خبير سياسي: سياسة أوروبية جديدة بشأن ترحيل السوريين قسرًا تثير جدلًا حقوقيًا ودوليًا
كتب- حسن مرسي:
الأوضاع في سوريا
أكد الباحث والخبير السياسي ياسين الحمد، أنه في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، تشهد السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين السوريين تحولاً جذرياً يتسم بالتشدد والغموض. فالدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وإيطاليا والسويد بدأت تعيد تقييم أوضاع اللاجئين السوريين، حيث أعلنت تعليق قبول طلبات لجوء جديدة ومراجعة القرارات السابقة، في خطوة تعكس رغبة هذه الدول في التخلص من عبء اللاجئين تحت ذريعة "تحسن الأوضاع" في سوريا.
وقال الحمد، خلال حواره على فضائية "العربية"، "منذ أيام أقدمت ألمانيا على خطوة غير مسبوقة بالإعلان عن استعدادها لترحيل سوريين متهمين بارتكاب جرائم خطيرة، وذلك بعد أيام فقط من قيام النمسا بترحيل أول لاجئ سوري إلى بلاده في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011".
ولم تكشف النمسا عن تفاصيل الجريمة التي أدين بها المُرحَّل، مما أثار تساؤلات حول مدى شفافية هذه الإجراءات.
كما تسارع دول أوروبية أخرى لاتباع هذا النهج، حيث تدرس السويد استخدام مطاراتها لتنفيذ عمليات ترحيل قسري للسوريين، في خطوة تعكس تحولاً جذرياً في السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين. وكانت بعض الدول قد لجأت سابقاً إلى أساليب "ترغيبية" مثل تقديم مغريات مالية للاجئين لدفعهم للعودة الطوعية، بينما اقترح سياسيون ألمان منح "مكافآت" مالية إضافية لتشجيع العودة.
وأوضح الخبير السياسي، أن هذه الإجراءات تثير جدلاً قانونياً وإنسانياً واسعاً، إذ يتعارض الترحيل القسري مع مبدأ "عدم الإعادة القسرية" المنصوص عليه في القانون الدولي، خاصة وأن تقارير حقوقية مستمرة في التحذير من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا. وتساءل مراقبون عن المعايير التي ستحدد بها الدول الأوروبية من يمكن ترحيله، وما إذا كانت هذه القرارات تخضع لاعتبارات أمنية حقيقية أم أنها مجرد استجابة لضغوط سياسية داخلية.
وأضاف أن هذا التوجه يأتي في وقت تشهد فيه السياسات الأوروبية تجاه اللاجئين تحولاً عاماً نحو التشدد، حيث تسعى الحكومات إلى استرضاء التيارات اليمينية المتشددة التي تكتسب زخماً متزايداً في العديد من الدول الأوروبية.
لكن الخبراء يحذرون من أن هذه الإجراءات قد تفتح الباب أمام انتهاكات أوسع لحقوق اللاجئين، وتخلق سابقة خطيرة في التعامل مع أزمات اللجوء حول العالم.
فسوريا ما زالت تعاني من دمار شامل في بنيتها التحتية وانهيار اقتصادي كارثي، حيث فقدت الليرة السورية 95% من قيمتها، فيما يقدر عدد المنازل المدمرة بأكثر من 4 ملايين منزل، و90 بالمئة من السكان يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بينما لا يزال أكثر من 7,4 ملايين سوري في عداد النازحين داخلياً.
وشدد الحمد على أن المشهد الأمني لا يبعث على الطمأنينة أيضاً، فبين سيطرة القوات الكردية على مناطق النفط شرق الفرات، وتواجد عناصر ارهابية تابعة لتنظيم داعش في وسط البلاد، وانتشار الفصائل المسلحة المتنوعة والأسلحة خارج سيطرة الدولة، يصبح الحديث عن "عودة آمنة" مجرد وهم.
حيث تفاقم العنف بشكل غير مسبوق، وتصاعدت الهجمات الدموية بشكل خاص من قبل الجماعات المتطرفة مثل "سرايا أنصار السنة". واستهدفت هذه الجماعات بشكل متعمد الأقليات الدينية والمذهبية، بما في ذلك العلويون والدروز والمسيحيون، مما يهدد بإشعال فتيل حرب طائفية شاملة. فقد شهدت المحافظات الساحلية، منذ السابع من آذار/مارس الماضي وخاصة اللاذقية وطرطوس، تصاعداً خطيراً في العنف الطائفي، تجلى في عمليات اختطاف نساء واغتيال مدنيين على الهوية.
ولفت الخبير السياسي، أن الأزمات الأمنية في سوريا تعكس تعقيدات المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد، حيث تتداخل العوامل السياسية مع الانقسامات الطائفية والنشاطات الإرهابية في مشهد بالغ التعقيد. ويحذر خبراء الشأن السوري من أن استمرار هذا الوضع دون معالجات جذرية لإعادة بناء مؤسسات الدولة وضمان عدالة انتقالية حقيقية، سيبقي المدنيين العزل هم الأكثر تضرراً في هذه المعادلة.
وفي هذا السياق، يبرز دور إقليمي مهم لتركيا وروسيا كفاعلين أساسيين في سوريا الجديدة وإنهاء أزماتها. فقد أثبتت موسكو قدرتها على لعب دور محوري في خفض التصعيد خلال السنوات الماضية، من خلال آلية التنسيق الفعالة مع أنقرة التي تجسدت في تنفيذ اتفاق سوتشي 2019 الذي ساهم في احتواء التوترات في شمال غرب سوريا، وتسيير الدوريات المشتركة في المناطق الحدودية الشمالية، وتفعيل لجان المصالحة المحلية التي ساهمت في حل النزاعات على المستوى المحلي.
كما أن القاعدة الجوية الروسية في حميميم، ساهمت في حماية المدنيين الفارين من إجرام الجماعات المسلحة المتشددة. وقامت بهذه الخطوة في تقليل أعداد الضحايا لينعكس إيجاباً على الحكومة الجديدة في دمشق، وعلى سمعتها على الصعيد الدولي.
ويؤكد المراقبون أن أي حلول مستقبلية للوضع السوري لا يمكن أن تنجح دون استمرار هذا التعاون الإقليمي الفاعل، مع ضرورة توسيعه ليشمل جوانب إعادة الإعمار وبناء المؤسسات. حيث تعد أنقرة حليفة للحكومة السورية الجديدة بينما تحافظ موسكو على وجودها العسكري في الساحل السوري، وتعيد بناء العلاقة الاستراتيجية مع دمشق.
ووفق المحلل السياسي محمد الأحمد فإن كل من تركيا وروسيا تحاولان ملئ الفراغ في سوريا، خاصة بعد تعليق العقوبات الأوروبية والأمريكية بشكل مؤقت وليس دائم. وأشار الى أن التعاون الثلاثي (سوريا، تركيا، روسيا) يركز على إبقاء سوريا خارج دائرة الصراع بين الشرق والغرب، ومساعدتها على حماية المدنيين والنهوض بها نحو الاستقرار وإعادة البناء، مع التركيز على المصالح الاقتصادية المشتركة مثل خطوط الغاز ومشاريع البنية التحتية.
وأشار الخبير السياسي ياسين الحمد، الى أن الرئيس السوري أحمد الشرع أعلن عن مفاوضات مع تركيا وروسيا لتأمين دعم عسكري يحفظ أمن البلاد دون المساس بسيادتها. حيث أكد الشرع أن سوريا بحاجة إلى دعم عسكري لبناء جيش قوي، مشيراً إلى أن "الحكومة السورية تتفاوض على صفقات مع كل من تركيا وروسيا للحصول على دعم عسكري مستقبلي من كليهما".
وأضاف الأحمد أنه بالنسبة للضغوط الأوروبية لترحيل اللاجئين فهي تكشف عن تناقض صارخ، فمن ناحية تدعي هذه الدول حرصها على حقوق الإنسان، ومن ناحية أخرى تدفع باللاجئين نحو مجهول محفوف بالمخاطر، لأن تقارير الأمم المتحدة تؤكد أن 80% من السوريين في الخارج يرفضون العودة بسبب انعدام فرص العمل وغياب الضمانات الأمنية.
وأشار الخبير السياسي ياسين الحمد، إلى أنه سبق وأن حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من إعادة السوريين إلى وطنهم "في الوقت الحالي". وقال: "تخلص السوريون من نظام بشار الأسد، لكن الحكومة الجديدة تفتقر إلى الخبرة، فضلاً عن أن الوضع الراهن هش".
وأضاف: "عاد مئات الآلاف، معظمهم من النازحين داخلياً، لكن لم يُقدم أي سوري تقريبا على العودة من أوروبا، لأن الوضع في أوروبا أفضل. لا ينبغي لنا الضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم؛ فهذا يخلق مشاكل جديدة"، مشيراً إلى أنه يتعين أولًا المساعدة في تحسين الوضع داخل سوريا.
في النهاية، يبدو أن السوريين سواء في الداخل أو المنفى، وقعوا ضحية لما خلّفته سياسة نظام الأسد طوال سنوات، فبين مطرقة الضغوط الأوروبية لترحيلهم، وسندان الواقع المرير في وطنهم المدمر، يبقى مستقبلهم معلقاً بين خيارين مريرين إما البقاء في المنفى بلا حقوق واضحة، أو العودة إلى وطن غير قادر في الوقت الراهن على تأمين أبسط مقومات الحياة الكريمة.