إعلان

قضية واحدة في ٣ عواصم!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

قضية واحدة في ٣ عواصم!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 02 مايو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تقول الأنباء الواردة من لندن أن بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، يخضع للتحقيق في الوقت الحالي، وأن سبب التحقيق هو الشقة التي يمتلكها في مبنى مجاور لمقر رئاسة الحكومة!

والقصة أن رئيس الوزراء أجرى تجديدات في شقته، دون أن يكشف عن الجهة التي مولت عملية التجديد؛ بما يعني أن هناك شبهات محسوبية في العملية، وأنه يواجه اتهامات بالفساد..!

صحيح أنه قال إنه سدد تكاليف التجديدات التي جرت في الشقة، ولكنه لم يذكر بصراحة إذا ما كانت هذه التكاليف التي سددها هي من جيبه أم أنها من جيب آخر!

وصحيح أيضاً أنه لا يزال متهماً، وأن القاعدة القانونية: "المتهم بريء إلى أن تثبت ادانته"، ولكن المسألة في الموضوع كله هي مدى حساسية هؤلاء الناس لفكرة المال العام!

قد يدان الرجل عندما يكتمل التحقيق معه، وقد يحدث العكس تماماً ويخرج من القضية بريئاً لا شيء عليه، ولكن القاسم المشترك الأعظم في الحالتين هو هذا التدقيق في كل جنيه، وهو هذا التأكد من أن كل جنيه جرى إنفاقه في مكانه، حتى ولو كان الذي أنفق هو رئيس الوزراء شخصيًا.

ولأن المال العام في أي مكان هو مال عام، ولأن التدقيق في إنفاق أي قدر منه في أي بلد يعود بالنفع الهائل على حياة الناس في هذا البلد، فإن هذا يجعلنا نتذكر أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كانت قبل سنوات قد أسست لما سمته: مبدأ كفاءة الإنفاق!

وهو مبدأ يعني أنك تستطيع أن تحقق نتيجة مضاعفة بالقدر نفسه من المال، وليس لذلك المبدأ من معنى سوى أنه يتحرى إنفاق كل جنيه في مكانه، وأن نسبة الهدر في الإنفاق العام تصبح عندئذ معدومة تقريباً، وأنه لا مجال لهدر مال هو مال الناس عموماً في آخر المطاف!

وإذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقدمت بمشروع قانون في الكونجرس، تتحول بموجبه العاصمة واشنطن إلى الولاية رقم ٥١، فهذا المشروع سوف يسعد أبناء العاصمة لأسباب تتصل بالمال العام، حتى ولو كان بايدن يريده لأسباب سياسية!

بايدن الذي يحكم باسم الحزب الديمقراطي يريدها ولاية مضافة إلى الولايات الخمسين لأسباب سياسية؛ لأنه يعرف أن هواها السياسي هو هوى ديمقراطي، ولذلك فإدخال أعضاء عنها في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ بعد تحويلها إلى ولاية سوف يعزز بالتأكيد من وضعية الحزب في المجلسين، وهذا من شأنه أن يسهل الحركة السياسية لهذه الإدارة الديمقراطية داخل البلاد وخارجها على السواء!

ولكن الأمريكيين الذين يعيشون في العاصمة يريدون تحويلها إلى ولاية لأسباب تتعلق بالمال العام بشكل مباشر، فواشنطن لا أعضاء لها في مجلس الشيوخ، والعضو الذي يمثلها في مجلس النواب ليس له حق التصويت، وهذه هي وضعيتها سياسياً منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان الهدف أن تبقى حيادية بوصفها المدينة التي توجد فيها عاصمة البلاد!

ولكنها وضعية لم يكن يرضى بها سكان العاصمة في أي وقت، لأنهم كانوا طول الوقت يدفعون الضرائب المقررة عليهم كأي أمريكي، ثم لا يشاركون في الوقت نفسه في ممارسة الرقابة البرلمانية على إنفاق هذه الضرائب التي يدفعونها. كان عدم التمثيل في الكونجرس محل شكوى منهم على الدوام، بمثل ما كانت الرغبة في التمثيل مطلباً لهم يتجدد باستمرار ولا ينتهي!

وقد وصل الأمر الى حد أنهم كانوا يكتبون على سياراتهم عبارة تقول: ضرائب بلا تمثيل.

وكان المعنى أنهم يرون خللاً في عدم قدرتهم على ممارسة هذا النوع من الرقابة على المال العام!

والدرس من لندن إلى الرياض إلى واشنطن هو درس واحد ومضمونه واحد.

الدرس أن المال العام يكتسب درجة من القدسية يجب ألا تكون محل فصال.

إعلان