صور | علماء يعثرون على أقدم دليل لإشعال الإنسان النار قبل 400 ألف عام
كتب : محمود الهواري
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب- محمود الهواري:
كشفت أبحاث علمية حديثة أن البشر الأوائل تمكنوا من إشعال النار منذ مئات الآلاف من السنين، في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد سابقا، وهو ما يمثل تحولا مهما في فهم تطور السلوك الإنساني وقدرته على السيطرة على العناصر الطبيعية في مراحل مبكرة من التاريخ.
ووفقا لدراسة علمية جديدة نشرت في مجلة Nature، توصل فريق من علماء الآثار إلى أقدم دليل معروف حتى الآن على إشعال الإنسان للنار، يعود تاريخه إلى نحو 400 ألف عام، أي قبل ظهور الإنسان العاقل بزمن طويل، وقبل خروجه من أفريقيا بما يقرب من 300 ألف عام.
الاكتشاف تم في موقع "بارنهام" بشرق إنجلترا، على بعد نحو 140 كيلومترًا شمال شرق لندن، حيث عثر الباحثون على أدلة تشمل طينًا محروقا وأدوات حجرية، من بينها فؤوس يدوية تعرضت للتشقق بفعل درجات حرارة مرتفعة، ما يشير إلى استخدام متعمد ومتكرر للنار في هذا الموقع.
ولا يزال الجدل قائما حول هوية صانعي هذه النيران، إذ لم يُعثر على بقايا عظام بشرية في الموقع، إذ يرجح بعض الباحثين، من بينهم نيكولاس أشتون، أمين مجموعات العصر الحجري القديم في المتحف البريطاني وأحد المشاركين في الدراسة، أن يكون هؤلاء من أوائل إنسان النياندرتال، خاصة مع وجود جمجمة تعود لإنسان نياندرتال مبكر من منطقة سوانسكومب القريبة في وادي نهر التايمز، تعود للفترة الزمنية نفسها.
وأشار أشتون إلى أن هذا الاكتشاف قد يكون مجرد جزء صغير من صورة أوسع، موضحًا أن الموقع يتمتع بظروف استثنائية من حيث طبيعة التربة واستمرارية البحث الأثري، ما ساعد على حفظ هذا الدليل النادر، إذ وصف الاكتشاف بأنه "الأبرز في مسيرته المهنية".
من جانبها، أوضحت ميشيل لانغلي، عالمة الآثار في جامعة غريفيث الأسترالية، التي لم تشارك في الدراسة، أن النار كانت أداة محورية في حياة البشر الأوائل، إذ ساعدتهم على طهي الطعام والحصول على قيمة غذائية أعلى، إضافة إلى الحماية من الحيوانات المفترسة وتوفير الدفء، ما منحهم فرصًا أكبر للبقاء والاستقرار.
ورغم ذلك، تشير الدراسات إلى أن البشر الأوائل لم يكونوا بحاجة دائمًا إلى إشعال النار لاستخدامها، إذ ربما اعتمدوا في البداية على الاستفادة من حرائق الغابات الطبيعية، أو الحفاظ على نيران مشتعلة لفترات طويلة فيما يُعرف بالاستخدام "المعتاد" للنار. وتدل أدلة من مواقع في أفريقيا والشرق الأوسط على أن هذا النمط من الاستخدام يعود إلى أكثر من مليون عام.
لكن إشعال النار من الصفر يُعد أكثر تعقيدًا، إذ يتطلب ضرب الصوان بمعدن البيريت لإنتاج شرر قادر على إشعال الوقود، وكان يُعتقد سابقًا أن هذه المهارة لم تظهر إلا في وقت متأخر نسبيًا. وقبل هذا الاكتشاف، كان أقدم دليل معروف على إشعال النار يعود إلى نحو 50 ألف عام في شمال فرنسا.
وتشير نتائج موقع بارنهام إلى أن إشعال النار كان يحدث قبل ذلك بمئات الآلاف من السنين، حيث عثر الباحثون على قطع نادرة من البيريت، وهو معدن غير شائع في المنطقة، ما يرجح أنه نُقل خصيصًا لاستخدامه في إشعال النار، وليس بالصدفة.
وفي عام 2019، تمكن الفريق من العثور على ما وصفه الباحثون بـ"الدليل الحاسم"، بعد اكتشاف موقد أو بقايا نار مخيم، حيث أظهرت التحاليل أن التربة تعرضت للتسخين المتكرر عند درجات حرارة تجاوزت 700 درجة مئوية، وهو ما يستبعد فرضية الحرائق الطبيعية.
ورغم أهمية الاكتشاف، يؤكد العلماء أن ندرة الأدلة لا تعني أن إشعال النار كان نادرًا، بل تعكس صعوبة حفظ آثار النار في السجل الأثري عبر مئات الآلاف من السنين.
ويرجح الباحثون أن مواقع أخرى في أوروبا قد تحتوي على أدلة مماثلة لم تُفسَّر بعد أو تم تجاهلها سابقًا.
ويعمل فريق البحث حاليًا على توسيع نطاق الدراسات، في محاولة للكشف عن دلائل إضافية، سواء في بارنهام أو في مواقع أخرى، لفهم أعمق لموعد وكيفية تمكن البشر الأوائل من إشعال النار لأول مرة.