نيويورك تايمز تنشر تقريرًا عن الساحل الطيب والشرير: "بحر واحد.. وعالمان مختلفان"
كتب : مصراوي
نيويورك تايمز تنشر تقريرًا عن الساحل الطيب والشرير
مصراوي
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الطريق الممتد على الساحل الشمالي لمصر لا يوحي بأي فاصل بين ما يسميه المصريون “الساحل الطيب” و”الساحل الشرير”. فالمشهد واحد: بحر أزرق صافي ورمال بيضاء ممتدة بلا نهاية، غير أن الانقسام هناك ليس جغرافيًا، بل طبقيًا وثقافيًا.
في تقريرها، وصفت الصحيفة “الساحل الطيب” بأنه موطن الإجازات الهادئة والبسيطة، حيث لا شيء يشغل المصطافين سوى البحر والكتب والاسترخاء. معظم النساء يرتدين البوركيني أو الحجاب، والفنادق متواضعة، والمقاهي على الشاطئ بأثاث بلاستيكي بسيط. باعة متجولون يعرضون حلوى الفرسكا والمحار على رواد البحر، في طقس صيفي مألوف للأسر المصرية منذ عقود.

أما “الساحل الشرير” – كما بات يُعرف – فيقدّم صورة مختلفة تمامًا: فلل فاخرة تطل على البحر، حقائب فارهة من ماركات عالمية، حفلات صاخبة تحييها نجمات عالميات، ومطاعم فخمة تستنسخ أجواء القاهرة الراقية. الأسعار هناك تضاعفت، حتى إن ما يُدفع مقابل عطلة نهاية أسبوع يمكن أن يموّل رحلة إلى سان تروبيه.
روت الصحيفة عن عزيزة شلش، طالبة دراسات عليا في الـ24 من عمرها، أنها كانت تقضي صيفها في “الساحل الطيب” قبل أن تشتري عائلتها منزلًا في خليج ألماظة، أحد أبرز أماكن “الساحل الشرير”. تقول إن السفر إلى البحر كان يومًا بسيطًا: بضع ملابس خفيفة وصنادل دون مساحيق تجميل، أما الآن فباتت المناسبة حدثًا يتطلب مظهرًا متقنًا وصورًا للنشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

وترى الصحيفة أن هذا التباين بين “الساحلين” يعكس الانقسام في المجتمع المصري، حيث المال والطبقة الاجتماعية يحددان أنماط الحياة ونظرة الناس إلى الحرية الشخصية. فبينما يتمسك كثيرون في “الساحل الطيب” بقيم محافظة، يعيش رواد “الساحل الشرير” أسلوبًا منفتحًا أقرب إلى الثقافة الغربية.
وتشير “نيويورك تايمز” إلى أن الظروف الاقتصادية في مصر فاقمت الفجوة بين الأغنياء وبقية الطبقات. ومع تراجع القدرة الشرائية لمعظم الأسر، أصبحت عطلات “الساحل الشرير” حكرًا على القلة الثرية.

ومع ازدياد الثراء، تصاعدت إجراءات العزل: فدخول المنتجعات أصبح يتطلب رموزًا رقمية “QR” خاصة بالمالكين أو المستأجرين، وأحيانًا رمزًا إضافيًا للشاطئ نفسه. هذه الرموز باتت تُباع عبر الإنترنت وأثارت جدلًا واسعًا، بل تحولت إلى ظاهرة على “تيك توك”.
في المقابل، يظل “الساحل الطيب” أكثر انفتاحًا، وإن كان هو الآخر محاطًا بأسوار. وتنقل الصحيفة عن داليا الغنيمي، التي زارت خليج ألماظة للمرة الأولى هذا الصيف، قولها إن الأمر يشبه عبور حدود فعلية، وإن البحر لا ينبغي أن يكون حكرًا على أحد.

تعود “نيويورك تايمز” لتذكّر بأن شواطئ الإسكندرية كانت قبل عقود تجمع المصريين على اختلاف طبقاتهم، لكن طفرة التطوير العقاري حولت الساحل إلى ميدان تنافس على الفخامة، واستُبدلت المنتجعات العائلية بمشروعات ضخمة تروّج لنمط حياة عالمي.
الإعلانات التي تملأ شوارع القاهرة اليوم تصوّر نساء يتحدثن الإنجليزية تحت شعارات مثل “سيزن – ابحث عن صفائك” و”إلى الأبد على البحر”، في انعكاس واضح للهوة بين “مصر” المحافظة و”إيجيبت” العصرية.

وترى الصحيفة أن “الساحل الشرير” بالنسبة للنخبة الليبرالية المصرية هو فضاء للتحرر من القيود، ونسخة صيفية من المجمعات السكنية الفاخرة التي يعيشون فيها طوال العام، بينما يرى المحافظون في “الساحل الطيب” أن ما يجري هناك تجاوز للقيم الدينية والاجتماعية.
وتنقل “نيويورك تايمز” عن محيي الدين الأشماوي، متقاعد في الثالثة والثمانين، أنه يعتبر “الساحل الشرير” مكانًا يحكمه المال، قائلًا إن كل شيء هناك يُقاس بثمنه.

وفي المقابل، ترى الشابة دعاء رضا، وهي معلمة كانت تتناول الغداء في مطعم شعبي على الطريق الساحلي، أن مشاهد الحفلات والبيكيني لا تمثل المجتمع المصري الذي تصفه بأنه محافظ ومسلم.
غير أن بعض رواد “الساحل الشرير” يدافعون عن الطابع المغلق للمكان باعتباره وسيلة لحماية الخصوصية والأمان.
وتشير الصحيفة إلى حديث محمود عبدون، مصمم داخلي خمسيني، الذي أوضح أن الأنظمة الرقمية تضمن دخول من يشاركون المكان الثقافة نفسها.

وفي مشهد وصفته الصحيفة بدقة، يجلس عبدون وزوجته تحت مظلة مواجهة للبحر، بينما يقدم النُدُل عصائر فاخرة ومقبلات على أنغام موسيقى ناعمة، فيما تمر قوارب رياضية سريعة وزوارق شراعية على مرمى النظر. ويؤكد شريف سيف، مدير تسويق أربعيني، أن ما يجري ليس مختلفًا عن منتجعات النخبة في أي مكان بالعالم، موضحًا أن الناس يدفعون ثمنًا للخصوصية والراحة.

لكن التقرير يخلص إلى أن الحدود بين “الساحلين” ليست صارمة كما تبدو. فبعض القادرين على الإقامة في المنتجعات الثرية يفضلون بساطة “الساحل الطيب”، والعكس صحيح.
في أحد المنتجعات مثلًا، تجلس رضوى، مترجمة ترتدي بوركيني بنفسجي، تقرأ على الشاطئ، وتقول إنها لم تزر “الساحل الشرير” قط لأنها تخشى أن تحكم على الناس هناك، كما تخشى في المقابل أن تُحكم بسبب مظهرها.

وفي ختام التقرير، تنقل الصحيفة عن أحد رواد الساحل قوله إن المشكلة ليست في الأسماء، بل في النفوس، مضيفًا أن الخير والشر لا يوجدان في المكان.