إعلان

الإذاعة.. ''حياة'' لمن ينادي

03:37 م السبت 31 مايو 2014

الإذاعة.. ''حياة'' لمن ينادي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد مهدي:

الأعناق مشرئبه، تتطلع في حماسة شديدة، لرئيس البلاد -جمال عبدالناصر- المطل عليهم من خلال التلفزيون- الاختراع الجديد المدهش حينذاك- في مساء 21 يوليو 1960، ليعلن انطلاق أول إرسال تليفزيوني مصري.. خطوة سحبت البساط رويدا رويدا من الإذاعة المصرية الراعي الرسمي للتسلية والمعرفة منذ عام 1936، لتصبح خلال سنوات نسيا منسيا إلا من محبيها، أو من كُتب عليهم بسبب ظروفهم الخاصة- من مرض أو عمل- التعلق بها، فأصبحت سلاحهم لقتل الوحدة أو الملل، ورفيق الدروب المعتمة الذي يلبي النداء لينقل لهم ما يدور في الحياة.

السن يُحكم

في منزل بسيط، من أثاث وطلاء، وسقف معرش بالأخشاب، جلست العجوز ''أميرة السيد'' ذات السبعين عاما، بالقرب من النافذة تتابع المارة في الساعات الأولى من الصباح، بينما تسترق السمع إلى إذاعة القرآن الكريم، الآتية بصوت محشرج من مذياع نصف عُمر، تربت عليه بيديها محاولة معالجة الصوت المضطرب بلا جدوى ''على طول بايظ.. بس المهم إنه عاملي ونَس''.

الإذاعة تمثل صخب مُحبب للسيدة العجوز التي نهشت الوحدة قلبها بعد وفاة زوجها منذ سنوات، ولم تعد الصحة تعينها على الحركة الكثيرة، أو النزول للصديقات لكسر الملل في النميمة السوية عن ما يدور في مجتمعهن الصغير أو البلاد ''مبقتش بعرف أروح ولا أجي.. بس بتبسط وأنا بسمع الناس في الإذاعة بحس إنهم معايا في البيت''.
قبل وفاة زوجها اشترى لهما تلفزيونا جديدا بعد تعرض القديم للتَلف، لكنه بات عديم الفائدة ''اديته لابني.. عياله اتبسطوا أوي'' بعد أن صارت ترى ما بداخله أشباحا بسبب ضعف نظرها، وأضحى استخدامه مؤرقا لها، فاعتزلته وفَضلت الإذاعة كرفيق لا بديل عنه ''مش بقفله خالص.. إذاعة القرآن الكريم على طول أو المسلسلات''.
ترى السيدة السبعينية أن علاقتها بالإذاعة تشبه قصص الحب.. بدأت حماسية ثم اعتيادية ثم فَترت قليلا -عقب ظهور التليفزيون- ثم اكتشفت قيمتها في نهاية العمر ''مقدرش استغنى عنه''.

رفيق الوحدة

الأجواء كانت هادئة، لا صوت يتخطى حاجز الصمت سوى مشاجرة بسيطة بين رمال الصحراء ومجموعة من الحصى، قبل أن يتدفق إلى المكان صوت الشيخ ''نصر الدين طوبار'' يشدو بما تيسر من الابتهالات، فيما يقف الشاب العشريني ''أحمد'' في خدمته- بداخل المعسكر الذي يقضي فيه فترة التجنيد- منتشيا بالصوت، مستشعرا دفء مُحبب يسري في جسده ''البرد بيبقي قوي جدًا وقت الفجر.. بتحتاج حاجة تدفيك والابتهالات بتعمل جو عظيم''.

العلاقة بين ''أحمد'' والإذاعة قبل انضمامه للجيش كانت طفيفة، لكن سرعان ما وجد فيها ضالته وشغفه الجديد فأصبح من عاشقي الإذاعة ''مكنش ليا طاقة على الراديو.. بس دلوقتي بقيت حافظ مواعيد الحاجات اللي بحب اسمعها بالدقيقة''.

يقضي المجند الشاب وقته -الخالي من المسؤوليات- في سماع الموسيقى الكلاسيكية وأغاني الزمن الجميل- حليم وأم كلثوم- والسيموفونيات الشهيرة- بيتهوفن وموتسارت- فضلا عن القرآن الكريم والابتهالات، يستمتع بفنهم ويستكشف بداخله حبا جارفا للموسيقى لم يكن يدركه قبل التحاقه بركب محبي الإذاعة.

يسخر زملائه في الدفعة من اختياراته ''كلهم بيسمعوا شعبي فتخيل بقى لما يسمعوا بيتهوفن'' لكنه لا يجد غضاضه في الاستغراق مع شغفه الجديد الذي أصبح إدمانا طيبا ''من كتر ما حبيت الموسيقى من خلال الإذاعة.. قررت أن في أول إجازة لازم أحضر حفلة في الأوبرا''.

''الإذاعة بتقرب المسافات بين البشر'' هكذا يراها المجند الشاب، فحينما يجد نفسه وحيدا غارقا في ظلمة الليل أثناء فترة الحراسة، يندفع إلى صوت الإذاعة المحمل بأصوات البشر، يشعر أنه يقف جنبا إلى جنب مع كل من يستمعون في نفس اللحظة لنفس الإذاعة، تتقلص المسافات من حوله، يتحول الخواء إلى حياة، يستشعر وجود الصحبة فيهرب من قلبه الإحساس بالوحدة ''بحس أني قاعد مع كل الناس اللي بتسمع الإذاعة في نفس الوقت''.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان