إعلان

خاشقجي.. جريمة شغلت الرأي العالمي في 2018

11:58 ص الأحد 30 ديسمبر 2018

جمال خاشقجي

كتبت- رنا أسامة:

قُتِل في عام 2018 -الذي أوشك أن ينقضي- 47 صحفيًا حول العالم، بينهم 43 استُهدِفوا عمدًا، بحسب أحدث تقارير "لجنة حماية الصحفيين" غير الحكومية، أبرزهم الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي أثار مقتله غضبًا دولياً، ومطالب بـ"تحقيق شفاف، علني وذي مصداقية" للوقوف على مُلابسات الجريمة.

منحت مجلة "تايم" الأمريكية لقب شخصية العام إلى خاشقجي وإعلاميين آخرين أطلقت عليهم "الحُرّاس". وإلى جانب خاشقجي اختارت ماريا ريسا مُحررة موقع فلبيني معارض، وصحفيين من رويترز يقبعان حاليًا في سجن بميانمار، وفريق صحفي بولاية ماريلاند تعرّض قبل عام لإطلاق نار أردى حينها 4 صحفيين قتلى.

في الرُبع الرابع من 2018، لم يكد يمر يوم على الساحة السياسية والإعلامية الدولية دون ذكر خاشقجي. فالعالم شرقه وغربه يريد أن يعرف ماذا جرى للصحفي الذي يكتب مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست، مُشكّلة ضغوطات شديدة على السلطات السعودية حتى تكشف عن تفاصيل الجريمة.

ماذا حدث؟

في الثاني من أكتوبر الماضي، ذهب خاشقجي إلى مقّر القنصلية السعودية في إسطنبول، خلال زيارة إلى تركيا، لاستخراج أوراق رسمية تُمكّنه من الطلاق حتى يتسنّى له الزواج من خطيبته المدعوّة خديجة جنكيز التي كانت تنتظره خارج مقر البعثة الدبلوماسية.

في البداية قالت السلطات السعودية إن خاشقجي غادر بعد فترة وجيزة من دخوله مقرّ القنصلية، ونفت تعرّضه لأذى أو وضعه قيد الاعتقال. لكن سُرعان ما تبيّن عدم صحة تلك الرواية؛ إذ أقرّت سلطات التحقيق السعودية بعد نحو أسبوعين بأنه "توفي في شِجار مع مجموعة سعوديين داخل مقر البعثة الدبلوماسية".

لم تُخفف تلك الرواية من وطأة الضغوطات الدولية؛ إذ اعتبر الكونجرس الأمريكي والكثير من المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الدولية أن هذه الرواية مخالفة للحقيقة أو أن رُبما هناك شيئًا ناقصًا.

قالت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) إن "مقتل خاشقجي يُذكّر بالحاجة للنضال من أجل حرية الصحافة التي تعتبر أساسية للديمقراطية". وأكّدت أودري أزولاي أن "المحاسبة عن هذه الجرائم أمر غير قابل للتفاوض".

كما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، انزعاجه الشديد إثر تبلّغه بمقتل خاشقجي. وشدّد في بيان على ضرورة إجراء تحقيق سريع ومعمّق وشفّاف في مُلابسات الجرمية والمحاسبة التامّة للمسؤولين عنها.

وصفت فرنسا جريمة قتل خاشقجي بأنها "شديدة الخطورة ضد حرية الصحافة والحقوق الأساسية للإنسان". وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن "أمريكا عازِمة على مُساءلة المتورطين في هذه الجريمة".

ومع تزايد الاهتمام بما جرى لخاشقجي، كشفت السلطات السعودية أن الرجل "قُتل في عِراك على يد فريق من 15 سعوديًا، بعدها تعرّض للتخدير بجرعة كبيرة أفضت إلى وفاته، ثم قطّعت جثته داخل القنصلية"، وألقت اللوم في الجريمة على عناصر أمن ومسؤولين في جهاز الاستخبارات.

كان ذلك بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على دخول خاشقجي القنصلية.

بحسب التحقيقات، تشكّل الفريق الذي نفّذ الجريمة بأمر من نائب رئيس الاستخبارات السعودي، بهدف التفاوض مع خاشقجي لإقناعه بالعودة إلى المملكة، لكنه لم يقتنع، فأمر بقتله.

ووجّهت السعودية تهمًا لـ11 من أصل 21 مُشتبهًا به موقوفًا في القضية إلى الآن، مُطالبةً بإعدام 5 أشخاص متورّطين في قتل خاشقجي. طلبت أنقرة من الرياض تسليمها هؤلاء المُشتبه بهم في الجريمة، لكن الرياض رفضت.

وأرجعت السلطات السعودية سبب اختلاف رواياتها في القضية، إلى "استقاء الرياض معلوماتها من خلال التحقيقات التي شابها قدر من التضليل من جانب المتهمين، ومع استمرار التحقيقات بدأت الأمور تتكشّف"، حسبما قال وكيل النائب العام السعودي شلعان الشلعان في مؤتمر صحفي في 15 نوفمبر الماضي.

قالت السعودية إن جثة خاشقجي نُقلت، بعد تقطيعها، إلى خارج القنصلية وتم تسليمها إلى "متعاون محلي" قالت إنها توصّلت إلى "صورة تشبيهية" له. لكنها لم تُقدم الاسم أو الصورة التشبهية إلى أنقرة حتى الآن، حسبما قال وزير الخارجية التركي تشاوش أوغلو في "منتدى الدوحة" في وقت سابق من ديسمبر الجاري.

ووصف الأمير محمد بن سلمان مقتل خاشقجي بأنه "مؤلم وبشع وغير مُبرر". وقال، في كلمة بمبادرة مستقبل الاستثمار، إن "المملكة تتخذ كافة الإجراءات القانونية بالتعاون مع الحكومة التركية للوصول إلى نتائج، مُشيرًا إلى أنه "إجراء طبيعي تقوم به أي حكومة في موقف مماثل".

عقوبات

سارعت بعض الدول إلى مُعاقبة السعوديين المُشتبه في تورّطهم في الجريمة التي أجمعوا على "بشاعتها"؛ وقّعت واشنطن عقوبات ضد 17 سعوديً، على رأسهم المستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني، العقيد في المخابرات السعودية ماهر المطرب، والقنصل السعودي لدى إسطنبول محمد العتيبي، بجانب 14 آخرين.

وجاء في بيان لوزارة الخزانة الأمريكية، نوفمبر الماضي، أن العقوبات وُقّعت بموجب قانون "ماجنتسكي" الذي يسمح لواشنطن بعقاب منتهكي حقوق الإنسان واستهدافهم، حتى إذا وقعت جرائمهم خارج حدود الولايات المتحدة.

شملت العقوبات الأمريكية منع الـ17 سعوديًا من التصرف في ممتلكاتهم داخل الولايات المتحدة، ومنع الأمريكيين من المشاركة في تحويلات مالية مع هؤلاء الأشخاص، فضلًا عن وقف تأشيراتهم وحيلولتهم دون استصدار تأشيرات جديدة.

وجمدت كندا أصول 17 سعوديًا، أُدرِجوا جميعًا في قائمة غير المرغوب في وجودهم على الأراضي الكندية وفق "قانون الهجرة وحماية اللاجئين". كما حظرت فرنسا سفر 18 سعوديًا، ومنعتهم ألمانيا من الحصول على تأشيرة دخول أراضيها، وشمل ذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تعمل بتأشيرة "شنجن".

في السياق ذاته، تباين رد الفِعل في الولايات المتحدة بين ترامب والكونجرس (البرلمان الأمريكي) في قضية خاشقجي. يعتقد مسؤولون في مجلس الشيوخ أن عملية كهذه تحتاج إلى موافقة من ولي العهد، وهو ما نفته السعودية جملة وتفصيلًا.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أقرّ مجلس الشيوخ طلبًا بإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن منذ منذ مارس 2015، وتضمن القرار فقرة حملت ولي العهد المسؤولية عن مقتل خاشقجي.

واستنكرت السعودية، في بيان شديد اللهجة، موقف مجلس الشيوخ الذي قالت إنه "قائم على ادعاءات واتهامات لا أساس لها من الصحة، ويتضمن تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، ويطال دور المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي".

وشدّدت السعودية، بحسب البيان، رفضها التام لأي تدخل في شؤونها الداخلية أو التعرّض لقيادتها ممثلة في الملك سلمان، وولي عهده، أي شكل من الأشكال أو المساس بسيادتها أو النيل من مكانتها.

في مقابل الكونجرس، يُدافع ترامب عن السعودية باعتبارها "حليفًا مهمًا وقويًا لأمريكا". وقال في بيان أصدره 20 نوفمبر الماضي بعنوان "أمريكا أولًا"، إن "إن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) لم تُحمّل ولي العهد السعودي مسؤولية إعطاء الأمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي".

وفي مقابلة مع فوكس نيوز، قال ترامب إن "الأمير محمد بن سلمان أخبره 5 مرات أنه ليس متورطًا في القتل". وبسؤاله عما إذا كان يقبل بتصديق ذلك لأنه يحتاج إلى ولي العهد، أجاب: "هل سيعرف أحد أبدًا؟ ولكن كان لديه أشخاص مُقرّبون منه مُتورّطون على الأرجح".

وبعد نحو 3 أشهر من التصريحات الرسمية والتسريبات الإعلامية، التي لا يُعرف ما إذا كانت مجرد مزاعم أم أنها تحمل شيئًا من الصواب، فثمة ألغاز في الجريمة لم يُفكّ شفرتها رغم ما تكشّف إلى الآن. قال ترامب في وقت سابق "ربما لن نعرف أبدًا الحقائق المحيطة بجريمة قتل خاشقجي".

فيديو قد يعجبك: