إعلان

بعد دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية: هل قاطع رسول الله أعداءه اقتصاديًا؟

02:58 م الثلاثاء 27 أكتوبر 2020

مقاطعة المنتجات الفرنسية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – آمال سامي:

"إلا رسول الله" الحملة التي تفجرت شعبيًا نتيجة الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسوم كاريكاتيرية فرنسية، أدت إلى حملة أخرى تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتباينت ردود الأفعال تجاه هذه الحملة سواء بين الأفراد أو بين الدعاة والعلماء، وهو ما دفعنا لنسأل: هل قاطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه اقتصاديًا يومًا ما؟ في التقرير التالي يحاول مصراوي الإجابة على هذا السؤال عبر رصد نموذجين للمقاطعة الاقتصادية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان أولهما مقاطعة أعدائه له ولأنصاره حتى من المشركين في شعب أبي طالب، أما الثانية، فكانت على العكس، مقاطعة من مسلمي اليمامة لكفار قريش أنهاها تدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمًا ورحمة بأهله في مكة.

شعب أبي طالب.. أول مقاطعة ضد المسلمين

كانت أول مقاطعة اقتصادية عرفها المسلمون ضدهم، فحين رأت قريش انتشار الدين الجديد بين أفرادها اجتمعت على أن تعزل بني هاشم وبني عبد المطلب وبني عبد مناف اقتصاديًا، فاتفقوا ألا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه! وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، وأورد ابن كثير شروط تلك المقاطعة الاقتصادية في كتابه "البداية والنهاية" حيث تعاهد مشركي قريش على أنهم: "لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلَّموا رسول الله ﷺ للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل." وبدأ ذلك الحصار والمقاطعة الاقتصادية للمسلمين منذ السنة السابعة للبعثة النبوية.

واستمرت تلك المقاطعة حوالي ثلاث سنوات عانى فيها المسلمون كثيرًا من الجوع ومن الضغط الاقتصادي لقريش، فيروي ابن كثير كيف كانت قريشًا تقطع الأسواق عن المسلمين وشعبهم، فلا يتركوا طعامًا ولا بيعًا في مكة إلا سبقوهم إليه واشتروه، وتروي لنا كتب السير والصحاح كيف عانى الصحابة رضوان الله عليهم جراء ذلك الحصار، حتى أكل أحدهم جلدة بعير جافة تساقط عليها بوله، وكان هذا الصحابي هو سعد بن أبي وقاص حيث روى: "خرجت ذات يوم ونحن في الشعب لأقضي حاجتي فسمعت قعقعة تحت البول، فإذا هي قطعة من جلد بعير يابسة، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها ثم رضضتها، وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال".

وظلت هذه المقاطعة قائمة حتى أكلت الأرضة صحيفتها المعلقة بالكعبة وانتهت بعد قرابة ثلاث سنوات.

قصة ثمامة بن أثال والمقاطعة الفردية

ذكر البخاري قصة إسلام ثمامة ابن أثال حين احضر أسيرًا من أحدى السرايا التي بعثها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى نجد، ليسلم في المدينة بعد أن أطلق رسول الله سراحه ثم ينطلق إلى مكة معتمرًا، فعرف أهلها أنه أسلم، وأخبرهم بمنع السلع عنهم حتى يأذن رسول الله..

فيروي البخاري في صحيحه كيف ربط ثمامة بسارية من سواري المسجد حتى جاء إليه النبي قائلًا: "ما عندك يا ثمامة؟" فقال: "عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم علي شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت"، . فتركه حتى كان الغد ثم قال له : " ما عندك يا ثمامة ؟ " فقال : عندي ما قلت لك . إن تنعم تنعم على شاكر . فتركه حتى بعد الغد فقال : ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي ما قلت لك . فقال : "أطلقوا ثمامة" . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، يا محمد ، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي ، والله ما كان دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قال له قائل : صبوت ؟ قال : لا ، ولكن أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم...

وبالفعل لم يرسل ثمامة حبة واحدة إلى مكة حتى جاءه إذن النبي، فيقول ابن حجر في فتح الباري: "زاد ابن هشام: ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إنك تأمر بصلة الرحم، فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم".

ويعلق الدكتور عابد بن عبد الله سعدون في كتابه "المقاطعة الاقتصادية تأصيلها الشرعي" على تلك الرواية قائلًا إنها تدل على وقوع المقاطعة الاقتصادية في صدر الإسلام الأول ومشروعية اللجوء إليها واستخدامها كسلاح ضد العدو، كما تدل على دور الأفراد المؤثر في تفعيل المقاطعة وتقويتها.

بُعد المقاطعة والحصار الاقتصادي في غزوات الرسول وسراياه

يرى الدكتور سعدون أن الغزوات والسرايا التي سبقت غزوة بدر في السنة الأولى والثانية من الهجرة ومنها غزوة ودان وسرية عبيدة بن الحارث وسرية حمزة إلى سيف البحر وغزوة بواط وسرية عبد الله بن جحش كانت لها مقاصد الحصار والمقاطعة الاقتصادية، ويتابع سعدون توضيح ذلك قائلًا إن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر للمدينة أخذ في اعتراض قوافل قريش للنيل منها وحصارها اقتصاديا وتضييق طرق التجارة عليها "وهذا لا يعدو أن يكون مقاطعة اقتصادية لإضعاف العدو وإخضاعه لمطالب خصمه"، بل يذهب السعدون أبعد من ذلك، حيث يذكر أن لغزوة بدر الكبرى أسبابًا اقتصادية أيضًا، فهو لم يرد القتال، بل أراد "التنكيل الاقتصادي" فقال: "هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها"، ولذلك حين أفلتت العير استشارهم حين لم يبق إلا القتال.

فيديو قد يعجبك: