إعلان

مدرسة أسّس لها هذا الرجل !

سليمان جودة

مدرسة أسّس لها هذا الرجل !

سليمان جودة
08:25 م الأحد 01 مايو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عاش السياسي الإيطالي نيقولا ميكيافيلي في بدايات القرن السادس عشر الميلادي، ولم يكن يعرف أن ما كان يراه في الممارسة السياسية سيظل مذهباً سياسياً مرتبطاً باسمه على مر الزمان !
ورغم مرور كل هذه القرون على رحيله، إلا أن اسمه لا يزال حاضراً في كل مرة يرى فيها الناس أن سياسياً من الساسة حولهم، يتصرف بالطريقة التي كان ذلك السياسي الإيطالي يتصرف بها، ويراها، ويدعو إليها، ثم يتركها في تراثه الذي عرفناه عنه من بعده !
وعلى مدى القرون الممتدة من الفترة التي عاش فيها ميكيافيلي، صرنا نعرف أننا إذا وصفنا سياسياً معيناً بأنه يتبع فيما يفعله السياسة المكيافيلية، فمعنى ذلك أنه يريد الذهاب إلى هدفه الماثل أمام عينيه من بعيد بأي وسيلة، وبصرف النظر تماماً عما إذا كانت وسيلته للوصول إلى الهدف على غير وفاق مع المبادئ العامة السليمة التي يتوافق حولها أصحاب الضمائر الحرة !
وبمعنى آخر .. فإن السياسة الميكيافيلية تظل أقرب ما تكون إلى الفلسفة البراجماتية، التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، والتي لا تتوقف كثيراً ولا قليلاً أمام المُثل والأخلاق والتقاليد المرعية، بقدر ما تتوقف أمام الحصيلة العملية لأي عمل يقوم به صاحبه على الأرض !
والذين يتابعون خطوات السياسة التركية في وجود الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على رأس السلطة في بلاده، لا بد أنهم يلاحظون أنه أقرب ما يكون إلى السياسة الميكيافيلية فيما يمارسه من سياسات خارجية، وأنه نموذج للفلسفة البراجماتية في النظر إلى علاقته بشتى العواصم والدول !
ففي وقت من الأوقات كان اردوغان يعادي المملكة العربية السعودية كما لا يعاديها أحد، ولم يكن يتوقف عن الهجوم على الرياض، ولم يكن يرى في المملكة ما يدعوه الى التوقف عن الهجوم عليها، وكان يفعل هذا بمناسبة وبدون مناسبة، وكنا نتساءل عن الطريقة التي سيعتمدها إذا ما قرر ذات يوم أن يعود بعلاقات بلاده مع السعودية إلى مستواها الطبيعي ؟!
وهو قد وفر علينا عناء الإجابة على هذا السؤال، فقرر في لحظة أن يطوي صفحة الخلاف مع السعودية ، وأن ينسى ما كان منه تجاهها، وأن يذهب قبل أيام لزيارتها ويلتقي هناك بالملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان !
ومن الواضح أن لحظة قد جاءت عليه اكتشف فيها أن مصالح تركيا، خصوصاً على المستوى الإقتصادي، هي في وجود علاقات طبيعية مع السعودية، فلم يتردد وقرر السير على الفور في هذا الطريق، دون أن يهتم كثيراً ولا قليلاً بما سوف يقوله عنه منتقدوه !
وقد ذهب إلى الزيارة بينما ابتسامة عريضة تملأ وجهه عند لقاء الملك وولي العهد، وقد فعل ذلك وكأنه ليس هو الذي قال كذا وكذا بالأمس القريب في السعودية وفي حكومتها !
وليست السعودية سوى مجرد مثال في هذا السياق، لأنه فعل الشيء نفسه تقريباً مع دول أخرى عديدة في المنطقة وفي خارج المنطقة، وقد كان يفعل ذلك ويمارسه بأعصاب باردة تماماً .. أعصاب لا ترى في تناقضاته ما يستوجب الإعتذار عن فعل الشيء وعكسه في ذات الوقت !
وسوف يأتي يوم يقال فيه أن رجلاً مر من هنا اسمه اردوغان، وأنه أسس لمدرسة في السياسة التي كان يمارسها في المنطقة وفي العالم، وأنها مدرسة ارتبطت به وارتبط هو بها !

إعلان