إعلان

الغضب يجتاح المغرب.. "طحن مواطن" يفضح قمع الشرطة

02:11 م الإثنين 31 أكتوبر 2016

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - أحمد جمعة ومحمد سعيد:

لم يكن محسن فكري يطمح في أكثر من رمي شباكه في عرض البحر لاصطياد أكبر عدد من الأسماك قرب ميناء أكدير، على ساحل المحيط الأطلسي، 508 كيلومتر من العاصمة الرباط، ثم ينصرف بها إلى موطنه بمدينة الحسيمة شمال المغرب لبيعها كعادته. لكن تطورًا مفاجئًا حدث. أحد رجال الأمن طلب رشوة مقابل السماح له بالمرور ببضاعته، وهوّ ما رفضه بائع السمك، حسبما أفادت روايات شهود عيان نقلها بعض المغاربة لمصراوي.

اشتد غضب رجل الأمن، سحبت منه البلدية "رزقه"، بدعوى أنها فاسدة وألقوا بها في صندوق سيارة قمامة، وسط كميات من فضلات السكان، وفقا للرويات. اضطرب فكري لحاله. تدفق الدم الساخن في عروقه. قفز إلى داخل الشاحنة محاولًا استعادة بضاعته، قبل أن يهرول أحد أفراد الدورية الأمنية لتشغيل محرك الفرم الخاص بالسيارة. انسحق فكري وأسماكه واختلطت دمائهم في غسق ليل يوم الجمعة. لفظ أنفاسه الأخيرة بين فكي آلة شفط النفايات.

واستيقظ أهالي الحسيمة على صور منتشرة بكثافة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للشاب الثلاثيني وسط الشاحنة. انتفضوا على فيسبوك حتى حلّ المساء. خرجوا إلى شوارع المدينة والمناطق المحيطة بها تنديدًا بالواقعة.

تقول هاجر تمسماني، وهيّ من طنجة شمال المغرب على ساحل البحر المتوسط، إن أهالي المدينة شعروا بكسرة في نفوسهم، وهبّوا لأخذ حق "بائع السمك" الذي لا يعرفونه. وتحدثت هاجر لمصراوي عبر فيسبوك بينما كانت تسير في مظاهرات ليلية. قالت إن الكثير من الأهالي رددوا هتافات للمطالبة بمحاكمة الذين ارتبكوا تلك "الجريمة"، ولم تكن هناك أي مشاحنات أو عنف فيما بينهم، أو مع رجال الأمن الذين فضلوا عدم الاحتكاك بالمواطنين الغاضبين خشية تصاعد وتيرة الأحداث.

أصدر الملك محمد السادس تعليماته لوزير الداخلية يوم الأحد بالتوجه لمدينة الحسيمة لتقديم التعازي والمواساة إلى عائلة فكري بالنيابة عن القصر، نظرًا لتواجده خارج البلاد في جولة إفريقية، حسب بيان صادر عن وزارة الداخلية المغربية.

لم يمنع التدخل الملكي وتوجيهاته بفتح تحقيق عاجل في الواقعة، من تمدد المظاهرات في أنحاء متفرقة من البلاد. تقول هاجر إن الأهالي خرجوا في 16 ساحة بمدن المغرب على رأسها "الحسيمة"، مسقط رأس الضحية.

بلغة مغربية، تحدث نوفل طِلب عبر فيسبوك أيضا عن "مشاعرهم الغاضبة"، في إشارة إلى المشاركين في المظاهرة التي شهدتها مدينته، الجديدة. يقول "الشعب خرج البارحة عن بكرة أبيه للشوارع كي يحتج ويتضامن مع شهيد الحگرة محسن فكري. آلاف الناس احتجوا أمام مبنى الأمن ومندوبية الصيد طوال الليل حتى جاء عامل الإقليم والوكيل العام للملك للتفاوض معهم".

ودوّن الآلاف من المغرب ودول عربية أخرى على مواقع التواصل للتنديد بمقتل بائع الأسماك، وذيلوا تغريداتهم بهاشتاج "#طحن_مو"، من بين هاشتاجات أخرى. تلك الكلمة التي رددها رجل الأمن، بحسب مقطع مصور انتشر على الانترنت، ليأمر عامل البلدية بتشغيل آلة فرم القمامة. العبارة تعني بالعربية الفصحى "اقتل امه".

"أيقونة"
بعض المحتجين اعتبروا فكري "أيقونة" على غرار محمد بوعزيزي، الشاب التونسي الذي أشعل النار في نفسه في ديسمبر 2010 بعد سحب الشرطة في بلاده لعربة خضار خاصة به. كانت نيران بوعزيزي الفتيل الذي أشعل لهيب انتفاضة التوانسة ضد رئيسهم زين العابدين بن علي. لتتوالى الانتفاضات التي طالت مصر وليبيا وسوريا واليمن، لتكشل أحداث ما سمي ب"الربيع العربي".

لكن هاجر تعتقد أن تلك الاحتجاجات لن تتحول إلى ثورة شعبية، رغم تأكيدها أن الإجراءات الحكومية غير كافية. تقول إن "تدخل الملك الصارم لحل الأزمة قد يُهدأ الأوضاع". وتُضيف "نعم البطالة موجودة وهناك بعض المشاكل الاجتماعية وهناك من لا يرضى بمستوى معيشته، لكن حالنا أفضل من دول كثيرة، وأحسن مما آلت إليه الأوضاع في مصر".

ويعضد هذا الرأي الدكتور عودة عبد الفتاح، استاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والذي أشار إلى أن الحادث "لا يحمل أبعادًا سياسية، فهو حادث يُكرر في كل العالم، ويتحمله المسؤولون في الواقعة من البلدية. هذا أول حادث من نوعه في المغرب، ومواقع التواصل الاجتماعي السبب وراء الشحن الجمهوري. لكن يجب التأكيد على أن الحادث تم التعامل معه بشكل جيد من حيث تشكيل لجنة تحقيق بكامل الصلاحيات لتقديم نتائج في أسرع وقت عن المُتسبب".

واكتظت شوارع الحسيمة بآلاف المحتجين، ورددوا هتافات مُناهضة للنظام، حسبما ذكر محمد الياخلوفي، من شباب المدينة، في حديثه عبر فيسبوك لمصراوي.

يقول الياخلوفي "مظاهرة الأمس كانت حاشدة بالغاضبين وتُقدّر بنحو 10 آلاف متظاهر. تم رفع شعارات قوية مثل 'الخونة في القصور والشهداء في القبور' و 'المخزن سير فحالك ريح ماشي ديالك' و 'قتلوهوم عدبوهوم ولاد شعب يخلفوهوم'."

ويرى استاذ العلوم السياسية إن ردة الفعل الشعبية في مدينة الحسيمة "طبيعية وعاطفية"، موضحًا أن القوى السياسية والمجتمع المدني أدانوا الحادث وطالبوا بفتح تحقيق للكشف عن المُتسبب فيه لمحاسبته، وهو ما استجاب له الملك محمد السادس، ووجه وزير الداخلية بسرعة تقديم المسؤولين للمحاكمة.

ويعتزم المحتجون تنظيم اعتصامًا الاثنين عند الساعة الخامسة بساحة الشهداء، ردًا على اعتقال صديقي محسن فكري واللذين شهدا واقعة قتله.

يقول الياخلوفي إن "الأمن يحاول الضغط عليهم لتزوير الأقوال. مطالبنا واضحة بالافراج الفوري عن المعتقلين، ومعاقبة كل المتورطين في مقتل الشهيد فكري".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان