إعلان

حراس نظافة المدارس.. "الدادات" تستعد لمواجهة "كورونا"

07:23 م الإثنين 12 أكتوبر 2020

إحدى العاملات في المدارس

كتبت- هبة خميس وإشراق أحمد:

عقب الإعلان عن استئناف الدراسة، الشهر الماضي، انتظرت نبيهة تعليمات الوزارة بشأن ما عليها أن تفعله كعاملة في مدرسة حكومية لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، لكنها وجدت الحديث موجها للمدرسين دون عاملي النظافة.

علمت السيدة أنه لا مفر من الاعتماد على الذات، وتحمل المسؤولية دون انتظار توجيه، وبينما تستعد لاستقبال عودة المدارس، السبت المقبل تقول نبيهة: "إحنا أول ناس في وش النار، بنتعامل مع فضلات الطلاب وبنكون قريبين منهم وضروي نفهم إزاي نحافظ على نفسنا من العدوى، إحنا أمهات وخايفين نعدي ولادنا".

لمدة فاقت العشرون عامًا، تعمل "دادة نبيهة" في دائرة يومية؛ صباحاً تستقل المواصلات كل يوم في السابعة كي تلحق بميعاد المدرسة، تظل بين تنظيف دورات المياه والفصول ومساعدة الأطفال الصغار على قضاء حاجتهم وذوي الاحتياجات الخاصة بالمدرسة الواقعة في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية، فقط السنوات الأخيرة أُضيف لروتينها رفيق، صارت تنزل من بيتها تتأبط ذراع حفيدها الذي يدرس بنفس المدرسة، تطمئن عليه خلال اليوم وتأتنس بوجوده.

"دادة نبيهة" مسؤولة عن سبعة فصول ودورات المياه والدورات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة، تتحرك بين الفصول دون كلل بالرغم من إصابتها منذ سنوات بضعف في عضلة القلب، قبل أيام بدأت مع زملائها الاستعداد للعام الدراسي الجديد بإعادة ترتيب المقاعد في الفصول لتناسب التقسيم الجديد الذي حددته وزارة التربية والتعليم، فيما لم تتزود بعد بالمطهرات والقفازات اللازمة للنظافة كما تقول.

لظروفها الصحية، تشعر ابنة مدينة الإسكندرية بشيء من الخوف مع اقتراب عودة الدراسة، تفرض على نفسها الإجراءات الاحترازية "محافظة على عدم الاختلاط وحضور المناسبات وبأمن نفسي بالكمامة والمطهرات وبشتريها بنفسي لأن محدش هيكون حريص علينا".

لا تؤمن "دادة نبيهة" باقتصار دورها على النظافة، بل تمتد مهمتها للعناية بالطلاب فهي أم وجدة: "باعتبرهم زي ولادي ما اقدرش استنى أن حد منهم يحصله حاجة ولو طفل وقع أو اتعور أنا أول واحدة أجري أشوفه ماله وأطهرله الجرح وأطمن عليه".

تتذكر السيدة الخمسينية، قبل سنوات، حين حدثت واقعة تسمم للأطفال خلال حفلة بالمدرسة، فلم تدرِ السيدة الخمسينية بنفسها إلا وهي تنقل التلاميذ الذين مرضوا وتصحبهم في سيارة الإسعاف إلى مركز السموم.

عايشت عاملة المدرسة الحكومية قبل ذلك أجواء استثنائية للدراسة وتأجيلها، تتذكر وقت انتشار مرض انفلونزا الخنازير عام 2009، حينها اتخذت إدارة مدرستها إجراءات تطهير مثل التي تشهدها اليوم، من دورية النظافة والتعقيم، ورغم ذلك امتنع أولياء الأمور عن إرسال أطفالهم للمدرسة خوفًا من العدوى كما تقول نبيهة.

تشبه تلك الأيام ما حدث هذا العام مع توقف الدراسة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، تقول "الدادة نبيهة" إنه قبل غلق المدارس، امتنع عدد من الأهالي عن إرسال أولادهم للمدرسة، مما أثار القلق في نفس عاملة النظافة "الفصول فيها أكتر من 65 طالب مكنتش عارفة إزاي نتعامل وخوفت وقتها عليهم وعليا من العدوى" إلى أن جاء قرار الغلق فهدأت نفس السيدة قليلاً.

واستعانت وزارة التربية والتعليم الفني بالخطط التي أصدرتها خلال العام الدراسي 2009 و2014، لمواجهة انفلونزا الخنازير والطيور من أجل التصدي لوباء كورونا المستجد في العام الدراسي الحالي، فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية من النظافة وتهوية الفصول، وتقليل أعداد الطلاب بحيث يضم كل فصل 20 طالبًا كحد أقصى.

صورة1

طيلة الشهور الماضية، امتنعت "الدادة نبيهة" لظروفها الصحية عن الذهاب إلى المدرسة، إلا أيام امتحانات الثانوية العامة، مما أفقدها مصدر رزق لها، إذ كانت تنظف وتجمد الخضروات وتبيعها للمدرسين، كوسيلة تساندها في تجهيزات زواج ابنتها الصغيرة، تغيرت الحياة العملية للسيدة الخمسينية حال 61.9% من إجمالي الأفراد المشتغلة حسب دراسة أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يونيو المنصرفـ.

على العكس لم تتوقف "أم أحمد" عن العمل رغم غلق المدارس إلا لنحو شهرين، ثم عادت قبل الاستعداد لإمتحانات الثانوية العامة، من أجل المشاركة في نظافة اللجان ومدرستها التجريبي الواقعة بمنطقة الهرم في الجيزة.

ما اختلف حال "أم أحمد" مع إجراءات النظافة كما تقول " على طول شغالين لأن دايمًا المدرسة بيجي لها متابعين فعلى طول بننضف". تعمل السيدة صاحبة السابعة والأربعين عامًا ضمن 5 عاملات أخريات، تتولى كل منها نظافة طابق في المدرسة ذات الخمسة طوابق، في الأيام السابقة كانت تنظف المكان لمرة واحدة أسبوعيًا، فيما تعكف منذ أسبوع على تطهيره يوميًا كما تقول استعدادًا لاستقبال الطلبة، على أن يزيد الأمر لمرتين في اليوم الواحد مع بدء الدراسة، وكذلك ظلت تفعل طيلة عشرة أعوام منذ التحقت بالعمل في المدرسة.

لم تطالب إدارة المدرسة "الدادة أم أحمد" بشيء إضافي عن عملها التقليدي "محدش قالنا هيبقى في حاجة مختلفة.. نفس الحاجات بننضف بالكلور وماية النار في الحمامات ونمسح كل حاجة الأرضيات والترابزين ونلم الزبالة في السلة". لا جديد على عاملة النظافة في المدرسة التجريبي سوى تقليص أعداد الطلاب، وهو ما تراه مهونًا عليها في العمل "الفصول هتبقى رايقة بدل ما كان الفصل فيه 60 ولا 70 عيل"، مما يعني أن المخلفات ستكون أقل وإمكانية النظافة أفضل بالنسبة لها.

لا يحمل الحديث عن "كورونا" مساحة كبيرة من تفكير "أم أحمد": "راميين حمولنا على الله وبنقول اللي في نصيب الواحد هيجيله"، تتخلى أحيانًا عن ارتداء الكمامة كما تقول، لكن لا تستهين مع ابنتها طالبة الصف الأول الإعدادي، تواصل إرشادها مع اقتراب الذهاب إلى المدرسة "على طول بقول لها اغسلي إيدك والبسي الكمامة ومتتعامليش مع حد إلا من بعيد"، تخاف السيدة على أولادها أكثر مما تفعل مع نفسها.

1700 جنيهًا ما تتقضاه "أم أحمد" نظير عملها، زاد المرتب بعدما كان 750 جنيهًا، تتحصل على المبلغ لشهر وتفقده آخر "عشان أحنا صناديق خاصة"، لهذا تستبعد الغياب عن عملها لأي سبب كان "حتى لو الواحد تعبان لازم يتسند ويروح الشغل"، فيما فكرت "نبيهة" في الإجازة المرضية كحل مؤقت حتى يحين موعد الجراحة المؤجل لظروف كورونا، لكن تشبث حفيدها بها منعها من ذلك، فالطفل اعتاد وجودها معه في المدرسة مستمداً أمانه منها، ومن سؤالها عليه طوال اليوم، فباتت العطلة حلم لا تستطيع تحقيقه عاملة المدرسة الحكومية، لكنها في الوقت ذاته لن تنتظر أن تزودها المدرسة بالمطهرات والقفازات اللازمة فقررت الاعتماد على نفسها كلياً في ذلك حفاظاً على صحتها وصحة الطلاب.

تابع باقي موضوعات الملف:

موسم دراسي مضطرب.. التلامذة في مفترق كورونا (ملف خاص)

أحمال زائدة.. كيف يواجه أولياء أمور تقليص الأيام الدراسية في "كورونا"؟

إجازة إجبارية.. أُسر تؤجل عودة أبنائها للمدارس خوفًا من "كورونا"

ليلة المدارس في "الفجالة".. كورونا يُعكر صفو البيع وفرحة التلاميذ

كورونا+ أول سنة تابلت.. كيف يستقبل طلاب الثانوية العامة العام الدراسي الجديد؟

"خلصنا من الإرهاب دخلنا في كورونا".. طلاب شمال سيناء يستقبلون العام الجديد

"خبطتين في الراس توجع".. حال راسبي الثانوية العامة في "زمن كورونا"

"افتح الراوتر واقفله تاني".. أزمات الدراسة في زمن الأونلاين

طوارئ كورونا.. كيف تستقبل ممرضات المدارس العام الجديد؟

عودة الجامعات|باقٍ من الزمن 3 أيام.. وافد سوري لم تظهر نتيجته للتنسيق بعد

فيديو قد يعجبك: