إعلان

مهجور (3)- حيوانات الجنينة بدون ونيس (بروفايل)

09:59 م السبت 04 يوليه 2020

أرشيفية- حديقة الحيوان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-شروق غنيم:

صورة- روجيه أنيس:

مع كل دّبة قدم تقترب من مُستقَر حيوانات الحديقة بالجيزة؛ يهرول بعضهم نحو الأسوار، تُحدّق أعينهم في الشخص المّار، يمّد الشمبانزي يديه، تتخطى الأسوار، يفردها في انتظار أن يلعب أحدًا معه، بعدما انقطعت الزيارات مع إغلاق المكان بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.

لم يعتد سُكان الحديقة على هذا السُكون إلا في الليل، حينما تنتهي ساعات العمل في الخامسة مساء وتُغلق الأبواب، تُغلف الأجواء وحشة إلا أنهم يعلمون أنه مع أول خيوط الشمس يسطع في المكان، سيعود الضجيج مرة أخرى، العُمال ومن بعدهم الزوار، ويأنسون في الليل. لكن بعد الجائحة لم يكن هناك تغيير، صار اليوم امتداد طويل لحال الليل الكئيب.

عام 1891 تأسست حديقة حيوان الجيزة، لتُصبح أول وأعرق الحدائق في أفريقيا، تمر السنوات فيزداد عدد الحيوانات في المساحة المقُدّرة بـ 80 فدانًا، أصبحت مزارًا شعبيًا، ذكريات أول فُسحة للأطفال تتشكّل هناك، الاحتفال بالأعياد لا تستقيم بدونها، تُدوّن في جداول الرحلات المدرسية، ومع كل هذا الصخب كانت تزداد الحيوانات سعادة، باللعب والتقاط الطعام من زوار "جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا" كما تُلقّب.

في الحديقة ثمّة حيوانات شهيرة بحُبها للناس، تنتظر وجودهم ويغتّم حالها إذا غابوا مثل أنواع النسانيس والشامبنزي، سِباع البحر والدببة. على مدار استقرارهم في المكان كانوا الأكثر تفاعلًا مع سيل البشر الذي مر على الحديقة؛ حينما يأتي الزوار يتركون مبيتهم ويقتربون من الناس، حاجز من الأسوار لا يمنع عنهم اللعب والضحك والتقاط الهدايا والمأكولات، ومثلما منحوا المترددين بهجة أخذوا أضعافها من الدفء والونس، إلا أن الحال تبدل كثيرًا في العُزلة مشهد ثابت أمام الحيوانات لا يتكرر؛ سكون مميت.

يقف النسناس متأملًا في الفضاء الفارغ إلا من الكلافين وبعض العمال، يتذكر حينما كان الأكثر شهرة في المكان، يأتي له الصغار خصيصًا مُحملين في جيوبهم بالسوداني، البعض الآخر يجلب معه حقيبة سوداء تكمن بداخلها وجبته المُفضلة؛ الموز. ما أن يلتقط أي منهما يُطلق صيحات الفرحة،

فيغمره الزوار بالمزيد. اختفت كل تلك المظاهر، سلبه الوباء إياها، فتغيرت عاداته داخل المبيت وُضِع تلفاز للنسانيس والشمبانزي كوسيلة للتسلية، لكن قلوبهم مُعلقّة بالخارج، فضاء الحديقة الخالي من الناس، لذا حينما يسمعون أي صوت خطوات على مقربة من مكانهم، يخرجون سريعًا، يقتربون من الأسوار يجدون العامل فيعودون أدراجهم بخيبة أمل.

في عالم الحيوانات لا ذِكر لكورونا، لا يوجد إدراك للوباء الذي اجتاح العالم وقلب حياتهم رأسًا على عقب، ولا متابعة يومية للأخبار وعداد الضحايا، لكنهم يُبصرون أثره وإن لم يفهموا ماهيته. في الفراغ الموحش، في حرمانهم من "الونيس".

مع كل يوم جديد يخرج النسناس من مبيته، يطل على أرجاء الحديقة في الصباح، تدور عيناه في بحثًا عن ملمح من الأمل؛ هنا كان يقف الصغار، يمينًا كان يمر قطار مُحملًا بضحكاتهم، يسارًا كانت تُرفع الهواتف المحمولة لالتقاط صورة معه، يضرب الفلاش في عينيه فيشعر بأنه نجم المكان، يتأمل المشهد وكأنما من الماضي السحيق، يعود مرة أخرى للتلفاز حيث البشر من خلف زجاج، منتظرًا أن يسمع خطوة جديدة تدّب علها هذه المرة قادمة من الأحبة.

تابع موضوعات الملف:

مهجور (1).. السينما تكره الظلام لأول مرة (بروفايل)

مهجور (2).. المقاهي وأيام الملل الكبرى (بروفايل)

مهجور (4).. فرح واتفض (بروفايل)

مهجور (5)..لما كان البحر أزرق (بروفايل)

مهجور (6).. مشاعر محجوبة (بروفايل)

فيديو قد يعجبك: