بالصور| معبد قصر الزيان بالخارجة.. كنوز منسية على "درب الأربعين"
كتب : مصراوي
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
-
عرض 12 صورة
الوادي الجديد – محمد الباريسي:
شكّل معبد قصر الزيان بواحة الخارجة في الوادي الجديد، والواقع على بُعد نحو 26 كيلومترًا جنوب مدينة الخارجة وبمسافة تقارب 3 كيلومترات من معبد الغويطة، محطةً رئيسية على طرق التجارة جنوب مصر قديمًا عند نقطة التقاء "درب الأربعين" و"نقب بولاق".
منح هذا الموقعُ الاستراتيجي المعبدَ دورًا محوريًا في العصور البطلمية والرومانية، حيث أحاطت به أراضٍ زراعية خصبة، وتقاطعت عنده مسارات القوافل والتبادل التجاري.
موقعٌ استراتيجي وتسميات متعددة
أوضح محمد إبراهيم، مدير الآثار المصرية بالخارجة، أنّ المُسمّى المتداول اليوم هو "معبد قصر الزيان"، تعود هذه التسمية إلى ما بعد الفتح الإسلامي لمصر، حين شاع إطلاق لفظ «قصر» على المباني الشاهقة المبنية من الحجر والملتفّة بأسوار ضخمة، أما "الزيان" فنُسب إلى عين ماء قديمة بجوار المعبد؛ ثم مع استقرار الأهالي بالمكان عُمِّم الاسم على كامل المنطقة.
وقال إنه في العصر الروماني عُرفت المنطقة باسم "تشونيميريس" (أي: التي في الجنوب)، مرجّحًا ارتباط التسمية بموقعها جنوب "بروسخت" (معبد الغويطة)، أو جنوب عاصمة الواحات آنذاك "هبت".
تأسيسٌ بطلمي وترميمٌ روماني مُؤرَّخ
يقول مدير الآثار المصرية بالوادي الجديد، إنّ الأصل المعماري للمعبد يعود إلى العصر البطلمي، قبل أن يحظى بإصلاحات واسعة خلال العصر الروماني، وسجّل الإمبراطور أنطونيوس بيوس أعمالَ ترميم وصيانة على عتبة باب الصالة المؤدية إلى قدس الأقداس بنصٍّ يوناني واضح، يُؤرخ الإنجاز إلى اليوم الثامن عشر من شهر "مسرى" في العام الثالث لحكمه، الموافق 18 أغسطس/آب 141م، وقد عكس هذا التوثيقُ الرسمي اهتمام السلطة الرومانية بالمركز الديني للواحات وتعزيز شرعية الحكم عبر رعاية المعابد المحلية.
عمارةٌ صغيرة ونقوشٌ غنيّة بالدلالة
قال الخبير الآثري طارق القلعي، مدير متحف آثار الوادي الجديد، إن معبد قصر الزيان يتخذ محورًا معماريًا من الجنوب إلى الشمال، وهو مبنًى صغير من الحجر الرملي يضم صالةً تنتهي إلى قدس الأقداس، ويتوسط الجدارَ الشمالي "نيشة" كانت تحوي تمثال الإله "آمون هبت" الذي كُرِّس له المعبد بوصفه المعبود الرئيسي في واحة الخارجة.
وأكد القلعي ، أنه حول الكتلة الحجرية تتوزع بقايا مبانٍ من الطوب اللبن يطوّقها سورٌ ضخم يحوي بوابة المعبد. ومن أبرز عناصر التخطيط وجود بئر مياه داخل السور، أمّنت احتياجات القائمين على خدمة المعبد، كما شكّلت ركيزةً للحياة الزراعية المحيطة.
وأضاف أنه تظهر على الجدران مناظر متكررة للإمبراطور أنطونيوس بيوس بالهيئة الملكية المصرية؛ يضع الذقن المستعارة، ويتوج أحيانًا بالتاج المزدوج أو تاجيْ الشمال والجنوب، مرتديًا النقبة الملكية، وممسكًا بشعارات الحكم (المذبة، عصا الحقا، والنخخ)، وتُصوِّر المناظر تقديم القرابين لآلهة مصر، خاصة "آمون هبت"، في مشهدٍ يعكس ذوبان الأيقونية الرومانية في الشرعية الدينية المصرية.
ويشرح علي محمد كبيش، كبير مفتشي الآثار بالمخازن المتحفية بالخارجة، أنّ نصوص قدس الأقداس زيّنت محيط "النيشة" بعبارات تُبرز "تمصير" الإمبراطور الروماني عبر محاولة انتسابه الرمزي إلى الإله آمون هبت؛ إذ عبّر عن حضوره بين يدي المعبود، واستمداده القوة منه لـ"قهر الأعداء"، وهو خطابٌ ديني-سياسي مألوف في سياقات شرعنة العرش.
بئرٌ وقِطع وأحياءٌ سكنية
أكد مدير الآثار المصرية بالوادي الجديد، محمد إبراهيم، أنه قد شهد الموقع مواسم حفائر في أعوام 1985 و1986 و1987، جرى خلالها تنظيف مدخل وبوابة المعبد والممر الواصل إلى الصالة، إلى جانب العمل في القطاع المحصور بين الممر والسور الغربي، وأسفرت الأعمال عن الكشف عن بئرٍ للمياه كانت تنقل مياهها إلى خارج المعبد عبر مواسير فخارية، فضلًا عن العثور على كميات من الأواني الفخارية والعملات بأشكالٍ وأحجامٍ متعددة.
وتابع: كما عملت بعثة يابانية على رفع النقوش وترجمتها، ونفّذت حفائر إلى الغرب من المعبد كشفت بقايا مدينةٍ سكنيةٍ جاورت المجمع الديني، وأُرِّخَت إلى أواخر العصر الروماني، تُظهر هذه الشواهد تداخل الوظائف الدينية والاقتصادية والإدارية في نقطةٍ واحدة على طريق القوافل.
ذاكرةُ المكان في شهادات أهله
يقول خالد حسن شتوي، وكيل مكتب وزارة السياحة بالوادي الجديد، إنّ حال المعبد يماثل واقع مواقع أثرية كثيرة موزّعة بربوع الواحات—يُقدَّر عددها بنحو 140 مزارًا—إذ تحوّل كثيرٌ منها إلى أطلالٍ رزحت تحت رمال العواصف وقلة البعثات.
ويشير خالد، إلى تساقط جدرانٍ منقوشة واندثار أحجارٍ تحمل سردية المكان تحت الرمال، مع تضرر ممراتٍ وسراديب يعود بعضها إلى العصر البطلمي، كما أنّ المعبد كان مقصدًا لجنسياتٍ عدة، غير أنّ تجاهل صيانته أوصله إلى طيّ النسيان، فتحوّل إلى "أثرٍ يحكي آثارًا".
وتابع : تتجلّى قيمة قصر الزيان في ثلاث دوائر:
1.جغرافية-تجارية: وقوعه عند «مفترق قوافل» تاريخي بين درب الأربعين ونقب بولاق جعل منه عقدة لوجستية على طريق النوبة والسودان وداخلية الواحات.
2.دينية-سياسية: نصوصه ومناظره تقدّم نموذجًا حيًّا لكيف دمجت السلطة الرومانية نفسها في المعتقد المصري، سعيًا لشرعيةٍ محلية.
3.عمرانية-هيدرولوجية: وجود بئرٍ ومجرى مواسير فخارية داخل السور يضيء جانبًا نادرًا من إدارة المياه في معابد الصحراء الغربية.
وأكد أن هذه القيمة المركّبة تُحتّم برنامجَ إنقاذٍ سريع يُوازن بين حماية الكتلة الحجرية، وإعادة تأهيل النطاق المحيط (السور، البئر، ومسارات الحركة)، مع خطة واضحة لدرء زحف الرمال ومعالجتها دوريًا، وإتاحةٍ ذكية للزيارة تحافظ على أصالة الموقع وتعيد إدماجه في مسارٍ سياحي يشمل الغويطة وسلسلة مواقع الواحات.
وأشار محسن عبد المنعم، مدير الهيئة المصرية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، إلى أن الموقع تتمثل بياناته في :
•الموقع: قرية قصر الزيان، نحو 26 كم جنوب الخارجة، وعلى بُعد ~3 كم من معبد الغويطة، قرب ملتقى "درب الأربعين" و"نقب بولاق".
•التاريخ: تأسيسٌ يُرجَّح للعصر البطلمي؛ ترميمٌ موثّق في 18 أغسطس 141م بعهد أنطونيوس بيوس.
•العمارة: مبنًى رملي صغير بمحور جنوبي-شمالي؛ صالة تؤدي إلى قدس الأقداس تتوسطه "نيشة" لتمثال "آمون هبت"؛ سور خارجي يضم بئرًا ومبانٍ لبِنة.
•القيمة: نقطة تجارة تاريخية، ونصوص ومناظر تُجسّد شرعية دينية-سياسية، وشواهد مبكّرة على إدارة المياه في معابد الصحراء.
واختتم محسن قائلا: إنه يُعدّ معبد قصر الزيان نموذجًا مُكثَّفًا لالتقاء الطرق والقوى في مصر القديمة: قوافلٌ تعبر، ومعبودٌ محلّي يحمل وجدان الواحة، وإمبراطورٌ يسعى إلى شرعيةٍ عبر أيقونة مصر/ غير أنّ هذا "المفترق" العريق يوشك اليوم على الانطواء تحت الرمال. إنقاذه تنقيبًا وصيانةً وترويجًا ليس رفاهية تراثية، بل استثمارٌ في ذاكرةٍ حيّة تُعيد للوادي الجديد صوته على دروب التاريخ.