إعلان

مهجور (5)..لما كان البحر أزرق (بروفايل)

11:43 م الخميس 23 يوليه 2020

شواطئ فارغة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

لم يلفظ يومًا أحدًا؛ يستقبل بملوحته كل الوافدين، تحتضن مياه الشواطئ العامة الأجساد، تغمر الكبير والصغير بسعادة، لا تتركها إلا وقد غسلت عنها الملل وإرهاق ساعات العمل، وليالي سهر المذاكرة. على ضفاف الشاطئ يُنسى كل شيئ وتحضر المُتعة.

ثمة حياة موازية على الشاطئ؛ ينقل المصطافون طقوسهم المتعلقة بالبحر كل صيف، تحت آشعة الشمس الحارة يحتمون بمظلات أو ملاءات المنازل، يجهزون عِدة المصيف، إذ لا يستقيم بدون "تُرمس" ممتلء بالمياه الساخنة لإعداد الشاي، أما على الجانب الأيمن فيستقر "كولمن" لتسقيع المياه.

ظلت الشواطئ العامة دفة المصطافين خلال فصل الصيف؛ تنتظر رمالها استقبال الأطفال وألعابهم، واستلقاء الكبار اعتقادًا بأن الرمال قد تخفف من آلام العظام، فيما تُصبح بوابة لكل مُشتاق للبحر حتى وإن متعثر ماديًا، يُطلق عليه بـ"شاطئ الغلابة" لكن مُريديه لا يأبهون كثيرًا بالمسميات، تُعد شكليات في حضرة زُرقة المياه وانتعاشها.

لكن الأبواب المفتوحة أغلقت، أجبرها الوباء العالمي وانتشار فيروس كورونا المستجد على الوحدة، لا مُصطافين هذا العام. لم تعتد الرمال ذلك الحال، لسنوات كانت تنتظر ببهجة الأطفال إذ يرسمون أحلامهم على حُبيباتها، يطلقون لخيالهم العنان فيُشكلونها في أفضل صور، تتحول من ذرات مُجردة لكيان على أيادي المصطافين.

يشتاق البحر لأهله؛ أسر كاملة تشّد الرحال من محافظات بعيدة، يعتزلون روتينهم اليومي ويلتمسون في المياه خيرًا علها تُنسيهم همومهم المتراكمة على مدار العام. لم يشهد البحر موقف كهذا، الشواطئ خالية، المظلات والكراسي مُكدسة، لا أحد هُنا، صوت الأمواج صار أكثر صخبًا ومللًا، لأ، لم يعد أحد يتلقفه بضحكات ولعب.

احتفظ الأسر على الشواطئ العامة بطقوس لا تألفها أماكن أخرى، تختلط روائح الطعام التي أتت بها السيدات مع اليود، يُصبح علامة على "المصيف"، ترتكن الأسر من وقت لآخر لالتقاط أنفاسها من السباحة، تأخذ قسطًا من الراحة ومعها أصناف المأكولات الشهيّة، لأن العُرف في المصيف أن البحر يُزيد المرء جوعًا.

حالة لا مثيل لها على الشواطئ العامة؛ باعة يمرون ببضاعتهم، ضروب من الفواكه الصيفية، عربة "تين شوكي"، أحدهم يُنادي على "المانجو"، ذرة مشوي، وأكواب الآيس كريم. لا سقف للمتعة في المكان حتى وإن لم يكن لها سياق مع البحر.

ألفت الشواطئ العامة مزيج طقوس المصطافين؛ كيف يضفون حالة في المكان بعد موات طوال فصل الشتاء، يظل المكان عامرًا بلحظات الفرح مع لهو الأطفال وصياحهم، والدراما إذا تاه أحدهم بين المئات، على مدار تاريخه احتفظ بمكانته في الصيف، وبهجته التي يمنحها بسخي كهدير المياه، غير أنه هذا العام غرق في حالة من الموات، يشتاق للحظات الماضي بضجيجه وصخبه، وحينما كان لونه بهيًا، يمنح بزرقته البهجة للزائرين قبل أن يبهت.

تابع موضوعات الملف:

مهجور (1).. السينما تكره الظلام لأول مرة (بروفايل)

مهجور (2).. المقاهي وأيام الملل الكبرى (بروفايل)

مهجور (3)- حيوانات الجنينة بدون ونيس (بروفايل)

مهجور (4).. فرح واتفض (بروفايل)

مهجور (6).. مشاعر محجوبة (بروفايل)

فيديو قد يعجبك: