إعلان

10 سنوات من "المعافرة".. رحلة طبيب في الخلاص من المرض النفسي

06:55 م الأربعاء 18 نوفمبر 2020

د.أحمد سمير

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- آية الله الجافي:

بعدما استطاع الطبيب "أحمد سمير" أن يُكلل تفوقه الدائم في الدراسة بتحقيق حلمه في الالتحاق بكلية الطب، فوجئ بمجموعة من الأفكار المضطربة والوساوس التي تُدخله في نوبات طويلة من الاكتئاب والعزلة، الأمر الذي أجبره بالسير في طريق لم يتوقعه أو يخطط له ذات يوم في حياته.

في الإجازة الصيفية لعامه الأول بالكلية بدأت رحلته مع المرض النفسي: "فوجئت بفكرة غريبة وسخفية ضد فطرتي اترمت في دماغي ورافضة تطلع"، كان محتوى تلك الفكرة أن الشمس هي الله، فظل شريد الذهن غير قادر على الحديث مع أحد، وكأن شاكوشا يدق على رأسه ليجبره على مطاوعة تلك الفكرة، وعندما شعر والده بتشتته وعرف ما يدور برأسه أصيب بالحزن واستدعى أحد رجال الدين لزيارته في المنزل حتى يفسر حال ابنه.

لم تنجح فكرة إحضار رجل الدين في مساعدة أحمد "كنت في قمة حيائي واتهامي لنفسي بس قولتله الوساوس اللى في دماغي.. وكلامه مساعدنيش"، فشعر بالضياع وسأل ربه "هل كده يارب أنت بتسلبني ديني".

بدأت رحلة طويلة للطبيب الشاب مع ما يشعر به؛ ذهب لطبيبة نفسية شخصت حالته بـ"الوسواس القهري" وكتبت له علاج نفسي، ولكن الوضع زاد سوءًا وتكالبت الوساوس: "الشجرة هي ربنا، العمود هو ربنا، الحجر هو ربنا كل الأفكار اللي أضلت الأمم اللي قبلنا بدأت تدق على دماغي..24 ساعة دماغك في أيد حد تاني بأفكار مش بتاعتك لكنها بتقهرك وكل ده وأنا خايف أفقد ايمانى في أي لحظة.. سنة ونصف بين البكاء وخبط لدماغي في الحيط علشان مش عارف أوقف سيل أفكاري".

2.3% هي نسبة مصابي الوسواس القهري بين البشر، بحسب طبيب نفسي رشحه له صديق "قاللي إن ده بيحصل نتيجة لخلل في كيمياء المخ لمادة الدوبامين والسيروتونين"، وأكد له أنه غير مسؤول عن تلك الأفكار وأن الإنسان لا يُحاسب على شئ مُكره عليه.. للمرة الأولى يشعر أحمد بالراحة بعد مقابلة 10 من الأطباء النفسيين: "مكانوش بيتكلموا معايا.. كل واحد بيكتب الدواء وتنتهي الجلسة".

"كنت حابب أتحررمن الوصمة على قد فهمى وقتها"، شرع أحمد في القراءة عن الدين، أكمل حياته ودراسته حتى قرر أن ينهي العلاج الوقائي، لكن أهله قاوموا رغبته في إنهاء العلاج خوفا عليه، إلا أنه أصر وبدأ تخفيف جرعة العلاج بشكل تدريجى مع متابعة الطبيب "بدأت أهزم الوساوس عن علم وبصيرة ووصلت لليوم اللي قدرت أتخلص فيه من الأفكار دي بشكل نهائي".

خلال 20 يومًا خاض الشاب 11 امتحانًا دفعة واحدة، بسبب تأجيله للامتحانات أكثر من مرة نظرًا لوضعه الخاص "كنت متوقع إني هكتئب وأحزن.. لكن حصل العكس تماما".

انتهى أحمد من جحيم الوساوس، ليبدأ رحلة أخرى لم تقل قسوة عن سابقتها "بدأت أحس إنى إنسان عظيم مُلهم، أحسن واحد ماشى على الأرض وأن أى حاجة بعملها بتوجيه من فوق، إحساس بالذات متضخم جدا.. حسيت بمقتضى ده ان عليا أكبر دور لإصلاح الكون".. وبجانب هذا الشعور كان يتحدث بطريقة غريبة وسريعة مع الجميع وبأفكار متضاربة كما كان يظل يقظا لمدة ثلاث أو أربعة أيام دون إرهاق أوحاجة إلى النوم، فأدرك أهله أن هناك وضعا كارثيا يحدث في عقله، فأجبروه على الذهاب لطبيب نفسي من جديد رغم شعوره أنه لا يعاني من شيئًا.

رسب أحمد في أكثر من مادة، وبالتزامن جاء تشخيص مرضه الثاني "اضطراب وجدانى ثنائي القطب من النوع الاول": "حالة السعادة اللى كنت فيها دي كانت نوبة هوس مع ضلالات عظمة ودي أكبر علامة يتشخص بيها مريض ثنائي القطب وأدركت وقتها إن الوسواس اللي كان عندي زمان مكنش هو المرض الحقيقى كان مجرد عرض لخلل جوه دماغي ممكن يظهر بأشكال مختلفة".

لجأ الطبيب أحمد سمير لعدد من جلسات الكهرباء التي تساعد في التخفيف من حدة الاكتئاب ومن أي أفكارانتحارية حتى جاءت لحظة التقبل والرضا عن نفسه ومرضه: "قولت أنا ماليش يد في اللي حصلى ده كان خلل في كيميا المخ زي الخلل اللى ممكن يحصل في الصوديوم أو الجلوكوز أو الأنسولين.. واللي عندي مرض زي أمراض الضغط والسكر.. ومش معقول نتعامل مع الأمراض دي عادي واعتبار المرض النفسي وصمة".

بعد فترة قرر الاشتراك في عدد من المجموعات الأجنبية على الفيسبوك لدعم مرضى ثنائي القطب حتى يسمع قصصهم ويشاركم كما بدأ بالتواصل مع من قرر الابتعاد عنه ليشرح لهم طبيعة مرضه.. وتمكن من الحديث بكل حرية في مواقع التواصل الاجتماعي عن تجاوزه لمرضه وكذلك دعمه لأي شخص يمر بتجربة مشابهة.

وخلال حضوره كورس حول "مهارات الحياة"، انجذب لإحدى المشاركات، وقرر أن يتقدم لخطبتها.. وفي زيارته الأولى لمنزلها حكى لها عن كل ما مر به فوافقت وتزوج بها : "كنت عايز حد يشاركني الحمل.. مكنش في مجال للتجمل".

٢

بعد 10 سنوات كاملة من المعافرة "قدرت أكمل دراستي برضا وجرأة مش باستسلام، واتخرجت سنة 2018 من كلية الطب، القصير العيني بتقدير جيد وبقيت طبيب آشعة"، لم يشغل بال أحمد تأخره عن دفعته الأصلية 3 سنين ونصف بسبب رحلته مع المرض النفسي، لكنه ممتنا لرحلته تلك "مش شايف إن حد سبقني.. كل واحد ليه طريقه الخاص وكل طريق له عقباته ".

حلم يتمنى أحمد أن يراه واقعًا: "نفسي الناس تقدر تفهم أيه هو المرض النفسي.. أنا اتكلمت وحكيت علشان أكسر حاجز الوصمة، وأتمنى ييجى يوم ميكونش حد مكسوف إنه مريض نفسيًا".

فيديو قد يعجبك: