إعلان

بالصور: أولها ''غربة''.. وتانيها ''تشجيع''.. وآخرها ''عم أمين مات''

05:58 م الثلاثاء 17 فبراير 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-أحمد الليثي وإشراق أحمد:

بوجه يشع طيبة، ثغر باسم، رأس قارب المشيب، وجلباب فضفاض يرتاح عم ''أمين'' في ارتدائه، وقف مستمتعا بمناغشات أسرته الصغيرة، في خفة دم يقول ''مصطفى'' الابن الأكبر، صاحب فكرة الذهاب للاستاد ''صحيح يا بابا مش هينفع تلبس جلابية عشان القلق.. لو حصل حاجة هسيبك أنا ومحمد ونجري''، يقهقه الوالد، وتُغير الأم الموضوع وهي تحنو على صغيرها ''محمد'' الطالب بالصف الأول الإعدادي/ أهلاوي الهوى ''أوعى لو انبي جاب جون تهيص''، كانت الأجواء تشير إلى منزل سعيد يضمه رب الأسرة بحنانه، لكنها 24 ساعة وانقلب الأمر برمته وقت أن اجتمعت الأسرة ذاتها على خبر رحيل عم أمين، وصورته مستلقيا في غير راحة على سرير داخل مشرحة زينهم.

ظلت صورة ''أمين عباس'' ايقونة يتداولها الجميع عقب مجزرة الدفاع الجوي، يقول أحدهم ''ده كان جنبي وهو بيفارق الحياة.. ومعرفتش أعمله حاجة''، ويعلق آخر شاهد المذبحة ''وأنا بهوي على وشه قاللي خرج ابني.. أنا مش مهم''، وينشر ثالث صورته مذيلة بعبارات الحسرة والظلم على رجل كانت كلمته الثابتة في مباريات الكرة ''أدينا بنتسلى ملعون الأهلي على الزمالك.. دي كرة في الآخر''، فيما كانت الخلفية تحوي تفاصيل عدة؛ بدأت باقتراح ''مصطفى'' الابن الأكبر بـ''خروجة'' تجمعه بوالده وشقيقه الأصغر قبل انتهاء الإجازة القصيرة للأب العائد من الكويت قبل أسبوع، فكان الاستاد.

قبل ثلاثة أيام من المباراة، أمام نادي الزمالك، زحام شديد تخطاه ''مصطفى'' مقتنص ''دعوة'' وحيدة لحضور ''الماتش''، راح يحدث نفسه بأن ''عم أمين'' وشقيقه ليس لهما نصيب في مشاهدة المباراة، حتى باغته عضوين بإعطائه ''دعوتين'' لتكتمل رفقة المدرج.. سندوتشات وحلوى، علم الزمالك المعلق في صالون المنزل، اتفاق مع سائق تاكسي لزوم ''التوصيل'' -من الوراق حتى التجمع الخامس، وفرحة غامرة بأب يحتضن ابنائه، كانت الساعة تدق الرابعة والنصف، الأعداد مهولة، والأب انتحى جانبا، دقائق ولم يكن هناك بد من الانغماس وسط الجموع.

حرص عم ''أمين'' على أن يجلب معه كارنيه عمله بوزارة الداخلية ''من باب يوري الأمن أنه زميل لهم'' تقول الزوجة، يمر ضابط بين الجموع، يخاطبه الرجل الخمسيني لتسهيل الدخول، فيرد على الجميع ''كله هيخش مفيش قلق''، تتعالى صيحات الأولتراس فيزداد ربت الأب على يد أولاده، الأهازيج تتردد في عشق الزمالك، فيتبعها الرجل بابتسامة في وجه صغيره، غير أنها لحظات وتبدلت الوجوه ''ضربوا علينا بتاع ريحته وحشة مش عارف أوصفها'' ببراءة طفل لا تغيب بسمته رغم جلال المشهد، يروي ''محمد'' ابن الـ12 سنة.

تحمر الأعين، تسيل الأنوف، الأيدي تدفع بعضها، الأرجل تسابق خطواتها هلعة، تفر لتنقذ نفسها، إن لم يكن من الاختناق فمن الدهس، المشهد يرتبك ''سمعت بابا وهو بيتشاهد'' يستكمل ''محمد''، ثلاثتهم سقطوا، أضحت أجسادهم مطية للحشود، ينتشل أحدهم الابن الكبير، فيما تنسلب يد الصغير من أبيه، كجناح طائر انكسرت يمناه، يد منقذ جذبته دون الوالد.

عم ''أمين'' مطروح أرضا، يتهاوى، تسبح عيناه في الأفق بحثا عن فلذات أكباده، ''مصطفى'' يجري كالمجنون، و''محمد'' يبكي ضياع شقيقه ووالده، قبل أن يلتقي الجمعان بعد أن ظنا أنه لا تلاقيا، يصطدم الصغير بشقيقه الأكبر، يهرعان نحو ضابط، يقولان في لهفة ''بابا بيموت جوا عايزين ندخله''، فيرد في صلف ''لو حد منكو دخل هضربكوا بالنار''.

في الدور السابع ببرج المصطفى بشارع الحاج هيبة بالوراق، كانت زوجة عم ''أمين'' تنتظر بداية المباراة كي ترى تنفيذ اتفاق صغيرها لها ''استنيني يا ماما عشان هشاور لك في الكاميرا''، تقلب القنوات، استوديوهات التحليل تتعدد، الوضع مستتب، قبل أن يرن هاتفها، صوت ''مصطفى'' حزين ''مش لاقيين بابا''، صراخ لا ينقطع، العائلة تجتمع في منزل الرجل الخمسيني، السواد يكتسي، مصطفى يوصل شقيقه الأصغر، ويبدأ رحلة الكعب الداير عن الوالد.

جسد مسجى، جلباب ممزق، وجه انتفخ، وحلت الزرقة موضع الضحك، عم ''أمين'' داخل مشرحة زينهم، كارنيه عمله راح، ونقوده ذهبت إلا فتات، تقرير الطب الشرعي لا يحمل بالضرورة سببا واحدا للوفاة؛ فحسب اختيارات كل عائلة تُدان الدولة من عدمه ''الدكتور قالنا لو خدتوه دلوقتي يبقى السبب تدافع.. ولو هتسيبوه كام يوم يبقى نشرح ونشوف''، حالة هرج، وصراخ تبعها استسلام بالموافقة ''يعني هي الشرطة هتعترف.. دول معرفوش يحموا ماتش هيحموا الناس إزاي'' قالتها الأم بحسرة.

الغربة لم تكن يوما سببا لتفرقة آل ''أمين''، بل سببا لعشق الأب لأسرته الصغيرة، ورغبته في أن تشمل صغاره حياة أفضل، احتضنهم وهو بالكويت 28 عاما كاملة، لا يحتمل شوق رؤيتهم، يأتيهم مهرولا كل شهرين، وحين زادهم لهفة اللقاء في غير ميعاده عاد سريعا، ليقضي أسبوع؛ يرى ابتسامة الصغير ''محمد''، ويأتي بما تشتهيه بنت أبيها ''إسراء''، ويربت على كتف ''مصطفى'' رجل البيت في غيابه، ويضع قبلة على جبين فرحته الأولى ''ريهام''، السياسة لم تستطع أن تشتت جمعهم، مع اختلاف آرائهم، التنازل من أجل سعادة الأبناء هو الهم الشاغل للأب المتُطبع بالحذر ''لأن البلد مفيهاش آمان دلوقتي''. بطاقة هوية و30 جنيه حملها ''مصطفى'' من ريحة والده، شهادات تقدير لرب عمل وأسرة ناجح تزين صالة البيت، وكلمات ست كتبتها الأبنة الكبرى لوالدها ''مصطفى ومحمد كويسين يا بابا أرجع بقى'' راجية أن يلبي النداء، هو آخر ما تبقى، لكنه لم يسمع فقد انقطعت بينهم السبل وصار في عداد الموتى.

 تابع باقي موضوعات الملف:

شهداء ''الوايت نايتس''.. السلام أمانة للـ''74'' (ملف خاص)

1

أمام المشرحة.. أي رعب أكبر من هذا سوف يجيء؟

2

بالصور.. حكاية أصغر شهيدة ماتت في حب ''الزمالك''

4

مرتضى منصور.. صاحب نبوءة الموت المتحقق "بروفايل"

5

بالصور.. اللحظات الأخيرة في حياة ''محمد صلاح'' شهيد ''مجزرة الأولتراس''

6

شريف الفقي.. من الزمالك وإليه نعود "بروفايل"

7

بالصور.. مصراوي يكشف حقيقة وفاة شقيقين في مذبحتي ''بورسعيد والدفاع الجوي''

8

بالفيديو.. ''ضياء'' شاهد ''ممر الموت'' في مذبحة الاستاد: الله يرحم اللي عاشوا

9

أولتراس أهلاوي وزملكاوي: سنظل أوفياء لـ''الدم''

10

مصراوي يحاور ''أحمد لطفي''.. ''أمين'' خزانة ''مجزرة الدفاع الجوي''

11

التذكرة.. طريقك إلى الآخرة (بروفايل)

12

بالصور.. هل ارتكب أبناء ''شبرامنت'' مجزرة استاد الدفاع الجوي؟

13

أحمد الليثي يكتب.. لماذا قتلت الشرطة ''الأولتراس'' في مصيدة الفئران؟

14

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: