إعلان

رويترز تكشف: كيف أعادت "سوريا الشرع" تشغيل مسالخ الأسد وراجت "تجارة الحرية"؟

كتب : محمود الطوخي

05:50 م 23/12/2025

سجون الأسد

تابعنا على

في زنزانة باردة عند نقطة حدودية، سبتمبر الماضي، أمسك الصحفي وصانع الأفلام السوري "عامر مطر" قطعة معدنية صغيرة، وحفر على غلاف علبة سجائر ممزقة عبارة يائسة: "العدالة.. حتى لو انهار العالم".

1_1_11zon

لا تكمن المفارقة في اعتقال مطر، الذي قضى سنوات يوثق أهوال سجون الأسد لمشروع "متحف سجون سوريا"، بل فيما رآه محفورا على الجدران حوله: تقويمات مرسومة يدويا تحمل تواريخ عام2025، كدليل دامغ على أن الزمن في سوريا قد دار دورة كاملة ليعود إلى نقطة الصفر؛ ويكشف أن السجون لم تغلق، والجلاد لم يتقاعد، بل غيّر زيه فقط.

3_3_11zon

2_2_11zon

يكشف تحقيق استقصائي لوكالة "رويترز" البريطانية، عن الوجه المظلم لـ "سوريا الجديدة" بعد عام من سقوط الأسد وفراره إلى موسكو.

في ديسمبر الماضي 2024 عقب إسقاط الأسد، تعهد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بإغلاق "السجون سيئة السمعة"، غير أن دورة زمنية تكفلت بكشف زيف ادّعائه؛ إذا أعادت أجهزته الأمنية تشغيل ما لا يقل عن 28 مركز احتجاز من مراكز الأسد.

4_4_11zon

السجون التي أُفرغت من المخفيين قسرا في عهد عائلة الأسد، فُتحت مجددا أمام موجات متلاحقة من الاعتقالات، لتعيد مشهدا مخالفا لما تعهدت به الإدارة الانتقالية السورية بأن تكون "لكل السوريين على اختلاف طوائفهم"، لتعيد رسم مشهد كافحته قبل نحو عام.

5_5_11zon

مع تقدم الفصائل السورية المسلحة نحو العاصمة دمشق وعلى رأسها هيئة تحرير الشام التي تزعمها الرئيس الانتقالي الحالي أحمد الشرع بكنيته المعروفة سابقا "الجولاني"، بدأت عمليات فتح السجون في ديسمبر الماضي.

6_6_11zon

وفيما كان الأهالي يبحثون عن ذويهم المغيبين، وقع آلاف الجنود في جيش الأسد المتفكك في قبضة الفصائل المسلحة كأسرى حرب غير معلنين فيما وصفته "رويترز" بأنه "انتقام فوري"؛ إذ تحول المُحررون إلى سجّانين.

7_7_11zon

لم تتوقف الاعتقالات عند هذا الحد؛ إذ اعتُقل مئات العلويين بعد انتفاضة الساحل السوري في مارس الماضي، التي أعقبها "رد حكومي ساحق" أودى بحياة قرابة 1500 من المنتمين للطائفة العلوية، وسط اتهامات للحكومة الشرع بتنفيذ إعدامات ميدانية بإجراءات موجزة.

في الأشهر اللاحقة، توالت الاضطرابات الميدانية في الجنوب السوري عقب أعمال عنف طائفي بين الدروز والقبائل البدوية في المنطقة، لتواجه الحكومة اتهامات بتنفيذ إعدامات ميدانية مجددا.

8_8_11zon

تشير "رويترز"، إلى أن ما وصفته بـ"القبضة الأمنية الشاملة" للحكومة الانتقالية، طالت جميع المواطنين، بمن فيهم: سنّة وُجهت إليهم اتهامات بصلات غامضة بنظام الأسد، ومسيحيون من أجل الابتزاز، وكذلك شيعة بتهمة الارتباط بحزب الله اللبناني، ونشطاء حقوقيون.

بعد شهور من إخلاء سجون الأسد، باتت سجون مثل "كفر سوسة" و"الخطيب" و"المزة"، وحتى سجون المعارضة السابقة في إدلب، تكتظ بنزلاء جدد دون تهم رسمية، أحصى التحقيق من بينهم 829 محتجزا أمنيا كحد أدنى.

9_9_11zon

لم تكتفَ إدارة الشرع الانتقالية بإعادة تشغيل سجون الأسد، لكن ما كشفه التحقيق يشير إلى أنها استوحت بعض الأساليب من ممارساته القمعية بداخلها؛ لتدوي الصرخات بين ممرات الزنازين الضيقة من جديد.

العلويون: بين التكفير والابتزاز المالي

تتناقض رواية مزارع خمسيني من حمص، مع وعود الحكومة الانتقالية بأن "تكون لكل السوريين".

يقول المزارع، إنه وابنه تعرضا لأسلوب تعذيب يُعرف بـ"الدولاب"، إذ يُحشر الجسد والأطراف داخل إطار سيارة من أجل شل حركته، قبل أن يعتدي عليهما الجنود بالضرب المبرح حتى سالت دماؤهما.

10_10_11zon

يروي الرجل الخمسيني، أن الاعتداءات عليه ونجله تخطت الضرب، لكنها بلغت حد التكفير والشتائم الطائفية: "أنتم كفار، أنتم خنازير".

بعد أيام، دفعت عائلة المزارع فدية مالية تُقدر بـ4 آلاف دولار للإفراج عن ذويهما، لُيعاد الأب وابنه في اليوم التالي بسيارة شرطة رسمية، حيث ألقي من السيارة ملفوفا ببطانية فاقدا الوعي، ظنا منهم أنه فارق الحياة.

"أمروني بالنباح كالكلب"

تضمنت الشهادات التي أوردها تحقيق "رويترز"، ما تعرّض له شاب علوي من اللاذقية. أوضح فيها ما واجهه في "حفل الاستقبال"، وهو مراسم تتضمن تنكيلا وتعذيبا.

يقول الشاب: "أجبرني السجانون على النباح كالكلاب بعدما وضعوا مسدسا في فمي". من بين 4 أشهر قضاها في السجن، أُودع في زنزانة انفرادية لمدة 20 يوما، قبل أن يُطلق سراحه حافي القدمين.

الطبقة الاجتماعية.. للحرية سعر!

تكشف شهادات 14 عائلة سورية، عن تحول الاعتقال في "سوريا الجديدة" إلى "تجارة" تُدار بدم بارد؛ إذ وضعت الأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة ما وصفته "رويترز" بأنه "تسعيرة مقابل الحرية".

حُدّدت الفدية المالية بناء على الطبقة الاجتماعية للمحتجزين؛ إذ سُعّرت للعامة من المعتقلين بمبالغ تتراوح بين 500 و15 ألف دولار، فيما قُيّمت حرية الضباط والأثرياء من المحتجزين بـ90 ألف دولار.

في تسجيل صوتي حصلت عليه "رويترز"، طالب خاطفٌ عائلةَ ضابطٍ اختفى ليلة رأس سنة 2025، بدفع "100 مليون". لكن قريب الضابط صرخ بعجزه عن توفير هذا المبلغ من المال حتى وإن باع منزله، ليرد عليه الخاطف: "اسمع.. لن تروه على قيد الحياة مجددا".

في حادث آخر، طالب سجّان عائلة علوية بفدية مالية قدرها 3 آلاف دولار عبر واتساب، رغم رفضه تقديم أي دليل على سلامة أبنائها.

موت في المنفى.. جثث مشوهة وحقائق مدفونة

كشف التحقيق عن 11 حالة وفاة داخل الحجز، من بينها تاجر مسيحي يبلغ من العمر 59 عاما، يُدعى ميلاد الفرخ توفي في سجن "كفر سوسة" يوم 9 سبتمبر الماضي.

وبينما زعمت السلطات السورية مقتل الفرخ بسبب "سقوط"، كشفت صور المشرحة عن جرح دامً في رأسه، بعد أن تلقت عائلته طلبا بفدية تقدر بـ10 آلاف دولار لإطلاق سراحه.

11_11_11zon

12_12_11zon

في حالة أخرى، دفعت عائلة سورية في حمص لشهور متتالية لإرسال طعام إلى 3 من ذويها وهم أب وابناه، غير أن صور مسربة من المشرحة كشفت مقتلهم في يناير 2025، أحدهم مذبوحا، والآخر مسلوخ الجلد، والثالث مصاب بطلق ناري في الوجه.

13_13_11zon

كيف علّقت حكومة الشرع على تلك الوقائع؟

بررت الحكومة السورية الانتقالية ما حدث، بأن ملاحقة المتورطين في جرائم نظام الأسد، وكذلك ملء الفراغات الأمنية تسببا في هذه التجاوزات، وفق وزارة الإعلام السورية.

وأعلنت الوزارة، تأديب 159 عنصرا، بينهم 84 للابتزاز و75 للعنف، وإصدار مدونة سلوك جديدة، مؤكدة أن سجن "عدرا" يضم في الوقت الحالي 3599 سجينا، منهم 439 محتجزا أمنيا.

على الصعيد الدولي يستمر التضارب؛ فبينما تتمسك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم الشرع كشريك استراتيجي للاستقرار، يعجز مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن توثيق الأعداد وسط تقارير عن إعدامات ميدانية.

بينما تُرجم الغضب الشعبي في الميدان، إلى مظاهرات حاشدة للعلويين في الساحل يوم 25 نوفمبر الماضي للمطالبة بالمفقودين.

الإفراج وسجن اللاهوية

تختزل قصة جندي شاب، أُطلق سراحه بوساطة "لجنة السلام المدني" بعد 6 أشهر في سجن عدرا، مأساة سوريا بأكملها، حيث يعيش حاليا حبيس منزله بلا أوراق ثبوتية، واصفا حريته المزعومة بعبارة واحدة: "خرجت إلى سجن أكبر".

أما "عامر مطر"، الذي صودرت وثائقه وقرصه الصلب عند الحدود، فقد لخص "العبثية السورية" بعد إطلاق سراحه قائلا: "لقد سقط النظام، لكن من يحكمون اليوم قرروا تحويل سجون الأسد إلى سجون جديدة.. إنه أكثر شيء عبثي رأيته في حياتي".

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان