إعلان

ليبيا... من الحرب الإقليمية إلى "متلازمة سوريا "

محمد جمعة

ليبيا... من الحرب الإقليمية إلى "متلازمة سوريا "

محمد جمعة
10:38 م الخميس 25 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تتسارع التطورات الميدانية في ليبيا ربما بأكثر من قدرتنا على متابعتها. وبالنظر إلى تعقيد المشهد الحالي، وعدم قدرة أي من قطبي الصراع الليبي على الحسم العسكري، سيتجه المشهد الليبي على الأرجح إلى أحد الاحتمالات التالية:

أولاً: الاتفاق على وقف لإطلاق النار بوساطة أمريكية ورعاية أممية: وحظوظ هذا السيناريو أكبر بكثير من غيره من السيناريوهات الأخرى. حيث تشعر الولايات المتحدة بالقلق حيال مساعي موسكو وأنقرة، بشكل مشترك، إلى إضفاء الطابع الرسمي على نفوذهما وأصولهما العسكرية في ليبيا. وتتخوف من احتمالات نسج تفاهمات بين الطرفين تحاكي تفاهمات أستانا بشأن سوريا، على النحو الذي يؤدي إلى تقاسم للنفوذ في ليبيا، بحيث تعزز روسيا مكانتها في شرق ليبيا، وتوسع قاعدتها العسكرية في المنطقة، وهي الخطوة الأكثر إثارة للقلق بحسابات واشنطن ودول الناتو. وأيضًا تكسب تركيا دعم روسيا ضد المعارضة الأوروبية لوجودها في ليبيا، وترتيبها البحري المثير للجدل مع حكومة الوفاق.

تفاهمات كهذه ستخلق العديد من المشاكل للولايات المتحدة وحلفائها... فمن ناحية، سيؤدي التسامح إزاء تعزيز أنقرة لمزاعمها غير المشروعة (في المياه الغنية بالطاقة بين تركيا وليبيا) إلى تقويض التعاون في مجال الطاقة بين اليونان وإسرائيل وقبرص ومصر، والذي ترى فيه واشنطن أنه يساعد في تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي الروسي. ومن ناحية أخرى، سيمنح تقسيم النفوذ في ليبيا، بوتين رافعة أخرى محتملة بالقرب من مصادر الطاقة الأوروبية (على عكس سوريا). والأهم أنه سيوفر الفرصة لموسكو؛ لتعميق التناقضات داخل الناتو وتحديه أيضًا في منطقة تحيط بالجناح الجنوبي للحلف، خاصة إذا ركبت روسيا دفاعات جوية متقدمة أو أسلحة أخرى.

لكل تلك التحديات والحسابات، شهدنا قبل أيام لقاء لقائد القوات الأمريكية في أفريقيا "أفريكم" الجنرال "ستيفن ج. تاونسند"، بـ"فايز السراج" رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، وبحضور "ريتشارد نورلاند" السفير الأمريكي في طرابلس، حيث عكس البيان الصحفي الذي أصدرته "أفريكم" بعد اللقاء، حرص واشنطن وتأكيدها على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار. أيضًا، ربما تشهد الفترة القليلة المقبلة، اتجاه المسؤولين الأمريكيين نحو البدء في جهود دبلوماسية وخطوات عملية من أجل قطع الطريق على روسيا وتركيا، والضغط على طرفي الصراع في ليبيا للعودة من جديد إلى الحوار الوطني برعاية الأمم المتحدة.

إلا أن هذا مشروط أيضًا، بأن يُظهر مجلس الأمن الدولي المنقسم بشكل دائم، قدرًا أكبر من التوافق من أجل إنجاح هذا المسعى؛ ويشمل ذلك، اختيار مبعوث خاص جديد، واعتماد قرار يجدد صلاحيات "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" ومواردها اللازمة لمراقبة خط إطلاق النار الذي سيتم التفاوض حوله. وهو أمر ربما تدفع الولايات المتحدة الأمريكية حاليًا نحو تعزيزه، وفق إشارات وتقديرات لدوائر دبلوماسية أمريكية في المنطقة.

ثانيًا: الاستمرار في المعارك بين الطرفين والانزلاق إلى حرب إقليمية: وهو أقل السيناريوهات احتمالاً. ويتأسس على ما تشير إليه بعض التقديرات أن حكومة الوفاق الوطني وبعد التدخل التركي، لم تعد تملك قرار وقف القتال حتى وإن أرادت، وأن هذا القرار انتقل بالفعل إلى تركيا. وبالنظر إلى عدم تمكن تركيا من تحقيق المكاسب الاقتصادية المرجوة من وراء التدخل حتى الآن، ربما تقامر بضخ المزيد من الاستثمارات العسكرية في ليبيا (رغم ما ينطوي هذا عليه من مخاطر)؛ أملاً في أن تتمكن من اختراق منطقة الهلال النفطي، وبعدها فقط يتوقف القتال.

هنا، لن يقف الجيش الوطني الليبي، ووراءه داعموه الإقليميون مكتوفو الأيدي. بل على العكس، إذ تشير التقديرات إلى قدرة هؤلاء الداعمين على تنفيذ مهام عسكرية تقوض بها نُظم الدفاع الجوي التركية، من خلال إرسال مقاتلاتها من نوع "إف-16" و"رافال" وغيرها. إلا أن نتائج هذا الصراع الإقليمي على المسرح الليبي ستكون مصحوبة بكلفة سياسية وأمنية عالية على كافة الأطراف. ورغم أن عددًا من الأطراف الدولية على رأسها الولايات المتحدة تعمل بالفعل على تجنب مثل هذا الخطر، الأمر الذي يجعله احتمالاً ضعيفًا– كما سبقت الإشارة- فإنه يصعب استبعاده بالمطلق، وذلك بالنظر إلى رعونة موقف تركيا التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى دولة مصدرة للإرهاب، يقودها نظام لا يتورع عن توظيفه للمذهبية الدينية، ومن ثم يتسبب بسياساته في الكثير من الاضطرابات على غرار إيران.

ثالثًا: تجميد الصراع وظهور "متلازمة سوريا" في ليبيا: بالنظر إلى الأوضاع الميدانية الحالية، وما يتطلبه تطوير الموقف العسكري من نشر أصول عسكرية مكلفة ماديًا وعسكريًا لجميع الأطراف، ربما تتجه الأوضاع نحو الجمود. خاصة إذا لم تنجح المساعي الدولية والإقليمية نحو إبرام اتفاق وقف ملزم ومقبول من كل الأطراف على الأرض لإطلاق النار.

في هذا السيناريو (وهو أحد السيناريوهات ذات الحظوظ المرتفعة) سيؤدي تجمد الوضع على الأرض إلى ظهور تناقضات داخل معسكرات القوى المتحالفة سواء في شرق أو غرب ليبيا.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تحقق هذا السيناريو إلى ظهور سريع لما يمكن تسميته بـ"متلازمة سوريا" في ليبيا، وذلك وفق صورتين محتملتين:

الأولى؛ تتمثل في صحوة جديدة لنشاط الجماعات الإرهابية العاملة في منطقة شمال ووسط أفريقيا. إذ ستتجه بعض عناصر الميليشيات السورية التي استجلبتها تركيا إلى الانضمام لصفوف إخوانهم في تنظيمات سلفية جهادية أخرى عبر الإقليم، وأقربها بالطبع في مالي وتونس والجزائر، ولربما مصر والمغرب. ومن ثم تتحول ليبيا إلى بؤرة جديدة؛ لتصدير الإرهاب بما يتسبب في إحداث قدر كبير من الاضطراب والارتباك في الإقليم.

والثانية؛ أن تتحالف بعض عناصر الميليشيات السورية التي استجلبتها تركيا مع عناصر سلفية جهادية أخرى مثل تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا، لتأسيس ملاذ آمن لهم هناك أو إمارة إسلامية في ليبيا على غرار إدلب السورية.

والأنكى أن مثل هذا الاحتمال وارد أيضًا في جميع السيناريوهات. فقد تعمل تركيا على بناء هذا الكيان ورعايته في ليبيا؛ ليكون بمثابة نقطة ارتكاز وورقة نفوذ تركية دائمة، تحسبًا لاحتمالات انهيار محتمل لحكومة الوفاق الوطني، أو الاتجاه نحو تشكيل حكومة وحدة بموجب اتفاق سياسي جديدة برعاية دولية، حيث لا ضمانة بأن تستمر هذه الحكومة في الالتزام بما سبق واتفقت عليه أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني!.

ولعل هذه النقطة بالذات تلفت الانتباه إلى أن تضمين شرط إخراج المرتزقة السوريين من ليبيا، في أي صيغة لوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات من جديد، يبدو ضروريًا للغاية من أجل حماية أمن واستقرار الإقليم ككل.

إعلان