إعلان

رحلة في كتاب الفيلسوف الدكتور مصطفى محمود (رحلتي من الشكّ إلى الإيمَان)

09:15 م الأربعاء 31 أكتوبر 2018

الدكتور مصطفى محمود

قـراءة : علـي شـبل

"احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب، وآلاف الليالي من الخلوة والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، إلى ما أكتب اليوم على درب اليقين".. ثلاثون عاماً من المعاناة والشك والنفي والإثبات، ثلاثون عاماً من البحث عن الله، هكذا وصف المفكر والفيلسوف والطبيب مصطفى محمود حاله رحلة وصوله إلى حقيقة الإيمان بالله عن يقين.. ثلاثون عاماً قرأ وقتها عن البوذية والبراهمية والزرداشتية ومارس تصوّف الهندوس.. ويؤكد أنه في فترة شكه لم يُلحد فهو لم ينفِ وجود الله بشكل مطلق؛ ولكنه كان عاجزاً عن إدراكه، كان عاجزاً عن التعرف على التصور الصحيح لله!

ثلاثون عاماً أنهاها بأروع كتبه وأعمقها (حوار مع صديقي الملحد)، (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، (التوراة)، (لغز الموت)، (لغز الحياة)، وغيرها من الكتب شديدة العمق في هذه المنطقة الشائكة.. وفي ذكرى رحيل الطبيب والمفكر والفيلسوف مصطفى محمود، في مثل هذا اليوم (27 ديسمبر 1921 - 31 أكتوبر 2009) يقدم مصراوي في التقرير التالي قراءة موجزة لكتابه: (رحلتي من الشك إلى الإيمان).

يتألف الكتاب من ثمانية فصول، وهي:

1 - الله:

يبدأ د.مصطفى محمود رحلته من الشك إلى الإيمان بالحديث عن "الله" ويتحدث في هذا الفصل عن الأفكار الجدلية حول وجود الخالق، وفكرة الوجود والعدم. فكيف لـ "الله" أن يكون الخالق الذي جاء بذاته ولا يصح أن يأتي الكون هو الآخر بنفسه، في شك منه في المسلمات. ثم يحاول تفسير ما انتابه من شك فيقول "زهوي في عبادة عقلي هو الحافز، وليس البحث عن الحقيقة وكشف الصواب".

ويصل لإجابة سؤاله من الذي خلق الكون فيقول: "ولا يصح أن نسأل.. من الذي خلق الكون. إذ إن السؤال يستتبع أن الكون كان معدوما في البداية ثم وجد.. وكيف يكون لمعدوم كيان. إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح القول بأنه كان. وبهذا جعلت من الوجود حدثا قديما أبديا أزليا ممتدا في الزمان لا حدود له ولا نهاية. وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته. الله هو الوجود.. والعدم قبله معدوم. هو الوجود المادي الممتد أزلاً وأبداً بلا بدء وبلا نهاية. ثم يخلص في هذا الجزء إلى أن "العلم الحق لم يكن أبداً مناقضًا للدين بل دالاً عليه. وإنما نصف العلم هو ما يوقع العقل في الشك والشبهة".

2 - الجسد

يتكلم د.مصطفى محمود عن كيفية تميز كل شخص بصفات فريدة تميزه عن غيره، مثل البصمة الوراثية "كلنا من أصل واحد.. من خامة واحدة. ولكن لكل منا فرديته الخاصة به. روالفرق بين مخلوق ومخلوق ليس مجرد فرق كمي في الذرات، وإنما هناك فرق أكبر وأعقد في العلاقات بين تلك الذرات وفي كيفيات الترابط بينها".

ولم يكن الإيمان بـ"الروح" ليخلو من الشك ولكنه توصل لحقيقة أن الإنسان يمتلك "الإرادة الهائلة التي تدوس على الجسد وتضحي به، تلك الإرادة المهيمنة على الجسد وليست تبعاً أو ذيلاً له، وهي "الروح"، ذلك "الصحو الداخلي" كما أسماه.

3 - الروح

يتحدث عن الروح وكيف أنها مجهولة بالنسبة للإنسان، ويصل إلى أن الذاكرة هي "صور وأفكار مستقلة مسكنها الروح وليس الجسد" فـ"التوازي مفقود بين الروح والجسد، فهما مستويان لا مستوى واحد".

4 - العدل الأزلي

في جزء آخر من تلك الرحلة، يتناول د. مصطفى محمود ذلك الشك في العدالة الإلهية ووجودها، ولكن ما يلبث أن يدحض ذلك الشك بعرض لتساؤلات تستدعي التفكير والتأمل. فيقول "إننا أمام حالة مراقبة فطرية وفكرة ملحة بالحساب... نعلم بداهة وبالفطرة أن العدل هو ناموس الوجود"، أما ما يحدث في عالمنا من ظلم فذلك لأن الله "أخلفنا على الأرض وأعطانا الحرية".

5 - لماذا العذاب؟

يتحدث عن الحكمة من العذاب ويسأل على لسان البعض "لماذا العذاب؟" من الله وهو الإله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالنقاش الجدلي "المثقفون لهم اعتراض تقليدي على مسألة البعث والعقاب، فهم يقولون: كيف يعذبنا الله والله محبة؟ وينسى الواحد منهم أنه قد يحب ابنه كل الحب ومع ذلك يعاقبه بالضرب والحرمان من المصروف والتأديب والتعنيف.. وكلما ازداد حبه لابنه كلما ازداد اهتمامه بتأديبه"، ليجيب أن "إذا خفيت عنا الحكمة في العذاب فلإننا لا ندرك كل شيء ولا نرى من القصة إلا مرحلة محدودة اسمها الدنيا، فما قبل ذلك وبعده هو غيب محجوب".

6 - ماذا قالت لي الخلوة؟

ثم يسأل نفسه خلوة ما إذا كان صادقا ليقطع بأن "الصادق الحقيقي يكاد يكون غير موجود" فكلنا في تظاهر وادعاء أمام الناس. بل إن اللحظة التي نتحرى فيها الحق وحده هي لحظة شحيحة الوجود. فـ"العلم وحده هو النظرة المستقلة عن الأهواء، والخلوة مع النفس هي اللحظة الأخرى التي يتجرد فيها الإنسان من دفاعاته ويكون صادقا مع نفسه".

7 - التوازن العظيم

ثم يتعرض لفرضية "أن الكون بما فيه من اتساق ونظام حدث صدفة" ويصفها بـ"السذاجة". ويؤكد على أن العلم لا يعرف إلا "أسماء" بغير "مسميات" فـ"نحن في عصر العلم الغيبي، وعليه فإنه لا يحق للعلم أن يحتج على غيبيات أغرق نفسه في مثلها"، ليصل في نهاية فرضياته المطروحة: "أولى بنا أن نؤمن بعالم الغيب. خالقنا البرّ الكريم. الذي نرى آثاره في كل لمحة عين وكل نبضة قلب وكل سبحة تأمل. هذا أمر أولى بنا من الغرق في الفروض".

8 - المسيح الدجال

ثم اختتم رحلته بالحديث عن "المسيخ الدجال" معبود الزمان المادي. فمع اختفاء الإيمان بالله اختفت السكينة والأمن. وليس هذا اتهاماً للعلم، بل يؤكد ألا تعارض بين الدين والعلم فالدين هو "منتهى العلم المشتمل على جميع العلوم"، فالدين يضع العلم في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن العديد من الوسائل الأخرى كالفطرة والبصيرة والبداهة والإلهام والوحي. فالله "خلقنا لنتعرف على مجهولات الدنيا والنفس البشرية ومن ثم يعرف الإنسان ربه ويعبده عن حب فيكون أهلاً لمحبته وعطائه".

وينهي كتابه بالرجوع إلى سؤاله الذي ابتدأ به كتابه: لماذا خلقنا الله؟ ليقول:

"وجوابًا على الذين يسألون في حيرة: لماذا خلقنا الله؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا؟ وما حكمة هذا العذاب الذي نعانيه؟ يجيب القرآن بمجموع آياته.. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه.. ليتعرف على مجهولاتها ثم يتعرف على نفسه. ومن خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه.. و يدرك مقام هذا الرب الجليل فيعبده ويحبه وبذلك يصبح أهلاً لمحبته وعطائه.. ولهذا خلقنا الله.. وهذا الهدف النهائي.. ليحبنا ويعطينا.. وهو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته وعطائه.

بالحب خَلَق

وللحب خَلَق .

تبارك وتعالى في سماواته، الذي خلقنا باسمه الرحمن الرحيم".

فيديو قد يعجبك: