إعلان

وثيقة التحكيم بين الإمام علي ومعاوية.. حقنت دماء المسلمين وكشفت الخوارج

01:51 م الإثنين 22 أكتوبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب– هاني ضوه :

عقب اغتيال الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، حدثت الكثير من الفتن خاصة في فترة ولاية أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مما أدى إلى اقتتال المسلمين ووقوع العديد من الأحداث التي كانت تمثل خطرًا حقيقيًا على أمة الإسلام لولا تنبه حكماء المسلمين لذلك الخطر.

في التقرير التالي يرصد مصراوي قصة وثيقة التحكيم بين الإمام علي ومعاوية، والتي حقنت دماء المسلمين وكشفت الخوارج، وتم إعلان الوثيقة بعد موقعة صفين، وتحديدًا في مثل هذا اليوم 13 من صفر عام 37 هجريًا:

حين مبايعة أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رغم زهده في الخلافة، ظهر فريق من المسلمين بقيادة الصحابي معاوية بن أبي سفيان يرفضون مبايعة الإمام علي إلا بعد القصاص من قتلة سيدنا عثمان بن عفان.

وهنا أصبح المسلمون فريقين الأول: في معسكر أمير المؤمنين سيدنا علي ويرى أنه يجب أن تتم البيعة أولًا للإمام حتى تستتب الدولة الإسلامية والأمن فيها ويتم حمايتها ممن يضمرون الشر، والفريق الثاني: وهم معسكر الصحابي معاوية بن أبي سفيان الذي يرى أن القصاص قبل البيعة للإمام علي، وهناك بعض المسلمين اعتزلوا هذا الخلاف ولم يتدخلوا فيه.

اشتعلت الأمور بين المعسكرين بفعل كثير من أهل الفتنة الذين عملوا على التحريض، واقتتل الفريقان في عدة معارك كان أعظمها موقعة "صفين" التي قتل فيها آلاف المسلمين، فبلغ عدد القتلى من جيش الإمام علي ما يقرب من 25 ألفًا، أما أصحاب معاوية فقتل منهم ما يقرب من 45 ألفًا وكانت الغلبة وشيكة لجيش الإمام علي.

لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش الإمام علي على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.

فدعا عمرو بن العاص جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعوا جيش علي إلى التوقف عن القتال ويدعوا علياً إلى حكم القرآن.

ويذكر الإمام الطبري ذلك الأمر في كتابه "تاريخ الأمم والملوك فيقول إنه "جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش علي حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود، يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: "يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم". فأجابهم علي: "ويحكم أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه". فقالوا: "فابعث إلى الأشتر ليأتيك"، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين في هذا الموقف أمام خيارين: فإما المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية. وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً. فقبل علي بن أبي طالب التحكيم وترك القتال مكرها".

وتوقف القتال وأذن الإمام علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده.

وتم إعلان وثيقة التحكيم بين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان بعد موقعة صفين، وتحديدًا يوم 13 صفر عام 37 هجريًا.

وكتبت صحيفة التحكيم على النحو التالي كما ذكرها الإمام الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك": " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل الكوفة و من معهم من شيعتهم من المؤمنين و المسلمين، وقاضي معاوية على أهل الشام و من كان معهم من المؤمنين و المسلمين، إنا ننزل عند حكم الله عز و جل وكتابه، و لا يجمع بيننا غيره، و إن كتاب الله عز وجل بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وَجد الحكمان في كتاب الله عز وجل عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسُنّة العادلة الجامعة غير المفرقة".

وشهد على وثيقة التحكيم وفق ما ذكره الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" من جيش علي: عبد الله بن عباس، والأشعث بن قيس الكندي، وسعيد بن قيس الهمداني، وعبد الله بن الطفيل المعافري، وحجر بن يزيد الكندي، وورقاء بن سمي العجلي، وعبد الله بن بلال العجلي، وعقبة بن زياد الأنصاري، ويزيد بن جحفة التميمي، ومالك بن كعب الهمداني، فهؤلاء عشرة.

وأما من الشاميين فعشرة آخرون وهم: أبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومخارق بن الحارث الزبيدي، ووائل بن علقمة العدوي، وعلقمة بن يزيد الحضرمي، وحمزة بن مالك الهمداني، وسبيع بن يزيد الحضرمي، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، ويزيد بن الحر العبسي.

لم يرض فريق من المنافقين بهذا التحكيم وحقن دماء المسلمين، فخرجوا عن الإمام علي وعلى معاوية كذلك وتآمروا ليفسدوا الوفاق بين الفريقين، والعجيب كما ذكر الطبري وابن كثير وغيرهما أن أكثرهم كانوا من حفظة القرآن القوامين لليل ولكنهم لم يفقهوا القرآن، ولم يرجعوا مع الإمام علي إلى الكوفة واعتزلوا صفوفه ونزلوا بحروراء في أول أمرهم، وسموا شراة لأنهم قالوا شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بعناها بالجنة، وسموا مارقة، وذلك للحديث النبوي الذي أنباً بأنه سيوجد مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إلا أنهم لا يرضون بهذا اللقب، وسموا محكمة لإنكارهم الحَكَمين (عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري) وقالوا لا حكم إلا لله.

وبعد وقف القتال بين الإمام عليَّ ومعاوية، ورجوع عليَّ ومعاوية، انقسم جيش الإمام عليَّ إلى فريقين فريق كان مع الإمام عليَّ في قبوله التحكيم وشايعوه على ذلك، وفريق آخر لم يرض بالتحكيم، ولم يقبل ذلك من معاوية وخرجوا عنه فسموا بالخوارج، ونزلوا حروراء، من قرى الكوفة، فسموا الحرورية، وكان عددهم اثني عشر ألفاً، ووصل الأمر ببعضهم إلى تكفير الإمام عليَّ بسبب قبوله التحكيم، وكانوا يقولون في ذلك إن الحكم لله لا لك يا عليَّ.

ولقد توالت الأحداث بعد ذلك بين الإمام علي والخوارج والذين خرجوا عليه، ومحاولته إقناعهم بالحجة، ولكنهم لم يستجيبوا، فاضطر الإمام عليَّ إلى مقاتلة الخوارج بعد أن تفاقم خطرهم واتهموه بالكفر، ورفضوا الدخول في طاعته، وقد ذكر المؤرخ خليفة بن خياط أن تلك الواقعة كانت في شعبان سنة 38هـ/ 659م.

وظهرت فتنة الخوارج، وقُتل سيدنا الإمام عليّ علي يدهم، وهم ليسوا من معسكر معاوية، وتآمر من بقي من الخوارج على قتل ثلاثة: الإمام علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبى سفيان، وعمرو بن العاص، فاستطاعوا قتل الإمام علي كرم الله وجهه فقتله عبدالرحمن بن ملجم لعنه الله سنة 40 هجريًا.

فيديو قد يعجبك: