إعلان

"روابي".. مدينة فلسطينية على طراز "المستوطنات": ثورة أم تطبيع؟

02:45 م الخميس 04 أكتوبر 2018

مدينة روابي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – محمد الصباغ:

الأعلام الفلسطينية تنتشر في شوارع مدينة جديدة، لكن أيضًا يمكن من شرفة إحدى البنايات رؤية علم العدو الإسرائيلي الأزرق والأبيض. فيها يعيش ويعمل فلسطينيون ويرضى عن هذا الوجود سلطات الاحتلال والإسرائيليون بالمستوطنة القريبة "عطريت"، لا آثار للاشتباكات بين جنود الاحتلال والفلسطينيين. فيها أيضا تجول أفرد من جيش الاحتلال الإسرائيلي بملابس مدنية دون أسلحة.

هي مدينة تستضيف الحفلات الصاخبة ويحضرها الآلاف من الفلسطينيين. غنى على مسرحها التونسي عزيز مرقة والمطرب الفلسطيني الشاب محمد عساف.

في مدينة روابي" التي أسسها الملياردير الفلسطيني-الأمريكي بشار المصري، هناك حياة بعيدة عن مشاكل الاحتلال لكن لا ينفي مؤسسها صفة الاحتلال ويرى أن "عطريت" يومًا ما ستكون ضاحية لمدينته.

يعتبر الملياردير الفلسطيني المشروع "ثوري"، ويقول إنه من أجل أن يعيش الفلسطينيون مثل الناس العاديين "حتى يصبح الوضع طبيعيًا".

وقال عنها السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، دانيل شابيرو، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لو أراد رؤية ما يمكنه أن يساعد في الوصول لحل نهائي لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين "عليه أن يأتي إلى روابي".

يرى السفير في حوار سابق مع واشنطن بوست أن الرجلين (المصري وترامب) متشابهان كرجال أعمال متخصصين في العقارات، ولديهم شيئًا مشتركًا يمكنهم الحديث عنه.

تسببت المدينة في انقسام كبير بين الفلسطينيين، فهناك من اعتبرها تطبيعًا علنيًا مع الاحتلال الإسرائيلي الذي أشرف على كل الخطوات وكانت موافقته مطلوبة منذ بداية التصميم وحتى الانتهاء من الإنشاء.

وصفها البعض بأنها "مستوطنة فلسطينية" تهرب من الواقع الفعلي الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال، بدلا من المواجهة.

واعتبرها اخرون محاولة لخلق حياة جديدة بعيدا عن المعاناة والزحام الذي يعيش فيه سكان الضفة المحتلة.

2

عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يستمر بشار المصري في الترويج لمشروعه "روابي"، نافيًا فكرة "نسيان القضية الفلسطينية" بتوفير الحياة الرغدة لمواطني بلاده.

أشار في منشورات على موقع فيسبوك إلى أنه لا يعد بشيء خارق في المدينة الفلسطينية، فهي في النهاية تقع بالضفة الغربية المحتلة، ولا تنفي صفة الاحتلال الإسرائيلي.

كتب في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي: "بكل فخر وبالمزيد من السواعد الفلسطينية، بدأنا ببناء الحي الخامس في مدينة روابي... آلاف الوحدات السكنية.. آلاف العائلات الفلسطينية.. يوم عن يوم روابي بتكبر والحلم بيتحقق".

المدينة التي تكلفت أكثر من مليار دولار أمريكي وافق عليها مجلس التخطيط التابع للسلطة الفلسطينية في أكتوبر 2008.

تضم "روابي" المبنية على 850,000 متر مربع، على 22 حياً سكنياً، ومركزاً تجارياً، ومجموعة كاملة من المرافق العامة.

وسيستوعب البناء الأولي عدد سكان يزيد عن 25,000 نسمة، وعند اكتمال مراحل التشييد اللاحقة، ستستوعب المدينة في نهاية المطاف 40,000 نسمة.

لكن وفق آخر التقديرات لا يقطن المدينة حاليًا سوى نحو+ 4000 نسمة فقط.

وبحسب الموقع الرسمي للمدينة فإن شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري بالتعاون مع شركة مجموعة "بيتي" الاستثمارية، تشاركتا في إنشائها.

يمول بشار المصري المشروع –بحسب الموقع الرسمي أيضًا- من ثروته الخاصة الكبيرة، إلى جانب مئات الملايين من الدولارات من الذراع العقارية لهيئة الاستثمار القطرية.

"واقع مختلف"

يوم السبت الماضي تراقص الفلسطينيون على أنغام الموسيقى في حفل كبير بمركز مدينة روابي. نظمته إحدى شركات مشروبات الطاقة من الساعة الثانية عشر ظهرًا وحتى الساعة العاشرة مساء.

"عشر ساعات من الأكسلة بانتظاركم".. هكذا كانت لغة الإعلان عن الحفل الطويل في المدينة التي يراها مؤسسها أنها مستقبلية وتغير شكل الحياة للفلسطينيين.

لم يفهم البعض اللغة الجديدة التي استخدمها المروجون للحفل بالمدينة، وسأل بعض المعلقين على الإعلان المنشور على صفحة المدينة الرسمية على فيسبوك "شو الأكسلة؟".

كان نجم الحفل هو الموسيقي التونسي عزيز مرقة، والذي زار مدينة روابي واحتفت به عبر وسائلها الإلكترونية المختلفة.

الحفل الذي استمر لعشر ساعات تزامن مع الواقع الفلسطيني الذي يواجه الاحتلال الإسرائيلي بصفة يومية، ففي يوم السبت الماضي استشهد 7 فلسطينيين على حدود قطاع غزة في مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأصيب أكثر من 500 آخرين.

تزامن الحفل أيضًا مع ذكرى انتفاضة الأقصى الثامنة عشر، والتي كان أيقونتها الطفل محمد الدرة الذي استشهد في أحضان أبيه برصاص الجيش الإسرائيلي.

وأيضًا في اليوم نفسه، شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة إضرابا شاملًا احتجاجا على تمرير دولة الاحتلال لقانون القومية الذي اتهم بالعنصرية ضد العرب والأقليات الأخرى في الدولة العبرية.

قارن مغردون عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الزحام الكبير على الحفل الموسيقي، وبين المتظاهرين على حدود قطاع غزة.

ويبدو أن هذه المقارنة هي التي جعلت 4آلاف فلسطينيًا فقط يقطنون المدينة التي تجاور المستوطنات وتحصل على الموافقات الإسرائيلية قبل تأسيسها.

كان المطرب الفلسطيني الشهير محمد عساف أول من أحيا حفلا على مسرح مدينة روابي في عيد الفطر عام 2016. وحضر ذلك الحفل حوالي 10 آلاف شخص.

حفل-محمد-عساف

"المستوطنون راضون عن وجودها"

كما أن المدينة التي يتباهى مؤسسها بأنها فلسطينية فقط وأسسها فلسطينيون، زارها عدد من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في جولة خلال الشهر الماضي، وكان برفقتهم مرشدًا فلسطينيًا.

ذكرت القناة "20" العبرية أن العشرات من وحدة "شمشون" العبرية قاموا بنشاط تدريبي في مدينة روابي وارتدوا الملابس المدنية ولكن دخلوا دون أسلحتهم.

تسبب الأمر في مطالبات بتحقيق في موافقة جيش الاحتلال على دخول أفراده إلى المدينة الفلسطينية، وتجريد الجنود من سلاحهم قبل الدخول.

حتى عام 2014، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كان المستوطنون اليهود في قلق من وجود مدينة فلسطينية بجوارهم، لكنهم اقتنعوا وقبلوا بوجودها.

وبالنظر إلى الوضع الحالي فإن مستوطنة عطريت تعتبر غير شرعية بقرارات الأمم المتحدة لأنها مبنية على أرض فلسطينية محتلة، وبالتالي فلو تم الوصول لاتفاق سلام وأُعلنت دولة فلسطينية ستكون عطريت فلسطينية وسيغادر المستوطنين.

لكن وفق تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية، لا تعتقد عائلة "دامري" اليهودية أنها سوف تغادر المنطقة قريبًا: "لا يمكن أن نسمح بحدوث ذلك".

بينما كان رد الملياردير الفلسطينية "المصري" بأن الأرض التي يقيمون عليها هي فلسطينية و"أنا على ثقة 100% أن عطريت ستكون ضاحية لمدينة روابي في يوم من الأيام".

1

"مستعمرة فلسطينية"

وفي دراسة لمجلة الدراسات الفلسطينية حول مدينة روابي، جاء أن من ينظر إلى المدينة سيراها أشبه ما تكون بمستعمرة إسرائيلية "فهي تحتل رابية تطل على القرى الفلسطينية المحيطة، وطرقها تلتف نزولا وتحف بها الأبنية التي يتصل بعضها ببعض بدروب تُقطع مشيًا."

وأضافت المجلة أن الدعاية للمدينة تجرى بصفتها مدينة خضراء "ويتم تشجيع من يزورون موقعها في الإنترنت على التبرع لغرس شجرة، إذا تظهر صورة شجرة صنوبر أوروبية مشابهة للأشجار التي غرسها الصندوق القومي اليهودي في أرجاء البلاد. وهكذا تتمثل ردة الفعل الأولى حيال روابي في أنها تضفي الشرعية على شكل الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وفي أن الفلسطينيين لم يعودوا يقرنون أشمال المستعمرات هذه بالاحتلال بل باتت تمثل مدنهم أيضًا".

كما أشارت الدراسة إلى أن مشروع روابي المُشيّد وسط الاحتلال الإسرائيلي ربما يبدو عمل "بطولي"، لكن لا يجب نسيان أنه يجرى بموافقة أمنية من تل أبيب. وبالتالي فهو، بحسب الدراسة الفلسطينية، يمثل "المدينة المستعمرة المعاصرة".

فيديو قد يعجبك: