إعلان

رحلة 3 بنات من الساحل إلى مدينة "الزومبي"

05:15 م الأربعاء 23 سبتمبر 2015

مها وأسماء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي ودعاء الفولي:

علامة عشرية تتبعها أرقام حالت دون وصول ثلاث فتيات للحلم المُراد؛ بالدخول ضمن عداد أطباء الأسنان، فحولت مصيرهن إلى كلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة، وفرضت عليهن التعايش مع ظروف العاصمة بكل ما فيها، جعلتهن أكثر تقبلا للآخر وأكثر ضيقا بحديث الساخرين الذي يلاحقهن "هتروحوا القاهرة عشان تشتغلوا مدلكاتية؟"، فيما تبدلت المصائر بعد ثلاث سنوات بين اثنتين فضلتا المكوث في عاصمة المعز كونها طريقا للمستقبل، وثالثة سئمت الحياة في جنبات القاهرة، منتظرة اللحظة التي تستلم فيها الشهادة كي تعود أدراجها لمدينتها الساحلية.

مدينة الزومبي

مدينة "الزومبي" هو العالم الذي انتظرته أسماء سامي فور وصولها للقاهرة حسب تخوفات الأهل في الغردقة، الهواجس طاردتها؛ العاصمة الموحشة، الوحدة، تغيير الصديقات، حياة الجامعة ونظام الدراسة "كنا جايين من البيت مُحملين بكم تحذيرات كأننا داخلين حرب.. أي حد ممكن يؤذيني" غير أن الواقع لم يكن كذلك "التجارب علمتنا وربنا كان موقف لنا ولاد الحلال".

لم تسلم الفتاتان من تشكك البعض في أخلاقهما، فقط لأنهما بعيدتان عن المنزل "لو اتأخرت في عيادة يبقى انا كنت بعمل حاجة غلط" تقول مها العايدي القادمة من الإسماعيلية، يُضفي ذلك ضغطا أكبر عليهما، بالإضافة لحياة الجامعة الممتلئة بالمشاكل، حيث الاختبارات والدراسة "وفي وسط كل دة بنبقى لوحدنا مش عايزين نزعجهم في البيت"، تحكي أسماء عن التعب الذي يصيبها أحيانا ولا تستطيع إبلاغ أهلها "لأنهم هيخافوا بزيادة، بس ساعتها الواحد بتصعب عليه نفسه"، غير أن تلك الخبرات أعطت للصديقتين مزيدا من التماسك "واتعودنا مع الوقت".

بنت بـ100 راجل

لم تكتفِ مها بسماع كلمات اللوم والتشكك في كونها مغتربة، بل انتقدت الوضع، بمقال صغير دونته على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي وكان أول نتاج الغربة، روت فيه تلك الإرهاصات التي تلوكها الألسن منها "أهلك فرطوا فيكي.. قاعدة إزاي من غير رقابة أهلك، مأمنين عليكي إزاي لوحدك"، فيما ترد أن "البنت المغتربة أرجل من أي راجل".

رحلة مها من الإسماعيلية إلى القاهرة كانت مهيبة، من الاستكانة للركض، ومن السير في كنف العائلة إلى العيش منفردة، هون عليها الأمر إقامتها في منزل عمها "كنت متعودة أجي عندهم في زيارة.. لكن إقامة كاملة ده كان جديد عليا".. الطموح والحلم كانا صوب عين مها لذلك حدثت نفسها بأن العودة للإسماعيلية تعني الفشل وأن الاستمرار رغم الصعاب يعني تحدي ونجاح عاهدت نفسها على الدخول فيه، قبل أن تقرر الابتعاد عن منزل العم في العام الدراسي الثاني "كان لازم أعتمد على نفسي".

سكن المغتربات

ذهبت مها إلى جمعية الشبان المسلمين بالدقي "عبارة عن مدرسة كبيرة، مبنى إداري ومبيت مغلق بالحديد، من طابقين، 25 غرفة، الغرفة الواحدة بتشيل 4 او 5 بنات"، وقد جمعها الحظ مع صديقتها أسماء التي قضت عامها الأول بالمدينة الجامعية "كانت كأنها جيش". مع دقات الثامنة يضرب التمام، لا خصوصية، أو رفاهيات، والأبواب موصدة "في المدينة البنت بيتحط عليها سور"، أول سنة مرت كدهر، لكن انتقالها لدار المغتربات حول الأمر بوجود الاستقلال "الواحد عايز يحس ولو 20% إنه في بيته.. موجود ثلاجة وغسالة ومواعيد تناسب شوية الدراسة.. فيه مرونة أكتر وثقة أكبر"، والمقابل المادي شهريا لا يزيد عن 400 جنيها، حسب عدد الأسرّة في الغرفة الواحدة.

حياة الغربة علّمت مها وأسماء الاعتماد على النفس كليا، أصبحتا ذات مسئولية وقرار وخبرات متراكمة "اتعلمنا كتير من القعدة لوحدينا، نشيل مسئولية نفسنا وندبر أمورنا من الغسيل والأكل والشرب، إحنا فاضلنا عيال ونربيهم "، تقول مها ضاحكة.

ترى أسماء أن للقاهرة مساوئ تسعى كل مغتربة لتخطيها، ففضلا عن الازدحام، فهي مدينة مُشتعلة بالأحداث "لما بيبقى فيه مظاهرات التلفزيون بيخلي الناس عندنا في البيت قلقانين أكتر"، تلتقط مها أطراف الحديث لتروي عن عامها الثاني الذي مر بالكاد وسط أحداث جامعة القاهرة، فيما تتذكر خوفها من استقلال وسائل المواصلات وحيدة كي لا يتم اختطافها "لدرجة إني كل ما كنت بركب تاكسي ويمشي بيا من طريق مختلف أبعت رقمه لماما".

القاهرة حلوة

مع الوقت أصبحت أسماء ومها أكثر جرأة، اعتادتا روح القاهرة، وصارت أكثر حميمية بالنسبة إليهما، وأضحت خططهما المستقبلية مرتبطة بالعاصمة ودروبها، تمتلك مها آلة "كمان" وترغب في تعلم العزف عليها، بينما تتابع أسماء أنشطة ساقية الصاوي وتحاول الالتحاق بها على قدر المستطاع تنسيقا مع دراستها وميعاد العودة للسكن في التاسعة مساء "عندنا فرع ساقية الصاوي في الغردقة بس للأسف مبيعملش حاجة".

العودة للغردقة والإسماعيلية لم تعد واردة، مجال العمل ليس مفتوحا كحال القاهرة، حتى الزيارات الشهرية في الإجازات باتت استثناء "كل الدكاترة الكبار والعيادات المهمة وحتى الكورسات والماجستير مكانهم العاصمة.. واحنا بدأنا رحلة وهنكملها".

غيداء.. حلم العودة للإسكندرية

كانت غيداء أحمد القادمة من الإسكندرية، قد أقنعت نفسها بالمجيء للقاهرة إذا ما استطاعت دخول كلية العلاج الطبيعي، بعدما فقدت الأمل في دخول طب الأسنان، لم يكن لديها مشاكل في أيامها الأولى "لأني كنت برجع البيت كل أسبوع"، اعتادت قضاء خمس أيام في القاهرة، ويومين في مدينتها، غير أن الأحوال تغيرت منذ عامها الثالث بالكلية "بقى لازم أقعد بالشهر وأكتر عشان الامتحانات"، وفي ذلك العام يتعين على الطلاب الحصول على تدريب بالمستشفيات.

لم تُحب غيداء القاهرة يوما، كانت تأتي مرة أو اثنتين في العام وتعود بنفس اليوم، لكنها كانت تُحب الكلية ورأت أن الأمر يستحق العناء، رغم أن العاصمة مزدحمة مثل الإسكندرية غير أن الطقس المختلف أول ما أثر بها، ثم التحرك في المواصلات العامة "القاهرة الأماكن بينها وبين بعض مسافة"، تحكي الفتاة العشرينية أنه رغم بساطة الأمر، لكنها علمت أهمية البحر حين ابتعدت "مش عارفة الناس في القاهرة لما بيعوذوا يتبسطوا بيروحوا فين؟"، كان السؤال يجول بخاطرها قبل أن تجرب بنفسها "الكافيهات والأماكن المقفولة هي البديل الوحيد وحتى الكورنيش بتاع النيل مش زي البحر".

في سكن يتبع جمعية الشبان المسلمين استقرت غيداء، لم تبتغِ والدتها لها أن تقطن بالمدينة الجامعية "ماما كانت عارفة إن المدينة مش حلوة فقالتلي بلاش"، تقطن في غرفة داخل السكن برفقة زميلة لها في الكلية، لكن ذلك لم يمنع المشاكل، فالكلية تمتلئ بشباب وبنات من أقاليم مختلفة "والطباع مش زي بعضها وفيه ناس كانت بتبص لبنات إسكندرية على أنهم منفتحين ودة كان بيضايقني جدا".

تعلمت غيداء -التي تقضي السنة الأخيرة بالكلية- عدة أشياء بسبب الغُربة "مبقتش عفوية زي الأول.. بقيت حذرة في التعامل جدا بس بقيت كمان أعرف أخد حقي"، المواقف السيئة التي ألمت بها فعلت ذلك، جزء منها حدث في القطارات التي كانت تركبها أسبوعيا "مبقتش أسكت لما حد يضايقني"، تعلم أن الأمور السيئة تحدث في كل مكان "لكن الموضوع بيفرق لما يبقى أهلك موجودين"، تذكر حين خرجت لكورنيش النيل فجلست على أحد المقاعد لتفاجأ بشخص يختطف هاتفها المحمول، وحينما حاولت جذبه سقط أرضا وتهشم.

أيام وتبدأ غيداء مرحلة الامتياز الذي يؤهلها للحياة العملية، غير أنها ستحصل عليه في الإسكندرية "ما صدقت إني قربت أخلص عشان أرجع البيت"، فرص العمل والتدريب أوسع في القاهرة، على حد قولها، لكنها ستتنازل عن ذلك في سبيل الراحة النفسية التي افتقدتها منذ استقرارها في المدينة المزدحمة.

تابع باقي موضوعات الملف:

في دنيا المغتربات.. ''المعافرة صنعة'' (ملف خاص)

undefined

حكاية ''منة'' بنت مطروح.. ''كواليس المدينة وسنينها''

2015_9_22_15_42_20_47

يارا.. بنت صعيدية مش طالعة من التليفزيون

2015_9_22_14_10_4_844

من الزقازيق للقاهرة.. اغتراب ''ندى'' وأهلها بلا عودة

2015_9_20_19_27_2_622

رنا وإسراء.. بين ''مرمطة'' دار المغتربات و''نار'' السكن المستقل

1

''سارة''.. من دمنهور للقاهرة ''كعب داير'' يوميا

2015_9_22_13_47_41_245

بنات بحري في المنيا.. ايه اللي رماك على المُرّ؟

2015_9_17_16_37_24_342

القاهرة التي تسكنها ''سارة''.. ''مكنتش على البال''

2015_9_18_13_41_2_584

الروح تدب مطرح ما تحب.. حكاية ''مغتربة'' اسمها ''ندى''

2015_9_23_13_35_15_701

 

فيديو قد يعجبك: