إعلان

التماثيل في الجزائر- سجال بين الحكومة والإسلاميين

01:42 م السبت 07 أبريل 2018

الجزائر العاصمة (دويتشه فيله)

الجدل النيابي الشرس في الجزائر حول تماثيل العاصمة ومطالب الإسلاميين بنقلها الى المتاحف بحجة خدشها للحياء العام حسمه وزير الثقافة بالقول: "الذين يطالبون بنقل تمثال عين الفوارة إلى المتحف هم الأولى بدخول المتاحف" .
عاد الى الواجهة الجدل حول ثمال لامرأة عارية يتوسط مدينة سطيف شرقي الجزائر ليصبح سجالا برلمانيا حكوميا بين مطالبين بنقله إلى المتحف، ووزير الثقافة الذي هاجم أصحاب الفكرة في رد اعتبره منتقدون “عنيفا”.
الوزير عز الدين ميهوبي الذي بدا غاضبا ومنفعلا خلال رده على سؤال عضو البرلمان سامية خمري عن اتحاد النهضة والعدالة والبناء (تكتل يضم ثلاث أحزاب إسلامية) قال أمام نواب الشعب إنّ "الذين يطالبون ينقل التماثيل المتواجدة في الشوارع، والباحات الجزائرية إلى المتاحف طلبهم مرفوض جملة وتفصيلا، لأن مثل هذا الطلب يقودنا إلى نقل كل التماثيل التي تزين شوارع الجزائر إلى المتاحف ".

وكشف خلال كلمته أمام النواب أنه "تابع هذا الجدل الذي تناولته الكثير من الألسن عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام، قبل أن يصله السؤال عنه عبر البرلمان"، ورغم تأكيده على أنه "غير مؤهل للخوض في مسألة الحلال والحرام فيما يتعلق بهذه التماثيل"، إلا أنه أكد أن "من يطرحون هذا السؤال، ويطالبون بنقل تمثال عين الفوارة للمتحف هم أولى بدخول المتاحف".

وشدد على أنه "لا يكمن العمل بالمقياس الديني في الثقافة كي لا تتحول الجزائر إلى أفغانستان تحطم فيها منحوتات الأثرية تعود إلى آلاف السنين".

رد الوزير أثار حفيظة وغضب نواب التيار الإسلامي الذين وصفوا في جلسة علنية رده ومحتواه بـ "الإهانة في حق نواب وممثلي الشعب الجزائري".

وكانت خمري قد طرحت سؤالا شفويا على الوزير تطالبه فيه بنقل تمثال المرأة العارية لعين الفوارة وغيره من التماثيل إلى مكانها الطبيعي وهو المتاحف، حيث هناك يراها من يريد رؤيتها فقط.

هذا الجدل يأتي بعد ثلاثة أشهر من تعرض أحد أبرز المعالم التاريخية والأثرية بولاية سطيف التي تبعد نحو 400 كلم عن شرق عاصمة البلاد الجزائر لعمل وصفه الوزير ميهوبي بـ "الشنيع والتخريبي".

ففي الثامن عشر ديسمبر الماضي، وفي صبيحة باردة، وبينما كان أهالي المدينة ينعمون بالهدوء والسكينة في منازلهم، اخترقت أذانهم أصوات ضربات قوية ومتتالية لإزميل ومطرقة كانتا بيد ملتحي يرتدي قميصا أبيض ينهال ضربا وبكل قوة على تمثال المرأة العارية بوسط المدينة.

وأمام هول المشهد، لم يستطع المارة بجانب التمثال في تلك اللحظات الاقتراب من الرجل ذي اللحية الكثيفة والشعر الأغبر خوفا من بطشه، كيف لا وهم يرونه ينهال بكل عنف ويبطش بذلك التمثال المنحوت من الحجر الأبيض، ولم يملك الكثير منهم سوى رجمه بالحجارة إلى حين وصول عناصر الشرطة الذين قاموا بإنزاله من على التمثال لكن بصعوبة بالغة، وبعد أن ألحق به أضرار بالغة من الناحية الجمالية والتقنية.

هذا الاعتداء ورغم أن مرتكبه (ع .ع) في بداية العقد الثالث من عمره وتبين لاحقاً أنه مختل عقليا، إلا أنه أثار ردود فعل واسعة وغاضبة، ونكأ جراحا لم تندمل لدى سكان هذه الولاية الذين استحضروا واقعة مماثلة حدثت قبل عشرين عاما، حينما تعرض التمثال لمحاولة تفجير قام بها متشددون إسلاميون في عام 1997، والحقوا به أضرارا تم ترميمها في اليوم التالي.

وقبل هجوم الملتحي كان أحد شيوخ الدين البارزين في البلاد وهو شمس الدين بوروبي قد دعا من خلال برنامجه التلفزيوني الذي تبثه قناة محلية بستر تمثال المرأة العارية، أو بنقله إلى المتحف.

ويعد هذا التمثال الرابض بوسط المدينة، من أبرز معالمها التاريخية والأثرية، ويقصده السياح من كل المدن الجزائرية، وارتبطت به أساطير ترسخت في المخيال والتراث الشعبي للجزائريين عموما ولسكان المدينة خصوصا، وقديما قيل أن من شرب من عين الفوارة سيتعلق قلبه بهذه المدينة الجميلة وسيظل يزورها مرات ومرات.

التمثال الذي نحته الفنان الفرنسي دوسان ديفال في باريس عام 1898، وتم نقله عبر عربة تجرها الخيول لسطيف عام 1899، كان دائما معرض انتقادات وسخط الإسلاميين، الذين يعتبرونه خادشا للحياء العام، ويشكل برأيهم مصدر قلق للعائلات التي تمر بجواره، لأنه يتضمن إيحاءات جنسية واضحة تسيء لسكان المدينة المحافظين، لذلك كان الهدف الأول للملتحي صاحب المطرقة والإزميل وجه المرأة وأثدائها.

ويسوّق هؤلاء فكرة تفتقد برأي البعض للحقائق التاريخية، حيث يذكرون أن الفرنسيين وضعوا هذا التمثال في ذلك المكان الذي يحوي منبع مائي من أجل منع الناس من الوضوء فيه لأداء الصلاة في المسجد العتيق المحاذي لهذا المنبع.

والواقع أن الحملة التي تشن ضد تمثال المرأة العارية ليست فعلا معزولا أو شاذا، بل هي فكرة يحملها كثير من الجزائريين، لأسباب دينية متعددة، والدليل على ذلك وجود قائمة من التماثيل "المستفزة" منتشرة في المدن الجزائرية، وخاصة تلك المرتبطة بالحقبة الاستعمارية، أشهرها تمثال "مريم العذراء" الذي أقامته فرنسا في قسنطينة عام 1960، وتمثال الإمبراطور قسطنطين للنحات الفرنسي لوسيان براسور، وتمثال "الرجل الأخطبوط" بولاية سكيكدة الذي يجسد رجلا عاريا يصارع أفعى ويمسك برأسها.

وبشيء من الاستغراب والدهشة تساءل مدير الثقافة الأسبق لكل من ولايات معسكر وقسنطينة وبومرداس والإطار بوزارة الثقافة حاليا جمال فوغالي عن السرّ في هذه الحملة التي تطال منحوتات فنية تشكل وجها من أوجه الثراء الثقافي المتنوع للبلاد.

وقال فوغالي في تصريح لــ DW عربية "ما أدهش له وأستغرب كيف أنه وعلى مدار أكثر من قرن من الزمن يمثل عمر هذا التمثال بهذه العراقة ظل كما هو دون تغيير، والناس يقصدونه من كل أصقاع الدنيا ليرتوون من مائه العذب، ثم يرفعون رؤوسهم بعد ذلك ويشاهدون التمثال ولا يرونه سوى تحفة فنية دخلت في ذاكرتهم وتاريخهم كعنوان للانفتاح الجمالي والفني، وعلى ما تمتاز به بلادنا من تسامح كبير، لذلك هو جزء من ثقافتنا الفنية والتراثية والثقافية بامتياز".

ما يستغرب له أيضا فوغالي هو أن "كثيرا من الذين يزعمون أن التمثال يسيء إلى الأخلاق هم يمارسون فعلا اقصائيا، كيف لا والتمثال لا تفصله سوى خطوات وشارع صغير عن المسجد العتيق الذي يرتاده المصلون خمس مرات في اليوم في صورة ترمز لعناق حضاري لافت".
وخاطب الذين يطالبون بنزع التماثيل من الشوارع ونقلها إلى المتاحف بقوله "وماذا عن تلك التماثيل التي تعانق في سموها السماء وتحويها متاحف الطبيعة في مواقع أثرية زاخرة في كل من تيمقاد وجميلة وسكيكدة وعناب وتيبازة وفي صحرائنا الواسعة والتي باتت قبلة للسياح من كل مناطق العالم؟، هذه الآثار والتماثيل هي التي تعكس وتعبر عن الحضارات التي عرفتها الجزائر عبر أزمنتها المتنوعة، لذلك لا أرى فيها سوى منحوتات فنية عالية الطراز، تجعل هذا البلد أكثر عمقا وانغراسا في التاريخ البشري".

ورد فوغالي على الناقمين على تماثيل الجزائر بتأكيده على أن "إسبانيا مثلا باتت قبلة لسياح العالم بسبب ما تركه العرب هناك من حضارة وتاريخ وآثار ومنحوتات، وكذلك مصر التي ظلت فيها الأهرامات شامخة تحت حراسة أبا الهول وما تزال إلى يوم الناس هذا".

وبالنسبة للباحث والأستاذ المحاضر في الفلسفة الغربية المعاصرة بجامعة قسنطينة إسماعيل مهنانة فإنّ "الدعوة إلى نزع التماثيل من الفضاء العام بخلفية دينية هي مجرد حلقة من سلسلة طويلة من التصحير الممنهج للثقافة والمجتمع نتيجة الأسلمة الهمجية للفضاء العام طالت الجزائر منذ أربع عشرات، كان قبلها إقفال دور السينما وباتت المسارح وحتى محلات بيع الزهور في طريق الانقراض ".

وأوضح مهنانة في تصريح لـDW عربية إنّ "هذا الهوس المرضي بالقضاء على كل علامات الجمال في الفضاء العام يشي بنفسية موتورة ومرضية لجزائري نراه بقدر ما يزعجه الفن والجمال، يتعايش في وئام تام مع البشاعة والقمامة التي تغزو الشوارع كل يوم" .

ويتابع مهنانة "لا أحد تساءل لماذا لا ينزعجون من القمامة وواجهات المباني المتسخة والشرفات الفوضوية وكل أشكال البشاعة التي تؤثث المدن، يبدو أن ثقافة التصحير والكبت هذه هي التي أوجدت إنسانا يثيره تمثال حجري جنسيا، أعتقد أننا أمام مشكلة نفسية خطيرة، لأنّ الذي يثيره تمثال حجري مستعد للتحرش الجنسي بكل من يمر أمامه لأنه صار يرى كل ما يحيط به موضوع رغبة جنسية، وهي ظاهرة تتطلب جيشا من الأخصائيين النفسانيين لمعالجتها".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: