أكراد العراق يحلمون بالاستقلال و"لعبة السياسة" تقف في الطريق (تقرير)
كتب- شروق غنيم وإشراق أحمد:
في مدينة زاخو، قرب الحدود الشمالية لإقليم كردستان العراقي مع تركيا، تعم الأفراح، يهيم الشباب في شوارعها سعادة بسيارات تحمل أعلام كُردستان. "يوم 25 سبتمبر هيكون عيد قومي بالنسبة إلنا" يقول سعيد البرزفاني، كاتب كردي يقطن بالمدينة، فيما يترقب ابن عمه عبد الله المديادي المقيم على بعد آلاف الأميال في مصر، أجواء ما قبل الاستفتاء على استقلال الإقليم وتحقيق الحلم الكردي طويل الأمد.
كان رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود برزاني أعلن في 14 أغسطس المنصرف، عن إجراء استفتاء غير ملزم في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، يصوت فيه الأكراد في أربع محافظات بالموافقة أو رفض الانفصال عن العراق، وبالتالي إقامة دولة مستقلة تحمل اسم "دولة جنوب كردستان".
منذ قرابة نصف قرن دوّن "البرزفاني" حلمه في قصيدة بعنوان "آهات"؛ أن تتشكل جمهورية كُردستان قبل أن يموت. كان الدافع لذلك ما وصفها بـ"الفظائع" التي تعرض لها الأكراد خلال الأعوام الماضية على أسس قومية وعرقية.
حّل سبتمبر من عام 1961 وانطلقت معه ما عرف بـ"الثورة الكُردية". يروي "البرزفاني" أن عائلته وقع عليها الظلم أثناء انتقام القوات العراقية من الأكراد ردًا على تلك الاحتجاجات؛ أُعدمت السلطات العراقية اثنين من أبناء عمومته "القرار صدر من صدام حسين آنذاك، ليس ضد أسرتي فقط بل باقي الأكراد"؛ فقرر توثيق ذلك في كتاب عنوانه: "زاخو الماضي والحاضر."
ظلّ ما حدث غٌصة في قلب الكاتب السبعيني. "ما بدنا نعيش عبيد مرة أخرى"، يقولها بلهجة غاضبة معبرًا عن تأييده لاستقلال تمناه منذ عقود مضت، ويقول بمرارة "نحن عانينا الأمرين حتى نصل لهذه الخطوة"، فيما يعلم بأن الأمر ليس باليسير "لن يقدموا لنا الاستقلال على طبق من ذهب، لكن المشوار يستحق."
عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتابع "المديادي" ما يجري، ترك المهندس كُردستان منذ عشرة أعوام من أجل الاستثمار في مصر، لكنه يتواصل باستمرار مع ابن عمه "البرزفاني". يتفاءل بالاستفتاء، ينتظر اليوم بشغف رغم أنه لا يدري حتى الآن كيف سيُدلي بصوته؛ إذ لا توجد مراكز تصويت تتبع إقليم كُردستان في مصر؛ حيث لا جالية كردية كبيرة بما يسمح بإقامة لجنة انتخابية، على ما يقول السيد عبد الفتاح مدير مركز القاهرة للدراسات الكردية.
عام 2006 كان "المديادي" يمتلك استثمارات في بغداد لكنه تركها بعدما هُدد بالقتل كونه "سُني"، فيما خُطف ابن شقيقه وتعرض للضرب هذا العام "من جانب تيار الصدر، وأخوي جالوا جلطة واتعمى بسبب هذا الحادث، وبعد عامين توفى" فقرر وأسرته ترك العاصمة العراقية والنزوح إلى كردستان.
تمنى "المديادي" اتخاذ خطوة الاستفتاء منذ زمن "نحن مهدور حقنا وسط أربع دول"، في إشارة إلى الدول التي يتمركز فيها الأكراد وهي سوريا والعراق وإيران وتركيا. يستنكر الانتقادات التي توجه لاستقلال كُردستان "لماذا يرفض أحد أن يكون للأكراد دولة وهي في الأصل حقنا؟ نحنا ما بنقول بدنا بغداد أو البصرة."
ويوضح مدير مركز القاهرة للدراسات الكردية أن الأكراد لهم تاريخ طويل من الاضطهاد والمعاناة منذ عام 1916، مع اتفاقية سايكس بيكو، التي قضت بتقسيم أرضهم بين الدول الأربع.
يقول عبد الفتاح إن وضع أكراد العراق يعد الأفضل نوعا ما رغم لجوئهم للنزاع المسلح؛ ففي تركيا يسمونهم "أتراك الجبال" إشارة لعدم الاعتراف بهم، وفي إيران يعانون من اضطهادين "عرقي وديني"؛ إذ ينتمي الأكراد للمذهب السني، فيما تعتبرهم سوريا أجانب.
منذ أغسطس 1991 وإقليم كردستان في العراق "يحكم نفسه بنفسه"، منحه صدام حسين الحكم الذاتي، بعدما حدث فراغ إداري سحب الرئيس العراقي على إثره قوات الجيش من المدن الرئيسية الثلاثة ذات الأغلبية الكردية، وهي إربيل (عاصمة الإقليم فيما بعد)، السليمانية ودهوك.
ومع وجود برلمان وأحزاب وحكومة تدير شؤون الكرد إلا أن الأزمات ظلت قائمة ما بين أربيل والعاصمة المركزية بغداد. ارتفعت آمال الأكراد في تحسن أوضاعهم بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام عام 2003 "وبالفعل شاركوا في الحكم وتولى جلال طالباني الرئاسة ومُنحوا عدد من الحقائب الوزارية وكان لهم تواجد في البرلمان العراقي،" لكن مع تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة -2006 إلى 2014- بزغت التوترات بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ سقوط صدام.
زاد الشك في نفوس الأكراد تجاه "تهميش" الدولة لهم كما يقول "عبد الفتاح"، إذ أقصى "المالكي" عددا من الوزراء الكرد، منهم هوشيار زيباري كان وزيرا للخارجية ثم للمالية، وقطع الرواتب والنسبة المقررة لكردستان من الموازنة -17 في المئة- فقام الأكراد بتصدير البترول للتغلب على القرارات التعسفية.
تلك الأوضاع صعدت الأزمة مرة أخرى، لكن مع ظهور تنظيم داعش في العراق تراجعت الخلافات، وانصب الاهتمام على العدو المشترك. يقول سيد عبد الفتاح، المتخصص في الشأن الكردي، إن الأكراد لعبوا دورا تحرير عدد من المناطق العراقية ومنها كركوك.
لم يكن الاستفتاء المفترض إجرائه 25 سبتمبر الجاري، الأول في سعي الأكراد لإثبات شرعية رغبتهم في الاستقلال، ففي 2005، كان هناك استفتاء مماثل، وفقا لعبد الفتاح.
شهد الكاتب الكردي "البرزفاني" ذلك الاستفتاء. وقتها غمره الأمل حين جاءت مؤشرات بأن الموافقة على الاستقلال ساحقة مثلما يصف "لكن الأمر يختلف عن هذه المرة، إذ أنه كان استفتاء سري وقتها ولم يُعترف بنتيجته. فقد كان لقياس مدى تقبل الأكراد لهذه الخطوة".
خارج دائرة الأكراد الجغرافية في شمال العراق وفي تجمعاتهم في الخارج، الوضع مختلف بعض الشيء؛ فالقوى الكبرى والدول المحيطة تعارض الاستفتاء بقوة وتضغط لإلغائه أو حتى تأجيله لبعض الوقت في ظل عدم انقضاء الحرب ضد تنظيم داعش الذي كان حتى وقت قريب يحتل ثلث مساحة بلاد الرافدين وأكثر منها في سوريا المجاورة.
يقول المحلل السياسي إن الولايات المتحدة تتزعم تلك القوى المعارضة للاستفتاء؛ فواشنطن تجد التوقيت غير مناسب لإقامة دولة أخرى في المنطقة الملتهبة "لأن هذا من شأنه إطالة أمد الحرب على الإرهاب وسيحبط المخطط الأمريكي للقضاء على تنظيم داعش في العراق وسوريا، ويفتت جهود التعاون المشترك بين الحكومة العراقية والكردية وهذا يصب في النهاية في مصلحة داعش".
إقليميا، تعارض تركيا وإيران الاستفتاء بشدة وتسعيان لعرقلته، رغم الاختلاف الشديد للمواقف بين الدولتين في الكثير من الملفات الأخرى؛ فأنقرة وطهران، بحسب عبد الفتاح، تخشيان من أن يؤدي استقلال أكراد العراق إلى محاولة الأكراد الأتراك والإيرانيين إلى الانفصال.
ويتخوف العرب من تداعيات الاستفتاء ومن ثم استقلال الأكراد، وحسب قول المتخصص المصري في الشأن الكردي، "سيكون خطوة لتفتيت وحدة العراق وكذلك سوريا، وربما تقسيم المنطقة مرة ثانية"، بعد "سايكس بيكو" مطلع القرن الماضي.
يدرك كلٌ من "المرديادي" و"البرزفاني" مثل تلك المواقف؛ فالأول يرى أنهم يتعايشون ويتصاهرون مع العرب، فيما يقول الكاتب الكردي إن الموقف الإقليمي معروف؛ إذ يوجد 25 مليون كردي في تركيا، ونحو نصفهم في إيران إضافة إلى ثلاثة ملايين في سوريا "وإذا حدث استقلال (فهم) مُرحب بهم في بلدهم الجديد."
غير أن الباحث المصري يرى أن إقامة كردستان الكبرى غير ممكن. يبرر ذلك بأن "فكر الأحزاب مختلف في كل جزء من كردستان وصعب اتفاقهم على دولة واحدة"، مشيرًا إلى الخلافات التي وصلت إلى الاقتتال الدموي كما حدث في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وتكرر في تسعيناته بين حزب العمال الكردستاني في تركيا والحزب الوطني الديمقراطي في العراق.
ورغم اتفاق الأكراد على أن الاستقلال أمرًا مهمًا بالنسبة لهم، غير أن هناك أزمة سياسية، يشير "عبد الفتاح" إلى أن من شأنها التأثير على إجراء الاستفتاء من عدمه وكذلك خطوات تأسيس دولة مستقلة، إذ تتهم أربعة أحزاب مسعود برزاني رئيس الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم بالاستحواذ على السلطة والموارد المالية، لذا اتخذت موقفا معارضا بتعليق البرلمان، لكنها تقف مع "برزاني" بالاتفاق على إجراء الاستفتاء من باب إظهار موقفًا موحدًا، وإن كانت تعارض التوقيت والكيفية.
وللمرة الأولى منذ عامين اجتمع برلمان كردستان يوم الجمعة، وصوت لصالح إجراء استفتاء الاستقلال، رغم تغيب أكثر من 40 عضوا عن الجلسة وفقا لوسائل إعلام عراقية. وحظي الاستفتاء بدعم 65 عضوا من إجمالي عدد نواب البرلمان البالغ عددهم 111 عضوا.
يقول "عبد الفتاح" إن قوى سياسية كردية، تضغط على "برزاني" للاستجابة للمفاوضات أو الدبلوماسية لحل الأزمة بين أربيل والحكومة المركزية في بغداد "إذا تأكد للأكراد ضمانات قوية دولية وأمريكية بشكل أساسي لحل الخلاف، وأن بغداد ستتنازل لتسوية الأمور العالقة من الرواتب والمناطق المتنازع عليها".
في هذه الحالة، بحسب عبد الفتاح، "من الممكن أن يتم تأجيل الاستفتاء؛ حيث أن الأكراد يعلمون أنه سيجلب لهم المشاكل وهم لن يستطيعوا إقامة دولة اليوم والقضاء عليها غدا."
يعلم المواطنان الكرديان -"المديادي وابن عمه "البرزفاني"- أن الخطوات التالية للاستفتاء لن تكون بالهينة، لكن الكاتب السبعيني يعلنها بحزم "مينفعش نقف ساكتين وحقنا ضايع". يأمل القريبان أن يمُر الاستفتاء بسلام ويحظيا بالاستقلال "وتكون كردستان دولة راعية وصديقة مع كل الأطراف، وألا تكون عدائية مع أي جيرانها".
بينما يرى الباحث في الشأن الكردي أنه مع تذبذب الأوضاع والمواقف الداخلية والخارجية ربما يكون المشهد أمام سيناريوين، الأول أن يصدر البرلمان الكردستاني قرار تأجيل الاستفتاء، وثانيهما إقامته في ميعاده، فيقول الأكراد "نعم للاستفتاء" لكن لا يتم تفعيل الخطوات التالية "يعني القادة يقولوا للعراق والقوى الدولية معانا تفويض بالاستقلال ويكون ده وسيلة ضغط لفتح المجال بين أربيل وبغداد لخلخلة المشاكل العالقة".
فيديو قد يعجبك: