إعلان

كلاكيت 26.. طلاب "الأورمان" للقدرات الخاصة يحتفلون بنهاية العام الدراسي (صور)

01:13 م الجمعة 14 يونيو 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

تصوير- محمود بكار:

ما إن يبدأ العد التنازلي لموعد الحفل المدرسي، يواصل عمر عبد العزيز تقليده المعتاد؛ يصل الليل بالنهار مُتحدثًا عن تمثيله في المسرحية الجديدة، وأدوار رفاقه في العروض الأخرى. يستيقط الشاب العشريني على الحكي عن الأزياء، وينام بعدما يخبر أسرته عن الموسيقى المستخدمة. على مدار 12 عامًا تسمع مي- شقيقة عمر- الحديث ذاته، ألفت الحكاية المنتظرة والمعلوم توقيتها كل سنة، ضجرتها أحيانًا، لكنها تعلم تمام اليقين أن ذلك اليوم وتفاصيله بالنسبة لشقيقها صاحب متلازمة داون "هو كل حياته".

1-

عمر ضمن نحو 60 طالبًا من ذوي القدرات الخاصة في مدرسة الأورمان للتربية الفكرية، يشاركون معلميهم في إقامة الحفل السادس والعشرين منذ تأسيس المدرسة في التسعينيات. هو يوم التخرج، لكن ليس للانتقال إلى صف دراسي متقدم، حيث يظل الطلبة تلاميذ في المدرسة كيفما رغبوا، إنما للخروج إلى الناس، وكسر حالة التشكيك في قدرات أصحاب الاحتياجات الخاصة، يستبدلونها بسعادة سنوية يعرفونها بالفطرة ويتهيأون لمنحها إلى الجمهور على مدار العام الدراسي.

2-

على مسرح الجمهورية يعرض ذوي القدرات الخاصة من مختلف الإعاقات والأعمار والجنسيات أيضًا –السودان واليمن- ما يصفه المدرسين بـ"حصاد" العام. "من سنة 93 حطينا هدف أننا نظهر ولادنا بشكل لائق الناس تتقبله وولي الأمر يكون راضي عنه والأولاد نفسهم يكونوا مبسوطين"، وكان القرار بإخراج هذا في شكل فني يتزامن مع نهاية العام كما تقول هدى عبد العظيم، مديرة مدرسة الأورمان الخاصة بينما تتابع التحضير للحفل الذي أقيم مساء أمس.

3-

لنحو 6 ساعات استمرت "البروفة" الأخيرة للحفل يوم الثلاثاء. كما خلية النحل، تواجد آل المدرسة جميعًا داخل المسرح. لكل منهم مهمة يحفظها، يعاون المشرفون الطلاب في الصعود إلى المسرح مع كل عرض من الأربعة المقدمة في حفل هذا العام، وكذلك احتياجاتهم الشخصية، يقبل محمد عبد الله، أستاذ الإشارة، سريعًا للترجمة إلى طلاب الصم والبكم، ويجلس العاملون على مقربة خلف "الكالوس" لنقل المستلزمات وما يطلبه اليوم.

4-

اكتفاء ذاتي تحققه المدرسة، يقوم المعلمون بصنع كافة الاحتياجات بداية من الملابس، مرورا بالديكور المسرحي، وحتي تحضير الفتيات من مستلزمات التجميل وكي الملابس.

يصعد كل فريق تلو الآخر إلى المسرح، يتجلى فارق العمر والإعاقة الظاهر منها مثل الداون ومن لا علامات له حال صعوبات التعلم. يقدم فريق التمثيل مسرحية "السيرة الهلالية". في أغلب الأحوال يستوحي المعلمون الأفكار من القصص الشهيرة ثم يكتبون سيناريو وحوار مبسط للطلاب كما تقول مي حازم، مدرسة المسرح.

5-

تتحرك معلمة المسرح بين الكواليس وخشبة العرض، توجه الطلاب، لا فرق بين ممثلين رئيسين وثانويين، الجميع يشارك ولو بتمثيل مشهد لمارة في الطريق، فيما تتابع المعلمة تأدية الأدوار، وتناسق حركة نحو 20 طالبًا يمثل مشاهد العرض.

6-

نظرًا لصعوبة النطق لدى أغلب الطلاب، أوجد المعلمون حلاً؛ يسجلون المسرحية بأصواتهم، بينما يؤدي الأولاد الحركات التمثيلية، ورغم قيام مي بالأمر ذاته لنحو 15 عامًا لكن يظل يوم الحفل بالنسبة لها "امتحان يكرم المرء فيه أو يهان". تعرف خريجة كلية التجارة والمُحبة للمسرح أن الخطأ مقبول لكنها لا ترغب فيه "مش عايزة حد يقول معلش أصلهم ذوي احتياجات خاصة".

7-

تنمية القدرات الحياتية هي ما ترتكز عليه الدراسة في الأورمان أكثر من المهارات الأكاديمية. تمتنّ مي، شقيقة عمر لذلك، تقول إن سلوك أخيها يتطور، كما أنه يبلغ الجانب الأكاديمي ولو تأخر قليلاً "بقى شاطر جدا في الكمبيوتر وبيعرف كاراتيه خلاف التمثيل"، تسعد مي برؤية شقيقها في الحفل بين رفاقه، فيما تقر عينا عدلية محمد طوال الوقت بمتابعة ابنها صاحب متلازمة داون، إذ تعمل السيدة الخمسينية في المدرسة.

"أول مرة في حياتي أنزل شغل كان هنا في المدرسة من 10 سنين عشان خاطر محمد" بنبرة يمسها الحزن رغم الابتسامة على وجهها تقول عدلية، بينما تستعد بين العاملات لدخول المسرح للتدريب على المشهد الختامي بتحية الجمهور، فهن أيضًا جزء لا ينفصل عن الحفل.

8-

تختلط مشاعر عدلية يوم الحفل "ببقى فرحانة وحزينة"، تأسى على حال أصغر أبنائها -14 عامًا- صاحب متلازمة داون "مبيعرفش يعد لعشرة على صوابعه"، فيما تسعد حينما ترى الابتسامة على وجهه وهو على المسرح بين رفاقه.

9-

لم تكن مديرة الأورمان بعيدة عن أولياء أمور الطلاب؛ أرادت هدى أن تخلق عالمًا لابنتها مروة، التي تعاني من التوحد، وتوافقت رغبتها مع صديق زوجها وصاحب مدرسة الأورمان حسام قباني، فأصبحت المدرسة عالم السيدة الخمسينية "وجودي وسطهم بيعمل لي سعادة غريبة، بعتبر كل واحد فيهم ابني ولو حد مسهم مبعرفش أسيطر على نفسي".

ناضلت هدى بمعاونة قرابة 30 معلمًا ومشرفًا، ونحو 11 عاملاً لاستمرار عالمهم، تتذكر كم كان صعبًا الحصول على رخصة الإنشاء في وقت خلا من وجود قرار يتعلق بمدارس لذوي الاحتياجات الخاصة، تقول مديرة الأورمان "مكنش عندنا أكتر من 10 أولاد في المدرسة من ضمنهم مروة بنتي. دلوقت بقوا حوالي 300"، إذ تعد الأورمان ضمن 7 مدارس خاصة للتربية الفكرية مسجلة لدى وزارة التربية والتعليم، إلى جانب 122 مدرسة أخرى حكومية، وفق آخر مؤشرات الإدارة العامة للمعلومات في الوزارة لعام 2018.

10-

على مدار يومين تنتقل المحبة من المدرسة إلى مسرح الجمهورية، يحضن أحدهم معلمه على حين غفلة، ويتضاحك الطلاب فيخبر إسلام صديقه أحمد يوسف قارئ القرآن وأحد المغنيين الرئيسين في الكورال "هنكسر الدنيا بكرة" ويؤمّن عليه الأخير، فيما يتواجد معلمون غادروا المكان لسنوات لكن ما كان ليفوتهم الإعداد للحفلة وحضورها، فقد صار ذلك اليوم مقدسًا لمن يدخل "الأورمان"، حتى أن مدرب الكاراتيه محمد رمضان أجل موعد إجرائه لعميلة جراحية حتى يستكمل مهمته التي بدأها منذ 26 عامًا في تدريب الطلاب.

11-

حتى الساعة الأخيرة للحفل يتملك الخوف من المايسترو وليد علام، طيلة ثلاثة أعوام قاد فيها كورال "الأصالة" لمدرسة الأورمان، ورغم خبرته في الموسيقى لأكثر من 20 عامًا يظلّ ذلك الشعور قائمًا، تلك تجربته الأولى مع ذوي الاحتياجات الخاصة، التي يخشى فيها من الفشل، لكن أمام الدعم المطلق واصل علام المشوار.

بالتدريب داخل المدرسة ليوم مفتوح الساعات أسبوعيًا، وبالورقة والقلم لحفظ الكلمات، وقبل ذلك حب يعطيه المايسترو ليجده مضاعفًا في المقابل، تطور أداء قرابة 23 طالبًا هم كيان الكورال "بقى عندنا حوالي 8 بيغنوا سولو بعد ما كانوا 3 وكمان السنة دي تغريد واحدة من الطلبة هتغني لأول مرة بالإنجليزي" يقول المايسترو بفخر، مُشيرًا إلى أن ذلك نتاج تجربة خاضها العام الماضي بتعليمهم الغناء باللغة التركية، ومعها علم أن قدراتهم تفوق التوقعات.

12-

مع السابعة والنصف امتلأ مسرح الجمهورية بطوابقه الثلاثة المتسعة لـ560 شخصًا بأولياء الأمور وحضور الحفل، بينما ضجّت الكواليس بالتوتر بين المدربين والمعلمين، لم يخففه سوى روح الطلاب المتشبعة بالفرحة.

13-

يُرفع الستار، يقرأ الطالب أحمد يوسف القرآن، يتابع الكورال غناء 12 أغنية، ومع توالي فقرات الحفل من العرض المسرحي والكاراتيه والاستعراض الرياضي، يبلغ التفاعل ذروته؛ تمتلئ عيون الأباء بالحماس وتواصل الأيدي التصفيق والتصوير، ويشتد الهتاف بين الحين والآخر، فتتناسى شقيقة عمر ما ينتظرها من حديثه المتواصل لقرابة شهر عن اليوم حتى الحصول على تسجيل الحفل، وتترك روحها للاندهاش بأخيها ورفاقه، تتفاجئ بغناء تغريد لأغنية المغني الأمريكي فرانك سيناترا الشهيرة "سواي"، وإجادة مروة لـ"أنت عمري"، فيما تنظر هدى للمسرح بينما يتغنى الكورال بـ"زوروني كل سنة مرة"، ويتأكد لها اليقين الممتد لسنوات بأن ذلك الحفل "شهادة التفوق والنجاح من المدرسة والمدرسين والمجتمع اللي بتفرق مع الأولاد وأولياء أمورهم".

14-

فيديو قد يعجبك: