إعلان

"نتنياهو" لم يُذِع سِرّاً ... ولكن!

الكاتب إبراهيم علي

"نتنياهو" لم يُذِع سِرّاً ... ولكن!

إبراهيم علي
12:18 م السبت 16 أغسطس 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

وفقاً للغة أهل القانون، فإنهم يُصنِّفون القرار لنوعين: قراراً كاشفاً، وقراراً مُنشِئاً. أمّا القرار الكاشف، فهو الذي يكشف عن موقف سابق عليه، أو مركز قانوني مُستقرّ ومُكوَّن بالفعل، وأن ما فعله القرار وفقط، هو أنه رفع عنه الغطاء وأبرزه وأوضحه. أمّا القرار المُنشِئ، فهو الذي يستحدث ويُنشِئ شيئاً أو موقفاً أو مركزاً قانونياً من العدم، حيث إنه لم يكن موجوداً من الأصل.

تذكّرت تلك العبارات والتعريفات، بينما كنت أُطالِع قبل أيام التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لوسائل إعلام إسرائيلية محلية، والتي قال فيها: "بأنه يشعر بأنه في مهمة تاريخية وروحية من أجل الشعب اليهودي، وأنه متمسّك جداً برؤية إسرائيل الكبرى، والمقصود بها دولة إسرائيلية تشمل الحدود الجغرافية الحالية لدولة إسرائيل مُضافاً إليها مناطق القدس الشرقية، والضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ومرتفعات الجولان السورية، وجزء من الأردن ...إلخ".

توقفتُ أمام تلك التصريحات الاستيطانية التوسعية الاستعمارية، بينما لا تزال تعريفات وتصنيفات خبراء القانون تدور في ذهني، لتأخذ مكانها على الفور تحت النوع الأول، فهي تصريحات كاشفة وليست مُنشِئة، فهي كاشفة وعاكسة لمُخطط احتلالي تم إعداده مُسبقاً، وتسريبه عمداً مع سبق الإصرار والترصد خلال العقود الماضية، وهو مُخطط شيطاني مدموغ بخاتم "علم الوصول" ليعرفه القاصي والداني، وعليه فإن "نتنياهو" لم يأتِ بجديد، ولم يُذِع سراً، وبالتبعية لا يوجد في تلك التصريحات حول "إسرائيل الكبرى"، ما يدعو للاندهاش أو الاستغراب، أو حتى مجرد الشعور بالمفاجأة أو الصدمة أو المباغتة.

ورغم كل ما سبق، يجب علينا جميعاً - وهنا أقصد العرب "حكومات وأنظمة وشعوب" - أن نقف أمام تلك التصريحات بالفحص والتدقيق، لا لنأخذها على محمل الجد فقط، فهي تصريحات جادة، وتعكس مساراً متدرجاً ومتنامياً ومرحلياً، يسير ومنذ اللحظة الأولى بخطوات ثابتة ومتقنة وفقاً لبرنامج زمني صارم ومحدد، تُشكّل في مجملها خارطة طريق إسرائيل الكبرى، بدأها من سبقوا نتنياهو، وهو تسلّمها وأضاف عليها، وسيسلمها لخَلفه ليُكمِلوها، وللأسف فإن خارطة الطريق ما ينقصها أقل بكثير مما حققته.

أعود مرة أخرى وأكمل: يجب علينا جميعاً أن نعرف ثلاثة أشياء شديدة الأهمية، وهي: ماذا حدث في العقود الأخيرة لنا كمجتمع عربي؟ وما هو وضعنا الحالي، تشخيصاً وتحليلاً؟ وما الذي ينتظرنا في المستقبل إذا استمر وضعنا الحالي كما هو عليه؟ باختصار إننا في احتياج لعمل "تقدير موقف"، إننا نحتاج لجهاز أشعة بالرنين المغناطيسي يكون قادراً على استيعاب الأمة العربية جمعاء، يتم وضعها فيه، لتخرج لنا "أشعة مُجمّعة تفصيلية" تساعدنا في التشخيص، ومن ثم نتناول جميعاً وفي الوقت نفسه الدواء المناسب، حتى لا نستمر في خانة "المفعول به"، نحن نريد "علاجات" تُمكّننا من التموقع في خانة "الفاعل".

أمراضنا كثيرة ومزمنة: نعاني من داء الفتنة، والنفعية، والبراغماتية، نعاني من أمراض "النظر تحت أقدامنا"، و"مصلحتي ومن بعدي الطوفان". نعاني من التشرذم والتفتت وفقدان الثقة بالنفس، نعاني من فجوات وفجوات بين الحاكمين والمحكومين، فقدنا قناعات ومبادئ أخلاقية كثيرة، غرِقنا في مشاكلنا الداخلية، وأزماتنا الاقتصادية، وصراعاتنا الطائفية. أصبحنا ظاهرة "حنجورية" نشجب وندين. لم نهتم بالتعليم والبحث العلمي، لم نهتم بالصحة، لم ننجح في بناء أجيال قادرة على صناعة مستقبل، لم، ولم، ولم ...إلخ.

لابد أن نعي أن الاتحاد قوة، لابد أن نعي أن عدونا انتقل من التلميح والتسريب إلى التصريح و"البجاحة"، وأنه قبل أن يُدلِي بتصريحاته، ألقى بناظريه عن يمينه وشماله، وشرقه وغربه، وبحث في قائمة مراجعاته وموانعه فلم يجد في هذا التوقيت، وبعد ما أنجزه، ما يمنعه من الانتقال إلى العلن، والإدلاء بتلك التصريحات غير المسبوقة ذات الوزن الثقيل. لابد أن نعترف أنه قد "ذهبت ريحنا"، لابد أن ندرك أن حالة الوهن التي نحن عليها الآن لن تمكّنه فقط من بناء إسرائيل الكبرى، بل ستختصر عليه وقتاً وجهداً كبيراً. لابد أن نتوقف طويلاً أمام توقيت تلك التصريحات المدروسة.

وأخيراً أحذر الجميع: إن نتنياهو يرى في هذا التوقيت أنه آن الأوان، وأن ما كان مؤجلاً عصيٌّ على التأجيل، وأن الظروف مواتية، وأن الرياح أتت كما اشتهت سفينته!!!

وفي الختام ... أتمنى أن لا نكون ممّن قال عنهم الشاعر:

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً... ولكن لا حياةَ لمن تُنادي.

أفيقوا يرحمكم الله.

إعلان

إعلان