إعلان

«الجندي»... الحضور الذي لا يحتاج صاحبه

محمد جادالله

«الجندي»... الحضور الذي لا يحتاج صاحبه

محمد جادالله
07:00 م الإثنين 15 ديسمبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

هناك أشخاص يأتون إلى العالم وكأنهم يحملون رسالة خفيّة، لا يطرقون الأبواب بعنف، ولا يرفعون أصواتهم ليُسمِعوا الناس. يظهرون بهدوء، ويتكلمون ببساطة، لكن أثرهم يبقى طويلًا، أعمق من أي ضجيج. وفي مناسبة عزيزة كهذه، عيد ميلاد الشيخ خالد عبدالمحسن الحسيني الجندي، الشهير بالشيخ خالد الجندي، الذي يوافق الرابع عشر من ديسمبر، لا يمكن للمرء إلا أن يتوقف قليلًا أمام هذه الحالة الإنسانية والدينية الرفيعة، حالة العالم الذي لم يكن يومًا مجرد صاحب علم، بل صاحب أثر.

الجندي لم يسعَ يومًا لأن يكون في الصدارة، ومع ذلك وجد نفسه في قلوب الناس. وربما هذا هو سرّه الحقيقي، يا عزيزي القارئ؛ أن حضوره لا يُفرض، بل يُستقبل. حين يظهر في برنامجه «لعلهم يفقهون» المُذاع على قناة dmc، لا تشعر أنك أمام خطاب وعظي تقليدي، بل أمام حديث يشبه الجلوس مع شخص تثق فيه. لا صراخ، لا مبالغة، فقط كلمات تخرج من قلب صادق، فتصل إلى القلب بلا مقاومة، وتُعيدك، يا عزيزي، إلى ما نسيته وسط زحام الحياة.

الدين عنده ليس عبئًا على الروح، بل مساحة راحة. ليس سيفًا مرفوعًا، بل نورًا هادئًا. لذلك، كثيرون ينهون متابعته وهم يشعرون بأن شيئًا في الداخل قد استقر، دون خطب رنانة أو شعارات كبيرة. طمأنينة خفيفة، ترتيب هادئ للأفكار، ويقين لا يصرخ.

وحين ننتقل إلى قلمه، وتحديدًا مقاله الشهري في مجلة «وقاية» التابعة لوزارة الأوقاف، نجد الروح ذاتها. لغة متزنة، وفكر مسؤول، وكلمات لا تُلقى عبثًا. لا يكتب ليملأ مساحة، بل ليبني وعيًا، ويترك القارئ، يا صديقي، أمام نفسه دون قسوة، وأمام الحقيقة دون تخويف.

ولم يكن غريبًا أن يُقابل هذا الحضور بتقدير يليق به؛ ففي أكتوبر 2021، وخلال احتفالية وزارة الأوقاف بالمولد النبوي الشريف، كرّمه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقلادة وسام العلوم والفنون، تقديرًا لدوره وعطائه في مجال الدعوة الإسلامية، وتأكيدًا لقيمة خطاب ديني اختار التنوير طريقًا، والإنسان محورًا.

ومع مرور الوقت، يتجاوز تأثير الشيخ خالد الجندي حدود الشاشة والمقال، ليصبح نموذجًا لرجل دين يعرف أن مهمته الحقيقية هي الاحتواء، لا الإقصاء، وبث السكينة، لا الخوف. وجوده يذكّرنا أن الخطاب الديني يمكن أن يكون عميقًا، جميلًا، وقريبًا من القلب في آن واحد.

وفي عيد ميلاده، لا نحتفي بعمرٍ جديد فقط، بل بتجربة أثبتت أن التأثير لا يُقاس بعلو الصوت، بل بصدق الكلمة.

إنه بالفعل: حضورٌ لا يحتاج صاحبه.

***

كاتب في السرديات الثقافية

mohamedsayed@art.asu.edu.eg

إعلان

إعلان