إعلان

"بيوت أهل غزة عمَار".. قصة "خليل" في إيواء المتضررين أثناء وبعد الحرب

03:13 م الثلاثاء 29 يونيو 2021

رويترز- طفل ينقل أخيه أثناء القصف بعد مغادرة البي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد:

حَفِظَ خليل سليم وصية أبيه "في الحرب اترك أبوابنا مفتوحة"، فإن هرب أحدهم من القصف ومرَّ بالمنزل، احتمى بهم دون استئذان، وبقي متى شاء له أن يقيم حتى تعود الحياة. في العدوان الإسرائيلي على غزة والذي استمر 11 يومًا استقبل سليم نحو 5 عائلات، ولأن الحرب لا تنتهي بتوقف القذائف، لذا استمرت أبواب مهندس الكمبيوتر مفتوحة في بيته وشركته.

يقيم خليل في حي الفالوجة ببلدية جباليا –شمال غزة. في الأوقات العادية يغلب على المنطقة الهدوء، لكن بالحرب يسكن الفزع بلا هوادة؛ في اليوم الثاني لانداع العدوان الإسرائيلي وصل لجار سليم اتصال من مخابرات الاحتلال يهدد بقصف بيته، فلجأ إلى منزل المهندس.

داخل منزل من طابق واحد، متوسط المساحة، جلس الأب وزوجته وأبنائه الخمسة وشقيقتيه، انضم إليهم أسرة جاره، ومع استمرار القصف، احتمى معهم عائلات أخرى، وصل العدد إلى 30 فردًا من المنازل المجاورة، البعض كان يمكث ثم يذهب لبيت أحد معارفهم وأخرين يغادرون ويعودون مرة أخرى.

لم يتساءل سليم أبدًا كيف يقيم هذا العدد في مكان واحد بهذا الوقت العصيب، يقول "استضافة الجيران والأهل في الحرب ليست خيارًا. لا أحد يستأذن منك ليأتيك. البيوت مفتوحة وأي شخص يأتيك تستضيفه لأنك ستكون في مكانه بأي لحظة"، وكذلك فعل العديد من أهل غزة أثناء القصف وبعده كما يقول سليم.

عقب 10 أيام عاد الضيوف لبيوتهم، المدمر منها وما نجا، لكن ظلت أبواب سليم مفتوحة لمن يطلب، خاصة مع انقطاع الكهرباء أغلب النهار، يتشارك مع مَن نجوا الطعام، المعدات مثل الثلاجات والغسالات، يقتسمون كافة تفاصيل الحياة اليومية، وكذلك يفعل غيره من الجيران. لا يعتبرون هذا تفضلاً "الشعب الفلسطيني ماهر في الحياة، يعتبر أن هذه التصرفات من النضال ضد المحتل".

1

كان العدوان الأخير على غزة الأصعب لسليم، ما تخيل يومًا أن يضطر لاختيار أي من أبنائه يبقى معه. بدمع العين قسم الأب أسرته وقت القصف؛ الزوجة وابنه الكبير(13عامًا) والطفلين الأصغر (5، 10 أعوام) في الجهة الغربية، وابنته(14 عامًا) وابنه الأوسطين معه في الجهة الشرقية، وضع يقينه في البقاء ولو بشخص واحد منهم "عشان لا قدر الله واستشهد بعضنا. يبقى جزء آخر منا يقاوم على هذه الأرض".

رغم قسوة الأيام، لكن هونتها "عزوة" التجمع مع الجيران في منزل سليم، يتسامرون ويأكلون سويًا، يقتسمون الضحكة من قلب العتمة، كانت فرصة لعودة الأسرة معًا، وتكاتف أبناء الحي بعدما كانت الحياة تشغلهم، يرى ابن جباليا أن نعمة إلهية على أهل غزة بأن تتحول كل مصيبة لشيء جميل، إذ استمر التكاتف بعد توقف القصف.

لم يختلف حال سليم عما رأى في جباليا التي انقطعت خدمات المياة والصرف الصحي فيها عن نحو 10 آلاف منزل بسبب القصف الإسرائيلي حسب البيان الرسمي للبلدية؛ ما زال جار سليم يستضيف أقارب له تدمرت منازلهم، ودعت الشركات لفتح أبوابها لرفقائهم ممن تضررت أماكن عملهم، ومنها شركة مهندس الكمبيوتر. اعتبر سليم هذا وفاءًا لما حدث معه قبل 7 أعوام.

سبق أن تدمرت شركة سليم في حرب عام 2014 واستضافه موقع عمل آخر، اقتسم معه المكان لأشهر حتى تعافى، ذاق المهندس الثلاثيني معنى أن يسندك أحدهم في قلب المعاناة، لذا طرح إعلان على صفحته بفيسبوك وحساب اتحاد شركات الكمبيوتر بترحيبه لاستضافة الشركات المدمرة واقتسام كل شيء بينهم.

لم يكن لسليم نصيب في تلبية دعوته؛ تم إحتواء الشركات المدمرة، إلا أنه واصل تقديم الدعم معنويًا، إذ زار زملائه المتضررين في أماكن استضافتهم، وأصابه شعورًا مختلطًا "بين الفرحة بالإخوة وألم الحرب وقهرها وتذكري لماضي تدمر شركتي فما تمكنت من الوقوف على قدماي إلا بعدها بثلاثة أعوام".

مازالت الحرب في نفس سليم وأطفاله الخمسة رغم مرور الشهر، يمارسون تفاصيلها اليومية، يجلسون سويًا كما يفعلون وقت القصف، يتسامرون حول أخبار الناجين من العدوان وما خلفه من دمار.

2

لم ترجع الحياة بعد لطبيعتها، تخاف أسرة سليم شراء أغراض جديدة والخروج ليلاً، يتابعون أخبار اقتحام المستوطنين فيخيل لهم عودة العدوان ثانية، ويواصل الصغار طرح أسئلتهم عن الموت.

سبق أن اطمأن أبناء سليم لحكيه وقت القصف بأن مَن يمت يذهب لجدتهم فاطمة التي توفت قبل شهرين، لكن هذا ما أوقف سيل تساؤلاتهم "بابا لو صارت حرب تاني وأنت رحت عند ستو فاطمة مين بده يكون مدير الشركة بعدك. مين بده يدير باله على عمتو مجد. مين بده يكون مسؤول البيت؟".

ما توقف الأبناء الخمسة عن التفكير، ولا انشغال سليم بمستقبلهم ومصير المحتل، إلا أنه يواصل تشجيعهم نحو أحلامهم ومسايرة أحاديثهم عن شراء جهاز ألعاب استعدادًا للبقاء في المنزل إذا ما قامت الحرب مرة أخرى. يُخفي الأب مخاوفه من الأيام القادمة، لكن ما إن يُطل على الجيران ويرى التكاتف بينهم، تهدأ نفسه ويتأكد أن أبواب أهل غزة لن تُغلق.

تابع قصص الملف

عاد للعمل على الأنقاض.. مرحبًا بك في صالون هاشم المدمر بغزة

1


100 سيدة تقدمت لمبادرتها.. "روزان" تدعم أهل غزة المتضررين من القصف الإسرائيلي

3

يُخرجون الفرحة من قلب الدمار.. نجوم غزة للسيرك حاضرون بعد العدوان

4

من كورونا إلى القصف الإسرائيلي.. "فلافل السوسي" باقية رغم الخسائر

5

بالصور- الحياة بعد القصف... غزة تكره الحرب لكن لأجل الوطن "ينسقي العُليق"

6

فيديو قد يعجبك: