إعلان

"ثلاث طبقات من التاريخ".. كيف أحيا فريق مصري تراث إسنا المنسي؟

05:59 م الأربعاء 08 يوليه 2020

معبد خنوم في إسنا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

لا تنضب مصر من كنوزها التراثية والثقافية، يبدو سطحها للمرء من بعيد أن لا جديد تحته، لكنه يتفاجأ بكمّ التنوع الثقافي الموجود بين سكانها، من بين تلك الأماكن مدينة إسنا، في الأقصر، التي يُحاول فريق مصري ترميم أماكنها التراثية وإعادتها للحياة من جديد.

عبر صفحة "اكتشف إسنا" على الفيسبوك، يحاول فريق كبير تابع لشركة تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة، وبالشراكة مع شركة سي.أي.دي، بالعمل على تنفيذ مشروع "إعادة اكتشاف الأصول التراثية الثقافية لمدينة إسنا"، وتعتبر الصفحة ما هي إلا قشرة خارجية لمشروع كبير بدأ في عام 2017، كما يقول محمد سلامة، مسئول التسويق والاتصال بالشركة.

1

لماذا تم اختيار مدينة إسنا التي تبعد 55 كم جنوب الأقصر؟ يقول سلامة إن المدينة تزخر بالعديد من الأماكن ذات الطابع الأثري متعدد الحضارات؛ ففيها معبد خنوم "ودا معبد مميز جدًا لأن نصه تحت الأرض وفوقه مباني ليها طراز معماري مميز"، وذلك بجانب الكنائس والأديرة "في التاريخ القبطي لإسنا من أكتر المدن اللي تعرضت لاضطهاد مسيحي على يد الرومان"، ويذكر سلامة أن هناك ثلاثة مدافن معروفة باسم "مزار شهداء الفلاحين الثلاثة"، ويسرد التاريخ حكايتهم بأنه على باب المدينة قابل الفلاحين الثلاثة الحاكم الروماني "أريانوس" وقد سألهم عن دينهم، فقالوا المسيحية، فقتلهم بالفئوس الخاصة بهم.

كذلك يوجد بالمدينة المئذنة الوحيدة المتبقية منذ العصر الفاطمي، ومعروفة باسم "المئذنة العمرية"، ولا تخلو إسنا من الأماكن التراثية التي مرّ عليها مئة عام وأكثر، مثل وكالة الجداوي، وكانت تعتبر من المصادر الهامة في طريق التجارة القديم، وسوق القيسارية ومعصرتين للزيوت تعمل منهما واحدة وهي معصرة بكور "فبالتالي طول منا ماشي بلاقي في إسنا طبقات من التاريخ".

2

يستهدف المشروع تغيير وجهة السائح المحلي والأجنبي، فلا يذهب للأماكن المعروفة المعتادة في البرنامج السياحي "عايزين الناس تعرف إن فيه أماكن تانية غير الأهرامات والأقصر وأسوان"، ولا يقوم المشروع فقط على التوثيق، بل على الترميم أيضًا بنفس طريقة البنيان، كما أن النظرة ليست مقتصرة على الانتهاء من الترميم فحسب، بل تدريب الناس على إدارة تلك الأماكن فيما بعد.

يأتي بعد التوثيق والترميم، مرحلة التسويق، لذا تم إنشاء صفحة خاصة بالمدينة تحت اسم "اكتشف إسنا"، ولا يقتصر تسويق المدينة عبر الفيسبوك بل أيضًا على الانستجرام "وابتدينا نشتغل على صفحة الويكيبديا الخاصة بإسنا وعلى موقع تريب أدفيسور"، أحد التطبيقات المهتمة بالسفر والسياحة.

3

على الصفحة تنتشر صور الأماكن التي وثّقها الفريق، وعدده حوالي 250 من أهالي إسنا نفسهم بين مهندسين وباحثين "الفريق اللي هناك دربناهم على أهمية التوثيق"، وقد اهتمّ المشروع بأن يكون أهل إسنا جزء منه "عشان يبقى فيه منفعة اقتصادية لسكان المدينة نفسهم"، ومن بين ما وثّقه الفريق 13 مبنى ذات طراز معماري مميز، وبجانب الصور التي تركز فحواها على الأهمية التاريخية لتلك الأماكن، هناك حلقات فيديو تُقدّم تحت اسم "طبلية إسنا".

وجد الفريق أن تراث المدينة لا يعني المعمار فقط "كمان اللغة والأكل واللبس"، لذا تم تقديم ثلاث حلقات لـ"طبلية إسنا"؛ وهي عبارة عن الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المدينة، وهي شوربة العدس الإسناوي، وطاجن السمك بالسخينة وأكلة القرطم، ومن داخل إحدى البيوت نرى السيدات تطهو تلك الأكلات، حتى يُخيّل للمشاهد أن الرائحة تصل إليه.

تم تقديم تلك الحلقات خلال شهر رمضان الماضي، يذكر سلامة أن الفكرة جاءت نتيجة للحظر "وكل الناس قاعدة في البيت بتطبخ ومفيش حاجة تانية تتعمل"، لذا كان التوقيت مُناسبًا لعرض الحلقات، والتي حصدت مشاهدات عديدة، وتفاعل معها كثيرون "حتى فيه ناس دخلت سألتنا عن الطواجن اللي تم استخدامها يجيبها منين".

خلال العمل على المشروع كان أهل المدينة دومًا جزء منه، سواء داخل فريق العمل نفسه، أو أصحاب المحلات بسوق القيسارية "اللي كانوا شايفين ازاي المكان بيتطور مع الوقت"، حيث يهتم المشروع بإعادة المكان على صورته الأصلية، كذلك هناك متطوعين خريجي كلية آثار يعملوا معهم كمُرشدين سياحيين "لأننا كنا بنعمل رحلات مدرسية للأماكن اللي أعيدت ترميمها زي المعصرة وسوق القيسارية"، لذا بإنتهاء المشروع في نوفمبر القادم سيرى أهل المدينة إسنا بصورتها الجديدة، وعليهم هم الحفاظ عليها، والاستمرار على تطويرها كوجهة سياحية.

4

ينتهي المشروع نهاية هذا العام، بإنتهاء ترميم الأماكن التاريخية، وقد كان سيتم افتتاح سوق القيسارية، لكن أزمة انتشار فيروس كورونا عرقلت الافتتاح "وقررنا نفتتحه في نهاية السنة"، يؤمن سلامة أن مصر تملك تاريخًا لا ينتهي أثره، وتراث متعدد لا يعرفه الكثير "طول عمري نظرتي إن التنوع دا موجود في مصر لكن شفته فعلا في الحقيقة في إسنا"، فيملك المرء أن يمرّ على ثلاث حقب تاريخية وأكثر في اليوم الواحد "ودي متعة مالهاش مثيل".

فيديو قد يعجبك: