إعلان

منسيون ومنسيات (1).. المطربة نازك خفيفة الروح (بروفايل)

04:37 م الأحد 14 يونيو 2020

المطربة نازك

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي:

إذا لم تكن تعرفها، فلن تُدرك صوتها من المرة الأولى، ولا الثانية، وربما العاشرة، لأن في كل مرة تسمع فيها صوت نازك يخال أنك تسمع صوت آخر، أحيانًا يختلط عليك الأمر وتعتقد أن ذلك الحنان بصوتها يُشبه صوت فايزة أحمد، ومرات يأخذك عمق ورنة صوتها فتتذكر أسمهان، ولكن نازك لم تكن تُشبه سوى نفسها، خفة روحها وحبها للفن مكّنتها لأن يتلوّن صوتها بالعديد من الخامات العريضة، لكن ذلك لم يشفع لها، فطواها النسيان.

لا نعرف كثيرًا عن نازك، وحتى المعلومات المتوفرة عنها ليست كفيلة لأن ترسم صورة كاملة لحياتها، لم يبْق من نازك سوى فيلم شهير شاركت فيه التمثيل مع محمد فوزي، وبعض الأغنيات التي وثّقها مُحبي الفن على قنوات "اليوتيوب" و"الساوند كلاود"، وُلدت نازك في لبنان عام 1928 لأسرة من أصول ليبية، واسمها الحقيقي هو هيبة المدقة الحسيني، اكتشفها الموسيقار حليم الرومي، وهي في سن السابعة عشر، لتُصبح مرددة في كورس بإذاعة الشرق الأدنى.

تعلّمت نازك سريعًا، حتى أصبحت مطربة بالإذاعة، ولحن لها اللبناني محمد محسن أغنية "ولو يا أسمر"، كان صوت نازك قريبًا فيها من الأداء المصري بالغناء، خفيفة بالفعل، ولا تأخذ من روح الجبل الكثير، كما في صوت فيروز مثلًا، بعد ذلك بسنوات، وتحديدًا عام 1953 سافرت نازك إلى القاهرة، العاصمة التي يلمع فيها النجوم، سعت نازك للتعاون مع كبار الملحنين في تلك الفترة أمثال؛ رياض السنباطي ومحمد الموجي وعلي اسماعيل وغيرهم.

كما أنها تعرّفت على محمد حسن الشجاعي، رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة المصرية، الذي أعجب كثيرًا بصوتها ومكّنها من التعاون مع كبار الملحنين، ولكن لحُب البشر في عقد المقارنات دومًا، فقد قورنت نازك بصوت أسمهان، حتى أن الناقد كمال النجمي أطلق عليها لقب توأمة أسمهان، أو شبيهة أسمهان.

ولا نعلم حقًا أكانت نازك شديدة الخجل؟ وهل منعها خجلها من استكمال مسيرتها؟، فالعديد من التحليلات الفنية تُرجع عدم مشاركتها بالأفلام بسبب خجلها، ولم تتعاون سوى مع محمد فوزي في فيلم "كل دقة في قلبي"، وهو اسم أحد أشهر أغنياتها، كان داخل الفيلم أيضًا، وركنت نازك إلى الإذاعة المصرية التي اشتهرت عبر أثيرها بأغاني مثل "السهران" و"ليته يعرف الملل"، و"أنا والنجوم" و"أنا والربيع".

كما شاركت عدد من المطربين الغناء؛ مثل كارم محمود في أوبريت "الزمان والحب"، ومتحف الفن مع محمد قنديل، ومع محمد فوزي أغنية "أحن قلب"، ومن الملفت أن فريد الأطرش حين سمع صوتها تُغني "ليالي الأنس بفيينا"، تحمّس لها، ولحن لها أغنية "متقولش كنا وكان"، وهي الأغنية الوحيدة التي لحنها فريد الأطرش لنازك.

ولأن نازك التصق بها لقب "خليفة اسمهان"، فقد عرفها الناس تغني بصوتها المقارب في إحدى درجاته لأسمهان، أشهر أغنياتها "ليالي الأنس في فيينا"، وحفظ لنا أرشيف إذاعة بي بي سي عربي تسجيل لصوتها داخل مقابلة تغني فيه جزء من تلك الأغنية، وأخرى على مسرح الإذاعة العائم الذي سجّلت أولى حفلاته بحضور نازك على الباخرة سودان، عام 1954.

لم تستمر إقامة نازك بالقاهرة كثيرًا، حيث عادت ثانية إلى لبنان، تحديدًا بعد انتهائها من فيلمها الوحيد عام 1959، وتقول التحليلات الفنية إن نازك سافرت دون أن ترى شهرتها تتسع بعد نجاح الفيلم، وتكرار بث أغانيها بالفيلم عبر الإذاعة المصرية، لذا حين عادت للبنان أحبطت بسبب عدم تعاون الملحنين معها، ولم تعد تبث الإذاعة هناك أغانيها التي شهرتها قبل سفرها للقاهرة، وبعد فترة عادت نازك مجددًا إلى هوليوود الشرق، وتعاونت ثانية مع عدد من الملحنين أيضًا، لتسجل واحدة من أشهر أغانيها "يا حلو تحت التوتة".

لكنّ الإحباط كان قد نال من نفس نازك، اعتقدت أنها فشلت رغم تعاونها مع كبار الملحنين، وسافرت إلى ليبيا موطن أسرتها الأصلي في منتصف الستينيات، وهناك أدت أغاني ليبية مثل "عزتنا في الإسلام" و"التقينا"، التي تقول فيها "والتقينا لم يعد للحزن معنى.. فانثنينا وانتشينا وطربنا".

لكن تلك الكلمات لم تعرف طريقًا لقلب نازك، الذي أثقله الإحباط والحُزن، لم تنصفها لبنان كما فعلت القاهرة، مرضت نازك بالاكتئاب، وعانت منه داخل إحدى مستشفيات لبنان، وبعدها اعتزلت الغناء، ووهبت صوتها لغناء التواشيح الدينية حتى وفاتها عام 1999.

ربما لم تتمكن نازك من الوقوف بقوة أمام معارك الحياة، ربما احتاجت للدعم فلم تجده، وربما أيضًا اختارت اعتزال الغناء برغبتها، ربما ماتت في راحة، لا نعرف شيئًا من هذا، لكن ما هو مؤكد هو أن صوت نازك لا يزال مسموعًا إلى الآن، تسير خفة روحها عبر أثير "الساوند كلاود" و"اليوتيوب"، رغم كونها منسية.

فيديو قد يعجبك: