إعلان

"ما تبقى شيء".. مُمرضة تودع مستشفى الراهبات بعدما دمّره انفجار بيروت

07:41 م الجمعة 07 أغسطس 2020

مستشفى راهبات الوردية

كتبت-دعاء الفولي:

منذ بدأت العمل لم تتخلف كلوتيلد عجميان عن برنامجها اليومي؛ تستيقظ عقب شروق الشمس، تُصلي في الكنيسة الصغيرة داخل مستشفى راهبات الوردية ببيروت، تبدأ عملها كمشرفة على طاقم التمريض، تتودد للمرضى، تتحدث إليهم، ترعى الموظفين، تشعر وكأن المشفى منزلها، حتى أنها تعيش داخله، غير أن انفجار بيروت غيّر كل شيء، ما عاد المبنى صالحا، تهدّمت غُرف المرضى، وودّعت كلوتيد 12 عاما من الذكريات داخله.

كانت صاحبة الـ45 عاما أنهت صلاتها في الطابق التاسع، الثلاثاء الماضي، حينما أخبرها المحيطون بحريق شديد بالمرفأ "نحنا بنبعد عنه 200 متر بالضبط"، بدأت الراهبة والممرضة تفكر مع زملائها في السيناريوهات المحتملة، قبل أن ترتجّ الأرض أسفلهم "انطبق كل شي فوق راسنا فجأة".

ص1

خلال دقائق، غرق المكان في العتمة، لم يستوعب العاملون ما جرى، ركضوا للاطمئنان على المرضى، اُصيبت كلوتيلد بُجرح شديد في قدمها، غير أنها لم تُعالجه إلا عقب ساعات "كان بدي أطمن على الناس، كل شي كان جنوني"، بسرعة تحركت إدارة المستشفى، اتصلوا بالجهات المُتاحة لنقل المرضى إليها "وياللي قدروا يروحوا بيوتهم برفقة أهلهم روحوا"، لحُسن الحظ لم يُصب أحد المرضى بضرر "بعض الأهالي فقط سقطت عليهم شبابيك الغرف بس إصابات بسيطة".

ص2

داخل المستشفى، ظهر الموت جليّا. توافد المئات عليه لتلقي العلاج عقب الحادث "ما كان عنا قدرة لاستقبال أي حدا"، غير أنهم بأقل الإمكانيات ساعدوا بعض المرضى "على ضوّ الشموع"، كان الأطباء يستخدمون كشافات الهواتف أحيانا ليخيطوا الجروح، اختلطت أحاسيس العجز والحزن داخل كلوتيلد، رأت زميلتها الممرضة جاكلين وهي تُسلم الروح إلى خالقها، تتذكر تفاصيل موتها "كانت واقفة عم بتشوف الحريق وبتلتف لحتى تحكي لزميلتها حدث الانفجار"، سقط حائط على جاكلين "غطيناها ونزلناها الدور الأرضى مع المتوفين".

ص3

لم تهدأ حركة كلوتيلد طوال ساعات، قطّبت قدمها أخيرا، وتذكرت أن أهلها سيصيبهم الفزع بسبب الحدث "هم بالجبل وأنا ببيروت والشبكات ضلتها منقطعة"، حاولت مرارا الوصول لهم حتى هاتفتهم، وقتها أخبروها "إنه نحنا شفناكي على التليفزيون بعد الحادث وكنتي بخير فاطمنّا عليكي"، ارتاحت نفس الممرضة قليلا، لكن لم تعرف أين ستبيت ليلتها.

25 عاملا بمستشفى الراهبات اعتادوا السكن فيها "بين راهبات وأطباء مناوبين وغيرهم"، بعضهم لا يعيش ببيروت، لذا قضوا ليلتهم الأولى عقب الحادث بالشارع "جلسنا أمام المستشفى طوال الليل، حتى لو عنا مكان نبات فيه مكناش هنفلّ ونترك المستشفى"، لم يكن آل المستشفى بمفردهم "هايدا اليوم اكتشفت إنه لبنان فيها شباب كتير أصيل"، جاءهم عشرات المتطوعين، يسألونهم إذا احتاجوا لمساعدة "صاروا يترجوا فينا لحتى يدخلوا المستشفى يساعدوا"، مرت الليلة ثقيلة، قبل أن يتم تسكين الراهبات في اليوم التالي بمراكز أخرى.

ص4

ساعات فقط قضتها الراهبة اللبنانية في الراحة، قبل العودة لمبنى المستشفى مرة أخرى "صرت قول معقول هايدا هو المستشفى الجميل ياللي كان متجدد من شهور"، لم تتوقف دموعها طوال الطريق من مسكنها إليه "قلبي بينحرق على كل شبر فيه.. بتذكر كيف كنا بنهتم بكل تفصيلة.. كيف استقبلنا آلاف الإصابات بالمظاهرات.. الآن مو قادرين نساعد حتى نفسنا"، لكن الصدمة التي تمر بها، لم تمنعها نزول اجتماعات مكثفة خلال اليومين الماضيين مع إدارة المستشفى "هدفنا نشوف جهات تقدر تساعدنا نرجع نشتغل ولو بشكل بسيط"، فخيار تسريح الموظفين ليس مطروحا "لبنان بيمر بأزمة اقتصادية.. مجرد فكرة تسريح 150 موظف مسئولين عن عائلات هي حاجة مرعبة".

فيديو قد يعجبك: