إعلان

"ملحقش يفرح بالزينة".. حكاية مقتل "الجدع" برصاص غدر في الهرم

02:10 م الخميس 30 أبريل 2020

المتهم والمجني عليه

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد شعبان:

كعادتهم كل عام، يهتم "كريم" وأصدقاؤه بتعليق الزينة احتفاءً بحلول الشهر الكريم، وازدادوا إصرارا للحفاظ على تلك العادة في ظل الظروف الراهنة، وعقدوا العزم على استلهام روح الشهر المبارك في "زمن الكورونا". همَّ الشباب لإنجاز مهمتهم قبل يومين من رمضان، لكنهم فوجئوا بشاب يستقل "توك توك" فتح النار عليهم بشكل عشوائي. مرت الأمور بسلام إلا أن عودة الشخص نفسه بعد ساعتين كتبت نهاية دموية فقد معها أهالي نزلة السيسي بحي الهرم "قتيل الغدر".

في 14 فبراير الماضي أعلنت مصر عن أول حالة إيجابية لمرض كوفيد-19، طبقت على إثرها حزمة إجراءات للحد من انتشار الفيروس. فضل "كريم" ترك عمله كـ"مساعد شيف" في أحد المطاعم خوفا على صحة والدته التي تعاني نقصا في المناعة.

مساء الثلاثاء 21 أبريل الجاري -قبل يومين من رمضان- تجمع ابن الـ21 ربيعا وأصدقاؤه بمنطقة سكنهم لتعليق الزينة، وسط فرحة عمت الجميع، الكبار والصغار، الرجال والنساء، جلس كل منهم يتذكر الأيام الخوالي داعين الله زوال الوباء.

التاسعة والنصف مساء، أنجز الشباب مهمتهم، وقفوا على ناصية الشارع ينظرون بفخر للوحة فنية رسموها بقلوبهم قبل أيديهم، وكأن الروح دبت في المنطقة من جديد. لحظات تبدلت معها الأجواء، ذعر وخوف سيطر على الجميع لدى إطلاق مجهول طلقات خرطوش بشكل عشوائي من داخل "توك توك"، وفشلت محاولات اللحاق به.

بعد مرور ساعتين عاد نفس الشخص للظهور، لكن "كريم" وأصدقاؤه أمسكوا به تلك المرة، وتبين أنه يدعى "محمد.ف.ش"، (20 سنة عاطل)، وشهرته "حندوقه" وبرر فعلته "بهزر معاكم يا رجالة" فنشبت مشادة كلامية بين الطرفين، وسط تراشق بالألفاظ.

ارتفعت وتيرة الشجار، وحاول "كريم" إبعاد هاتفه قدر المستطاع عن الضرر، فأصاب بالخطأ "حندوقه" بمنطقة الأنف، لكن تدخل عقلاء المنطقة حال دون تفاقم الأمور، مطالبين الأخير بالرحيل لكنه توعدهم "والله هوريكيم.. مش هسيبك يا كريم".

عاد الهدوء يطبق على "نزلة السيسي" تزامنا مع عودة شقيق كريم الأكبر "محمود" الذي بادر بالسؤال "ايه اللي حصل يا جدعان؟". أخبر الحضور "محمود" أن والد "حندوقه" جاء من المنيا واستقر في "نزلة التقسيم" -القريبة من نزلة السيسي- فقرر التوجه له في الغد لإنهاء الخلاف.

الرابعة عصرا، انتهى "محمود" من أعمال التشطيب في شقته، توجه بعدها إلى أصدقائه الذي أعد له حفلا بسيطا بمناسبة عيد ميلاده، مكث معه قرابة الساعتين، وانصرف في السادسة مساء حتى يصل منزله قبل موعد الحظر.

تناول الشقيقان "كريم" و"محمود" وجبة الغداء في المنزل، وغادر بعدها الأول المنزل قاصدا سوبر ماركت قريب على وعد بالعودة سريعا "هجيب حاجة واقف 10 دقائق مع أصحابي" ليطلب منه "محمود" إحضار قرصا لعلاج الصداع، دون أن يدري بأنها لحظات الوداع.

لم تمر سوى 10 دقائق حتى حضر الجيران "إلحقوا كريم اضرب بالنار". أسرع "محمود" لمعرفة ماهية الحدث، لكنه لم يجد شقيقه بعد نقله لمستشفى الهرم.

داخل قسم الطوارئ، وقعت أنظار "محمود" على شقيقه طريح الفراش وأخبره الطبيب "عملنا لأخوك عملية استكشاف -فتح بطن- واستئصال جزء منها" موضحا صعوبة حالته "الأمل 10 %.. وخلال 48 ساعة لو اتحسن هنرجع له الجزء اللي استئصلناه".

"حندوقه ضرب اخوك بفرد خرطوش.. كان مستنيه على أول الشارع" بهذه الكلمات وضع زملاء "كريم" شقيقه أمام الحقيقة.

انتصف ليل القاهرة، حرر مسؤولو نقطة الشرطة الملحقة بالمستشفى محضرا بالواقعة، وطالبوا "محمود" بالتوجه إلى قسم الهرم لإتمام الإجراءات.

في طريقه إلى القسم، اتصل الطبيب المعالج بشقيق "كريم" مطالبا إياه بضرورة توفير أكياس دم لتعويض ما فقده الشاب العشريني، فأخبر أصدقاء المصاب بسرعة التوجه إلى وسط البلد بحثا عن فصيلة "كريم".

60 دقيقة تلقى بعدها "محمود" الخبر الأصعب في حياته "البقاء لله.. أخوك مات". داخل أروقة قسم شرطة الهرم المتاخم لآخر عجائب الدنيا السبع، عكف المقدم محمد الصغير رئيس مباحث الهرم، على جمع التحريات وتفريغ كاميرات المراقبة بموقع الحادث للوقوف على ملابساته كاملة.

بدت الصورة واضحة دون نقصان، "حنودقه" ترصد لـ"كريم"، وعلى بعد مترين، أطلق عليه عيارا من فرد خرطوش أصاب "صميم البطن" -أقرب نقطة للقلب- بدافع الانتقام.

قوة من وحدة المباحث طاردت المتهم في الأماكن التي يتردد عليها بعد تتبع خط سير هروبه، وتمكن الرائد إسلام السيد معاون مباحث الهرم، من ضبطه والسلاح المستخدم.

أمام العميد عاصم أبو الخير مدير المباحث الجنائية بالجيزة، برر المتهم فعلته "كان قصدي أهوش بس"، وجرى تحويله إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسه تمهيدا لإحالته إلى المحاكمة الجنائية.

بالعودة إلى نزلة السيسي، عمَّ الحزن القلوب والبيوت على حد سواء، انزوى أصدقاء "قتيل الغدر" عن المشهد في محاولة لاستيعاب الفاجعة، فقدوا صديقهم في لمح من البصر دون سبب، ينظر أحدهم للزينة بينما غالبت الدموع مقلتيه "الله يرحمك يا صاحبي كان نفسك تفرح الناس في رمضان".

صعودا إلى شقة "الجدع" -كما لقبه أهالي نزلة السيسي- كان اللون الأسود سيد الموقف، صراخ وعويل دون انقطاع حزنا على "كريم" حتى تصف أحد أقارب والدته حالتها "أ كريم بتموت في اليوم 1000 مرة من وجعها على ابنها".

"نحتسبوا عند الله شهيد" يؤكد شقيق كريم احترامه الكامل للقانون وثقته في النائب العام المستشار حماده الصاوي "إحنا عايزين حقنا.. القصاص العادل هو مطلبنا" مطالبا الأجهزة الأمنية بالتصدي لحائزي السلاح بدون ترخيص لاسيما الشباب "مش عايزين اللي حصل يتكرر".

فيديو قد يعجبك: