إعلان

علي عبدالله صالح.. الرئيس الذي رقص على رؤوس الثعابين فلدغته

03:23 م الثلاثاء 04 ديسمبر 2018

الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح

كتبت- رنا أسامة:

لطالما تفاخر الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بقدرته على اللعب بمفاتيح اليمن القبليّة والعسكرية لخلق توازنات مُفيدة، حتى لُقّب بـ"الراقِص على رؤوس الثعابين"، فمسيرته السياسية لم تكُن سِوى سلسلة من التحالفات التي انقلب عليها ونكصها؛ تحالف مع الجنوبيين ثم حاربهم، وحارب الحوثيين ثم تحالف معهم، وتحالف مع السعودية ثم حاربها ثم عاد ليعرض فتح صفحة جديدة معها.

لكن من يعبث بوكر الأفاعي تلدغه لا محالة، وهذا ما بدا جليًا في نهاية صالح المأساوية بعد مقتله والتمثيل بجثته في الرابع من ديسمبر من العام الماضي على يد الحوثيين، الذين تحالف معهم لنحو 3 سنوات، في مسقط رأسه بمنطقة سنحان في العاصمة صنعاء، بعد أن دعا أنصاره لمواجهتهم وفتح صفحة جديدة مع السعودية والتحالف الذي تقوده مقابل وقف إطلاق النار ورفع الحصار المفروض على اليمن.

وبقي صالح على رأس السلطة في اليمن لأكثر من 3 عقود، قبل أن يضطر إلى التنحّي في 2012، في إطار خطة لنقل السلطة توسّطت فيها دول خليجية في أعقاب حركة احتجاجات اندلعت في اليمن مُطالبة بتنحيته.

وظل صالح حاضرًا في قلب المشهد السياسي بعد تنحّيه، كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام، أكبر حزب سياسي في اليمن، ثم تحالف مع الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء، ما أدى إلى فرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتدخّل تحالف عسكري تقوده المملكة منذ مارس 2015، لإعادة هادي إلى السلطة.

من رعي الأغنام إلى كرسي الحكم

1

عمل صالح، الذي وُلِد في 21 مارس 1942 في قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان، راعيًا للأغنام وتلقّى تعليمه في كُتّاب القرية التي غادرها للجيش عام 1958 وهو في الـ16 من عمره.

التحق بمدرسة ضباط الصف عام 1960 وشارك في ثورة سبتمبر عام 1963، والتحق بمدرسة المُدرّعات عام 1964 ليتخصص في حرب المدرعات.

وجُرِح خلال الحرب الأهلية التي وقعت عام 1970 بين الجمهوريين والملكيين الذين كانت تدعمهم السعودية. وشارك في انقلاب عسكري عام 1974.

وفي 1975 أصبح القائد العسكري للواء تعز وقائد معسكر خالد بن الوليد، ما أكسبه نفوذًا كبيرًا ومثّل الجمهورية العربية اليمنية في محافل عِدّة خارج البلاد.

وفي 11 أكتوبر 1977، قُتِل الرئيس اليمني الأسبق إبراهيم الحمدي وشقيقه في ظروف غامضة، ثم خلّفه أحمد الغشمي في رئاسة الجمهورية لأقل من عام وقُتِل بعدها، ثم تشكّل مجلس رئاسي برئاسة عبدالكريم العرشي لم يدم إلا شهر واحد، ما أفسح المجال لصعود صالح إلى سدة الحكم في يوليو 1978.

وبعد شهر أصبح صالح رئيسًا للجمهورية اليمينة (اليمن الشمالي) منذ أغسطس 1978، واعتمد في إدارة أمور البلاد على أسرته وأهل الثقة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في أواخر 1979.

أزمة الجنوب وتوحيد القطرين

2

في 22 مايو 1990، أعلن شطرا اليمن الشمالي والجنوبي قيام الوحدة اليمنية ليكون صالح رئيسًا لدولة الوحدة وعلي سالم البيض نائبًا له.

لكن سُرعان ما اندلع خلاف بين صالح ونائبه، ما أدى إلى اعتكاف البيض في عدن قبل اندلاع حرب ضارية بين قوات الشطرين الشمالي والجنوبي في صيف 1994، انتهت بانتصار قوات الشمال بقيادة صالح على قوات الجنوب بقيادة نائبه.

وفي 1999، انتُخِب صالح رئيسًا لليمن في الاقتراع الرئاسي الذي جرى في سبتمبر من العام نفسه.

واستغل صالح تهديد تنظيم القاعدة مِنصة للظهور بمظهر الدِرع الواقي في الحرب على الإرهاب بعد 1998، عندما تعرضت سفارتا الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا إلى هجومين داميين، وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

وتمكّن صالح من كسب الغرب والقوى العربية النافذة إلى صفه، وكسب صداقة واشنطن من خلال جهوده لمقاومة وجود القاعدة في بلده، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وخلال أحداث الربيع العربي أثبت الرئيس اليمني السابق أنه "الأكثر عِنادًا ضمن الزعماء العرب في مواجهة الثورات"، وفق إذاعة مونت كارلو الدولية.

ميّت على قيد الحياة

3

في 3 يونيو 2011، أُصيب صالح في هجوم استهدف مسجد القصر الجمهوري، فسافر لتلقّي العلاج إلى السعودية ثم سلطنة عمان والولايات المتحدة.

وفي ذلك الحين، سّلم صلاحياته الدستورية لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي انتُخِب رئيسًا للجمهورية اليمنية، لتُطوى بذلك فترة رئاسة صالح لليمن، لكنه عاد إلى البلاد بعد إتمام رحلة علاجه من الرياض.

بعد 4 أشهر، ألقى صالح خطابًا أمام مجموعة من أعضاء مجلس الشورى، أكّد خلاله عدم خشيته من الموت قائلاً "أنا بالنسبة لي توفيت حوالي 15 يوم وأنا ميت. أنا ما همنيش الموت ولا أخاف من الموت لأني كان من المفروض أني أموت مبكر منذ قيام الثورة".

وفي الوقت ذاته، انتقد دعوة الولايات المتحدة له بعدم العودة من السعودية بعد العلاج، وقال "من ضمن المقولات قبل ما أعود اجتني رسالة من دولة كبيرة يقول في الرسالة ننصح بعدم عودتك إلى الوطن لمصلحتك أولًا ولمصلحة اليمن ثانيًا ولمصلحتنا ثالثًا. أنا رئيس مش ترانزيت".

السياسي المُراوِغ

4

يصفه مُناوئوه بأنه "سياسي مُراوغ" استخدم كافة الأساليب للبقاء في السلطة، وبينما كان يعِد باعتزال السياسة بذل قصارى جهده لتمديد بقائه في السلطة، وفق البي بي سي.

في مقال سابق بصحيفة "الجارديان" قالت عنه الخبيرة البريطانية في الشؤون اليمنية سارة فيليبس: "حكم صالح دائما عن طريق خلق البلبلة والأزمات وأحيانًا الخوف في أوساط الذين يمكن أن يتحدوه".

في 23 نوفمبر 2011، وبعد 10 أشهر من الأزمة المُستعرة في البلاد، وقّع صالح على المبادرة الخليجية المُمثّلة في اتفاق نقل السلطة في اليمن، من العاصمة السعودية الرياضة بحضور الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي مهّدت بدورها لتسليمه السلطة في فبراير 2012 ليتولى السلطة عبدربه منصور هادي.

رغم تسليم صالح للسلطة، تقول البي بي سي إنه ظل لاعبًا أساسيًا على الساحة اليمنية؛ فقد ساهمت قوات من الحرس الجمهوري السابق، والتي كان يقودها نجله أحمد وتدين بالولاء له، في القتال مع الحوثيين ودعمهم بشكل كبير، ورفضوا أوامر القادة العسكريين الموالين للرئيس هادي حتى أسقط الحوثيون صنعاء وهرب هادي إلى عدن.

في ذلك الوقت، هدّد صالح بشن حرب على الرئيس هادي وعلى الجنوب وأعلن أنه لن يدع لهم مجالًا للهرب هذه المرة سِوى من البحر.

وبعد تدخل قوات التحالف بقيادة السعودية لدعم حكومة هادي، اتهمها صالح بنشر "الكوليرا" في اليمن عبر استخدامها أسلحة مُحرّمة دوليا، وقال: "التحالف ينشر وباء الكوليرا في اليمن من خلال استخدام أسلحة مدمرة كالقنابل العنقودية والفراغية شديدة الانفجار، والتي تترك أثرا كبيرا على سكان اليمن".

صالح و"قات" الحوثي

5

قبل مقتله تصاعدت حِدة الخلافات والتهديدات بين صالح والحوثي، إثر اتهام الأخير للرئيس اليمني السابق بـ"الاتفاق سرًا" مع التحالف العربي بقيادة السعودية للانقلاب على الحوثيين وإدخال أنصاره القبليين إلى العاصمة صنعاء، بغرض السيطرة عليها وفك الارتباط مع الجماعة.

في خطاب تليفزيوني في 20 أغسطس 2017، قال عبدالملك الحوثي: "هناك علامة تعجب كبيرة تصل بحجم جبل، حول شغل البعض ممن تماهى سلوكهم مع سلوك قوى العدوان في الرياض وأبوظبي، نتلقى الطعنات في الظهر في الوقت الذي اتجهنا بكل إخلاص لمواجهة العدوان".

في المقابل، ردّ صالح قائلًا إن حزبه على استعداد للانسحاب من الشراكة إذا أراد الحوثيون الانفراد بالسلطة.

جاء ذلك على خلفية تنظيم حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يتزعمه صالح، حشدًا كبيرًا بمناسبة الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب، بعد أيام من إعلان الحوثيين تنظيم حشود في عدة ساحات على مداخل العاصمة بالتزامن مع حشود صالح.

شبّه صالح أعداءه الحوثيين يومًا بنبتة "القات" المُخدّرة، قائلًا إن "قليلها مُنعِش وكثيرها مُهلِك"، بحسب موقع المشهد اليمني. لكن يبدو أن صالح انتبه بعد فوات الأوان إلى أن "قات" الحوثيين زاد عن حدّه، فانبرى محاولًا فكّ التحالف والارتماء في أحضان السعودية والتحالف العربي مُجددًا.

وما لبث صالح أن يدعو في كلمة مُتلفزة إلى "فتح صفحة جديدة "مع السعودية والتحالف الذي تقوده في اليمن، في خطوة قوبِلت بالترحيب من جانب المملكة، حتى أرداه الحوثيون قتيلًا عند مخرج صنعاء الجنوبي، حيث دخل منه إلى سُدة الحكم وخرج منه جثة هامدة، يوم 4 ديسمبر 2017 الذي وصفه الحوثيون بأنه "يوم استثنائي وعظيم".

وأعلنت وزارة الداخلية التابعة للحوثيين، بعد مقتل صالح، انتهاء ما وصفته بـ"أزمة ميليشيات الخيانة" في اليمن ومقتل "زعيم الخيانة" في إشارة إلى الرئيس اليمني السابق.

ولا يزال مصير جثة صالح مجهولًا إلى الآن بين روايات تذهب إلى أنه دُفِن سرًا على ضوء مصباح بحضور عدد قليل من أقاربه فور مقتله، وأخرى تقول إنه ما يزال داخل ثلاجة أحد مستشفيات صنعاء التي يُسيطر عليها الحوثيون، وثالثة تروّج إلى أنه دُفِن في مقبرة خلف المستشفى العسكري بالعاصمة صنعاء.

فيديو قد يعجبك: