إعلان

بدأت بوالدتها.. طالبة على طريق محو أمية قرية بأكملها في سوهاج

06:25 م الخميس 07 أكتوبر 2021

الطالبة رجاء أحمد مع القائم بأعمال جامعة سوهاج وأه

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-إشراق أحمد:

في 4 شهور حققت رجاء أحمد أكثر مما تتمنى؛ لم تكن ترغب طالبة كلية التربية إلا في تنفيذ شرط التخرج "محو أمية 4 أشخاص"، لكن مع بدء العمل اتسعت دائرة الحلم وأصبح لقرية الحمادية مكان لتعليم الأهالي القراءة والكتابة.

مع التحاق رجاء بكلية التربية، تفاجأت ابنة قرية الحمّادية بقرار من الجامعة يلزم كل طالب بالمساهمة في محو أمية عدد من الأشخاص حتى يحصل على شهادة التخرج. احتفظت الطالبة بما علمت حتى حانت اللحظة "وأنا في سنة تانية بدأت الكلية تعمل دورات تدريبية للطلبة عشان يبدأوا يعملوا فصول لكبار السن". انضمت رجاء لأول دورة، وتعلمت على مدار يومين أساليب إقناع الطلاب المختلفين عن محور دراستها في تربية الطفولة من عمر 4 لـ6 أعوام.

تحمست رجاء للعمل سريعًا؛ بعد يومين من الدورة التدريبية، بدأت في البحث عن طلابها لإقناعهم بالتعلم، لم تذهب الطالبة بعيدًا، كانت والدتها قبلتها الأولى. ما كان للأم الأربعينية نصيب من الذهاب إلى المدارس فوافقت دون تردد بعدما أصابت الابنة في اختيار دافع إقناعها "قلت لها إن أخواتي الصغيرين محتاجينها في المذاكرة لأني مش هكون فاضية طول الوقت". تكبر رجاء أربعة شقيقات، أصغرهم في الابتدائية.

1كانت والدة رجاء طالبتها الأولى ومساعدتها في الحديث للجيران للانضمام إليها. بعدما رغبت ابنة الحمّادية في إقناع 4 أشخاص، صار لديها 6 سيدات أكبرهن في السبعين من عمرها وتود تعلم القراءة والكتابة. الآن بإمكان طالبة تربية سوهاج أن تتقدم لفتح فصل محو الأمية في قريتها.

قبل نحو عشرة أعوام، كان هناك فصل لمحو الأمية يستقر في الوحدة الصحية بالقرية، سمعت عنه رجاء وهي صغيرة، ثم سرعان ما تلاشت سيرته. علمت طالبة التربية السبب بينما تفكر في مكان فصلها، وجدت أن وجود الفصل بمنزلها يكسر الحواجز التي يضعها أهالي القرية بشأن التعلم في الكبر "كأنهم رايحين زيارة لجيرانهم مش مدرسة"، وبالفعل مع الحصة الأولى تأكد لها صواب الخطوة.

داخل مضيفة منزل رجاء، وضعت المعلمة السبورة وهيأت المقاعد لطالبتها، لكن لحظة اللقاء الأول لم تكن تقليدية كقواعد المحاضرات والكتب الدراسية عن محو الأمية. تضحك طالبة الفرقة الثالثة بكلية تربية بينما تقول "مش متعودين حد يقف قدامهم ويدرس لهم. أول مرة كانت حصة رفاهية. تعارف كده لحد ما ياخدوا على الجو التعليمي".

2كان ذلك في أكتوبر 2020 حينما بدأت رجاء رحلة التعليم مع والدتها وجيرانها. تركت المعلمة الشابة زمام أمورها لطبيعة طلابها "بقيت أتعامل بنفس تفكيرهم وبوريهم طريقة الكتابة والقراية"، كأنما أمسيات سَمر لكن يدور كل وقتها حول الحروف والكلمات والعمليات الحسابية البسيطة. مضت الأيام حتى استطاعت الطالبات "فك الخط" وكتابة أسمائهم والقراءة.

سعادة انتقلت من وجوه السيدات الكبار إلى الطالبة، لمستها في والدتها "بقت مبسوطة وهي قاعدة بتقرأ في كتب أخواتي". شهر تلو الآخر وتعايش رجاء أجواء مختلفة مثل طالبتها، تبتسم بينما تتذكر يوم الامتحان في شهر يناير، بينما تخبر إحدى الإمهات ابنها أنها تتوجه للاختبار، فإذا الأدوار تتبدل "قالها توكلي على الله واقرأي سورة يس قبل ما تكتبي في الامتحان".

هيأت رجاء الأجواء لطالبتها، لم تعد مهمتها فقط أداء شرط التخرج، بل أن يحب أهل قريتها التعليم وهذا لن يحدث إلا بنجاح الطالبات الست "قدمت عشان تبقى لجنة المراقبة في مكان الفصل اللي هو بيتنا وفعلاً جه المراقب". ثلاثة ساعات كانت مدة الامتحان، الذي ظهرت نتيجته بعد شهر من إجرائه.

كانت رجاء أول مَن علمت بنتيجة طالبات فصلها؛ نجح الجميع. عمت الفرحة في منزل المعلمة الشابة وبيوت الجيران، أخذت توزع الحلوى والمشروبات الباردة، فيما تلاشت كل كلمات الإحباط التي سبق سماعها مع بداية فتح الفصل"مين اللي يتعلم في السن ده. بعد ما شاب ودوه الكتاب".

غيرت النتيجة موقف العديد من أهالي قرية الحمادية نحو محو الأمية، لكن ما حدث الخميس المنصرف دفعهم للإقبال على "أبلة رجاء" مطالبين إياها الانضمام إلى فصلها.

تفاجأ أهالي قرية الحمّادية، الخميس 30 سبتمبر المنصرف، بزيارة الدكتور مصطفى عبد الخالق، القائم بأعمال رئيس جامعة سوهاج، ومعه عدد من هيئة كلية التربية، لمنزل رجاء تكريمًا لها ودعمها لمساهمتها في تعليم ٦ من الأهالي.

3حتى لحظة قدوم رئيس الجامعة ظنت طالبة كلية التربية أنه لن يحدث "دكتور خديجة عبد العزيز مدير مركز تعليم الكبار بالجامعة قالت لي قبلها بيوم إنه هيزورنا". لم تصدق رجاء أن الكلمات التي اعتبرتها مزاح تتحول لحقيقة "في حفل تكريم الطلبة اللي شاركوا في محو الأمية دكتور خالد قالي هجي لكم وناكل جبنة قديمة وفطير مشتلت معاكم وضحكنا وقتها على أساس أنه هزار".

كان حدثًا يتحاكى به أهالي قرية الحمّادية إلى اليوم "الناس فرحت يزيارة وفد الجامعة. أول مرة حاجة زي كده تحصل". اتسع مدى المعرفة بأن هناك فصل لتعليم الكبار في منزل رجاء، أصبح الجيران يتوافدون إلى المعلمة الشابة يخبرونها "عايزين نتعلم ليه ما قولتيلناش نبقى معاكي"، بينما تجاوز أثر فعلها حدود الطالبات الست "رئيس الجامعة اتكلم مع عمدة القرية إن يبقى في برتوكول ويحصل دعم لطلبة تربية عشان تبقى الحمادية أول قرية في سوهاج خالية من الأمية".

إلى اليوم، لا تصدق رجاء ما يجري. تتذكر كيف خاب أملها في المرحلة الثانوية لعدم توافق مجموعها في شعبة علمي علوم مع كليات الطب والصيدلة لتلتحق بكلية التربية، فيما أصبحت تمتن لما ساقه إليها القدر، تشعر أنها على طريق محبب إليها "اتعاملت مع الطلاب الأصغر والأكبر عمرًا. فكرة أن جملة ممكن تغير حد أو تأثر فيه بقت عندي أكبر من أني ابقى دكتورة". بات يلازم رجاء الحلم بأن تمحو أمية أهالي قريتها إلى جانب رغبتها بأن تصير يومًا معيدة في كليتها.

فيديو قد يعجبك: