجهة "الدولة العميقة"، يسعى من خلال هذه الخطوة إلى ترك بصمة تاريخية ليُذكر كرئيس غيّر مؤسسات راسخة.
وتضيف أن ترامب يريد أن يُسجل في التاريخ كالرئيس الوحيد الذي أعاد تسمية وزارة الدفاع، لتعويض إخفاقاته في إصلاحات بنيوية كان قد وعد بها أنصاره.
حسابات انتخابية وقلق للحلفاء
ويرى مراقبون أن الخطوة تأتي في إطار محاولة ترامب لكسب المزيد من دعم أنصاره في حركة "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مجددًا)، حيث أيّدها الجمهوريون بقوة، مشيرين إلى أن التوقيت اللافت للقرار جاء بعد استعراض عسكري صيني ضخم بحضور قيادتي روسيا وكوريا الشمالية، ما يوحي بأن واشنطن تريد الرد برسالة عدوانية مفادها أنها مستعدة للمواجهة.

ومن جانبها ترى شبكة (سي إن إن)، أنه بالرغم من أن القرار قد الخطوة رسالة ردع إلى خصوم الولايات المتحدة، فإن هناك تحذيرات من أن الخطوة ستثير قلق الحلفاء الذين قد يرون في تغيير التسمية مؤشرًا على تراجع واشنطن عن دورها كقوة استقرار، وتحولها إلى طرف أكثر عدوانية، موضحين أن القرار قد ينفّر شركاء أمريكا الذين يتوقعون منها دورًا دفاعيًا وليس هجوميًا.
تعزيز عسكري ورسائل مباشرة
بالتوازي مع القرار، أمر ترامب بتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الكاريبي لمواجهة ما وصفه بـ"عصابات المخدرات بقيادة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو"، كما أعلن عن ضربات ضد قوارب تهريب في المنطقة، وأكد أنه لا يستبعد توجيه ضربة عسكرية في مناطق أخرى.
هذه الإجراءات، وفق مراقبين تأتي في سياق رغبة ترامب في إظهار أن "شيئًا ما سيحدث"، وهو ما يضع تسمية "وزارة الحرب" في إطار استعدادات أميركية لمرحلة مواجهة مباشرة.
بين الدعاية والرمزية
رغم أن القرار قد يحتاج إلى تشريع من الكونغرس لاعتماده رسميًا، إلا أن الأمر التنفيذي يتيح استخدام "وزارة الحرب" كتسمية ثانية في المراسلات والوثائق الرسمية، إذ أشار وزير الدفاع بيت هيغسيث، الذي رافق ترامب خلال الإعلان، أن "التغيير ليس مجرد إعادة تسمية بل هو استعادة للهوية التاريخية"، مؤكدًا أن الجيش الأمريكي "سيهاجم لا أن يدافع فقط".
يثير تغيير اسم وزارة الدفاع الأمريكية إلى "وزارة الحرب" تساؤلات عميقة حول طبيعة الدور الأمريكي في النظام الدولي، فبينما يراه البعض مجرد مناورة دعائية لتعزيز صورة القوة، يعتبره آخرون مؤشرًا على توجه استراتيجي نحو خطاب أكثر عدوانية، وفي الحالتين، يظل القرار خطوة مثيرة للجدل داخليًا وخارجيًا، تحمل في طياتها رمزية تاريخية ورسائل سياسية تتجاوز مسألة التسمية، وسط معارضات داخلية من مسئولين بالبنتاجون بسبب التكلفة المتوقعة لتطبيق القرار والتي ستتجاوز المليار دولار.