آلاف الكتب الجديدة في معرض القاهرة.. هل يفيد تسهيل النشر الثقافة؟
كتب - محمد لطفي:
"لما كل الشعب بيكتب ونازل بكتب في معرض الكتاب.. أومال مين اللي هيقرأ؟".. سؤال بات يطرح نفسه بقوة على الساحة الثقافية، مع بدء أول أيام الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بعد أن كشفت دور النشر عن إصداراتها، وهي إصدارات بالآلاف على أقل تقدير.
إصدارات دور النشر الخاصة التي يأتي يغلب عليها الطابع الأدبي "رواية/ قصة / شعر" يتزامن مع تصريحات الدكتور أحمد الشوكي رئيس دار الكتب والوثائق التي أكد فيها أنه يصدر ما يوازي 2000 رقم إيداع لكتب مختلفة يوميا في الشهور الثلاثة التي تسبق افتتاح معرض القاهرة للكتاب، وهو رقم مهول استوقفنا كثيرا لنطرح على المثقفين وعدد من الكتاب المشاركين في المعرض عدة استفسارات عن رأيهم في هذه الظاهرة، وهل هي أمر إيجابي أم سلبي، وهل تفتح آفاق جديدة للشباب أم تذوب الموهوبين في طوفان الروايات الضعيفة، وماذا يشتري الكتاب من الإصدارات الحديثة عندما يذهبون للمعرض؟
البداية كانت مع الكاتب الروائي مصطفى البلكي الذي يشارك في معرض الكتاب برواية "ممرات الفتنة" عن هيئة الكتاب، والذي قال: قبل أن نبحث عن أسباب تلك الظاهرة، ولماذا هذا العدد الهائل من أرقام الايداع، علينا أن نبحث عن السبب الذي أوجد تلك الظاهرة, فقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في وجود ظاهرة البوح، فالكل يكتب, والكل يشهر حرفه، وكأن الجميع في وسط دوامة, تضيق على جماعة بعينها وتتسع على جماعة أخرى, ليضيع في النهاية الصوت المفرد في صوت واحد, يرسل الشكوى من تراجع في قيمة ما يقدم للقارئ, فيرد عليه من يؤسس لفكرة أن الكتاب بضاعة, إنها علاقة بين منتج ومستهلك.
وأضاف: "يكون الخضوع لما يطلبه السوق وسيلة لقتل الجيد, فتجد الرواج في الكتابة الخاصة بالرعب وأنواع أخرى, والمشكلة تكمن في عدم وجود مقياس على أساسه تحاكم الناشر, فهو في النهاية يطلب المكسب, ولا يعنيه السؤال المهم: هل فكرت فيما قرأت؟ ويبقى جانب الترويج, فالكثير من تلك الأعمال تروج لها آلة إعلامية وكتائب مدربة على وسائل التواصل الاجتماعي, تلتهم المساحة المتاحة للجيد, فيتوارى ويدفن, ويبقى فقط أن تعول على وعي القارئ الذي يملك ميزة الفرز".
وحول ما يشتريه "البلكي" في معرض الكتاب قال: أصبحت أعرف ما أريده, وما أشتريه من كتب هي التي تملك تحريك داخلي, أصبح الانتقاء يرافقني, فمن المفيد وجود إرادة تنبع من ذات القارئ توجه إلى الأعمال الجيدة, لذلك حتى لا أخدع في الأغلب أقرأ لمن أعرف, أو لمن يرشحه لي صديق أثق فيه.
أما الكاتب مصطفى منير، والذي يشارك لأول مرة في المعرض برواية "قيامة الظل"، فقال: إن دولة موريتانيا تُلقَّب ببلد المليون شاعر، حتى ولو لم يكن الرقم صحيحًا، فقد ساعد هذا اللقب على الاهتمام باللغة العربية بل وجعل الصغار، حلمهم الآن، تعلم أساسيات الشعر وبحوره، فلِمَ نغضب من كثرة الروائيين؟ لعلنا نصير "بلد المليون روائي"، ويتصدر الأدب المصري كعادته، لكنّ غيابَ الرقابةِ أدى إلى ضعف مستوى الأعمال المقدمة، فبالتالي؛ لم يعد الاهتمام بقوة المتن ضرورةً، المهم أن تكون موجودًا وتبيع فقط، لذلك؛ أنا لا أمانع النشر ولا فكرة مليون رقم إيداع يوميًا، نحن نريد فقط لجنةً، في كل دارٍ، تتعهد بتقديم ما يليق بالنشر.
عدم ممانعة "منير" وترحيبه بمشاركة آلاف الروايات الجديد في معرض الكتاب لم تمنعه من إبداء تخوفه من الظلم البيّن الذي يتوسد الموهوبين، قائلا: هذا الواقع يؤدي إلى ظهور أنصاف المواهب ومعدومي الموهبة على الساحة، فقط لأنهم يدفعون للناشرين، أو لديهم وفرة في عدد المتابعين، على صفحات التواصل الاجتماعي، أمّا عنّي كقارئ، فخيمة هيئة الكتاب وسور الأزبكية ودار الهلال وبعض دور النشر -الجادة في محتواها- فقط التي أمشي إليها فرحًا كطفلٍ تعلم الخطوات للتو لاقتناء إصداراتها.
من جانبه، قال الكاتب أحمد الملواني والذي يشارك في معرض الكتاب برواية "الفابريكة": من المؤكد أن كثرة العناوين المنشورة يشكل أزمة، رغم أن إقبال الشباب على القراءة والكتابة أمر مهم، وكان من المفترض أن يؤتي تعدد منابر النشر إلى نتائج إيجابية، خصوصا أني بدأت في وقت كان النشر معاناة حقيقية، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن سهولة النشر باتت تعني غياب التقييم، وكان ينبغي أن يكون هناك فارق بين تسهيل النشر للكاتب الشاب أو المبتدئ، وبين أن يصبح بمقدور أي شخص أن ينشر أي شيء طالما يستطيع أن يدفع ثمن النشر، وللأسف فقد هذا النظام سائدا في اغلب دور النشر لدرجة ان من بين مئات دور النشر في مصر ـ وهو رقم مخيف ـ مقارنة بدور النشر المحترمة التي لا تتجاوز أصابع اليدين!!
وأضاف الملواني: كان في الماضي مجرد أن يصدر لك كتاب، بمثابة اعتراف بأنك كاتب متحقق، وبلغت من الإجادة ما يسمح لك بعرض أعمالك للقراءة في كتاب، لكن اليوم الموضوع أن الشاب يكتب أول حروفه في الأدب، و"يجري ينشرها لأن النشر أصبح سهلا، حيث يعتمد على مسألة القدرة المادية ولا يوجد تقييم"
وتابع: هذا الأمر يصنع أزمتين، هما؛ أن كثير من المواهب الحقيقية تضيع في الزحمة، وأن كثير من الشباب الموهوبين يتوقفون عن التجريب والتطور ويعتبرون نفسهم حققوا المراد لمجرد أنهم نشروا كتاب.
أما عما سيشتريه في المعرض فقال الملواني: إنني لا أشتري اعمالا جديدة، وفي الغالب أنتظر لما بعد المعرض، ففي المعرض أركز أكتر على الاعمال المترجمة، او النشر الحكومي الذي لا يكون متوفرا دائما عندنا في منافذ الإسكندرية، ومن المؤكد فإنني أركز على متابعة سور الأزبكية.
بينما قال الكاتب الروائي محمد العون: لا توجد عندنا الآن مراجعة أو تقييم للأعمال، بسبب أن دور النشر تطبع لمن يدفع، وهذا ينسف عملية انتاج الكتب والثقافة نفسها في نهاية الأمر. وأصبح أي شخص يمكنه أن يكتب وينشر طالما يستطيع أن يدفع لدار تقبل هذا، مما أشاع حالة من الفوضى في إصدار كتب لا تحمل أي قيمة فنية أو إبداعية. والمشكلة هنا أن المبدع الحقيقي يتوه وسط هذا الزحام ويصبح من الصعوبة فرز الإبداع الجيد من الغث.
وأضاف العون: عامل الخبرة لدي يلعب دورا أساسيا في انتقاء ما اشتريه من كتب، والأمر ليس قاصرا على الكتب الأدبية فقط.
فيديو قد يعجبك: