إعلان

بالأرقام.. لماذا ارتفع العنف الأسري ضد الأطفال خلال الـ3 سنوات الأخيرة؟

07:16 م الجمعة 04 أكتوبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - رمضان حسن:
على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، تزايدت حالات العنف الأسري، وتنوعت أشكال الاعتداء من الآباء أو الأقارب على أطفالهم، بين التعذيب الجسدي والاغتصاب والقتل، في وقائع بدت غريبة على المجتمع المصري، وأثارت ضجّة كبيرة لدى الرأي العام، وكان ضحاياها والمتورطون فيها ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة.

كان آخر هذه الوقائع وفاة الطفلة "جنة"، التي لم يتجاوز عمرها 5 سنوات، وكانت تعيش مع خالها وجدتها بعد انفصال والديها، وراحت ضحية التعذيب على يد جدتها، بحجة تبولها لا إرادياً.

يرصد "مصراوي" بالأرقام، كيف ارتفعت جرائم العنف الأسري ضد الأطفال خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت أكثر شراسة وعنفًا، ولماذا تحول حصن الأمان الأول للأبناء إلى التهديد الأكبر لحياتهم؟ وما النتائج التي حققتها الجهود والمبادرات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة؟

قبل عام، شهدت محافظتا الدقهلية والمنيا، واقعتين متشابهتين لقتل 4 أطفال لم تبلغ أعمارهم الـ5 سنوات على يد آبائهم، الأولى كانت على يد أبّ ألقى بطفليه في ترعة أثناء اصطحابهما للاحتفال بعيد الأضحى بأحد الملاهي، مبررًا فعلته بأنه كان يمر بضائقة مالية "قتلتهما ليدخلا الجنة"- وفقًا لاعترافاته أمام النيابة-.

فيما كانت الواقعة الثانية على يد أم عشرينية ألقت طفليها في ترعة بإحدى قرى محافظة المنيا، ولكن شاهدها أهالي القرية واستطاعوا أن ينقذوا أحدهما، وأرجعت الأم السبب إلي وقوع مشاجرة مع زوجها.

العنف ضد الأطفال
استقبل خط نجدة الطفل منذ يناير الماضي حتى اليوم 4240 بلاغًا واستغاثة من ممارسة العنف الأسري بأشكاله ضد الأطفال، كان نصيب الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم 10 سنوات من هذا العنف 2793 بلاغًا، بنسبة 65% من بلاغات العنف ضد الأطفال، بحسب صبري عثمان، مدير عام خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، وتمثلت أغلبها في حالات تعذيب بحجة التربية والتقويم، مؤكدًا أن الفترة الأخيرة سجلت نسبة كبيرة من ممارسة العنف الأسري ضد الأطفال.

العنف ضد الأطفال
ويؤكد مدير خط نجدة الطفل، أن ظهور محافظة الدقهلية بين المحافظات التي يتعرض أطفالها للعنف، أصبح ملحوظاً، لا سيما بعدما سجلت المحافظة 5 وقائع قتل وتعذيب للأطفال على يد آبائهم في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب غياب الوعي لدى الأهل في التعامل مع الأبناء وكيفية تربيتهم.

في الفترة من يناير 2018 إلى يوليو 2019، تلقى خط نجدة الطفل 363 ألف استغاثة بحسب الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، منها 26 ألف و932 من حالات الأطفال المعرضين للخطر والناجين من العنف الذين قدمت لهم خدمات إحالة للجهات المختصة وكذلك دعم نفسي.

وتصدر العنف الجسدي المرتبة الأولى بين إجمالي عدد بلاغات الخط الساخن لنجدة الطفل، فيما جاء العنف الجنسي، الذي يتضمن وقائع التحرش والاغتصاب واستخدام الأطفال في الأمور الإباحية، المرتبة الثانية.

أحد أسباب زيادة حالات العنف الأسري ضد الأطفال، هي ارتفاع نسبة الطلاق التي شهدت تزايدًا مستمرًا، حيث سجلت زيارة قدرها 6.7 % عام 2018 مقارنة بعام 2017، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ويُرجع الدكتور محمد هاني استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، هذا الارتفاع إلى عدة أسباب منها: عدم جاهزية الطرفين للإنجاب، وعدم خضوعهما لدورات تدريبية نفسية.

ويوضح "هاني" أن قرار الزواج يختلف كثيرًا عن قرار الإنجاب: "مش شرط إن اتنين متجوزين يكون عندهم مسؤولية تؤهلهم للإنجاب، وبالتالي يظلموا الطفل".

يضيف استشاري العلاقات الأسرية أن بعض حالات الطلاق تكون أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وقوع عنف مباشر على الأطفال، فمن خلالها يتوهم البعض أن بإمكانه الضغط على الطرف الآخر بإيذاء الصغار، أولادًا كانوا أو بنات "وبنشوف الرجالة اللي بتخطف الأطفال لمجرد إنهم يضايقوا الزوجات السابقات، أو الزوجات اللي بيؤذوا الأطفال نكاية في الأزواج، وده كله خلل".

ويؤكد "هاني" أن الطفل الذي يُمارس عليه العنف من قبل أهله، يكون أكثر عُرضة للميول الإجرامية والعدوانية، وقد يخلق لديه دافعًا للانتقام منهم في أي وقت، مشيرًا إلى أهمية أن يتلقى هؤلاء الأطفال الرعاية النفسية الصحيحة لتجاوز آثار هذا العنف سواء كان جسدياً أو جنسياً أو حتى معنوياً، من خلال تعرضهم للسب والتعنيف اللفظي سواء من الأب أو الأم "وكل ده هيخلق جيل مشوه".

سبب آخر تراه الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، فكثرة تعرض الأطفال في السنوات الأخيرة للعنف، يعود إلى انحفاض المستوى المعيشي، وتعرض الزوجين لأزمات اقتصادية، يترتب عليها قلة الدخل، سواء قبل الزواج، أو بعده "بيطلعوا زهقهم في الأولاد، بحجة إنهم بيربوهم"، فالأب يشعر أن الأطفال هم جزء من أزمته، وأنه بدونهم قد لا يلقى ذلك الضغط النفسي، وبالتالي يمارس عنفًا عليهم "يبقى الإيذاء مختلف، زي إنه يخرجهم من التعليم عشان يشتغلوا ويصرفوا معاه على البيت".

ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 4.7٪‏، مقارنة بآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2015، فزادت النسبة إلى 32.5٪‏، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017- 2018، بعد أن كانت 27.8 % عام 2015.

وفي دراسة أجراها برنامج حماية الطفل بمنظمة "يونيسيف مصر" عام 2016، أكدت أن 50% من الأطفال في مصر يتعرضون للعنف الجسدي، ويُعد العنف النفسي أكثر الأشكال شيوعًا التي يتعرض لها الأطفال بنسبة 70% في المنزل، أما بالنسبة للعنف الجنسي للأطفال نتيجة للختان أو غيرها من العادات والممارسات المختلفة كالتحرش والاغتصاب فبلغت النسبة 55% من الأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي، إلا أن هذه النسبة ارتفعت إلى 93% من الأطفال الذين تعرضوا للعنف، بحسب تصريح سابق لمدير خط نجدة الطفل، صبري عثمان، لأحد البرامج التليفزيونية، أغسطس العام الماضي.

العنف ضد الأبناء

في أبريل الماضي، أطلق الأزهر الشريف، مبادرة "أولو الأرحام" التي استهدفت التوعية بخطورة العنف الأسري، ومعالجة أهم أسبابه، وكيفية نشر قيم الود والمحبة بين أفراد الأسرة، مؤكدًا على أن ترابط الأسرة هو "صمام الأمان" للمجتمع وأداة تطوره، بثت هذه الحملة 7 رسائل إعلامية على البوابة الإلكترونية للأزهر الشريف، كان آخرها في مايو الماضي.

وبعد مرور 5 أيام من واقعة الطفلة "جنة" أطلق الأزهر الشريف حملة توعوية أخرى باسم "إنها رحمة" في إطار نبذ مظاهر العنف والقسوة في التعامل مع الأطفال، والعطف عليهم ورعايتهم.

وتحت اسم "أولادنا" وبشعار "بالهداوة نكبرهم وبالقساوة نكسرهم" أطلقت منظمة "يونيسيف مصر" في ديسمبر2016، المرحلة الأولي من حملة قومية للحد من العنف ضد الأطفال، تحت رعاية المجلس القومي للطفولة والأمومة، بهدف نشر مفهوم التربية الإيجابية في مصر، وفي أكتوبر2018 أطلقت المنظمة العالمية المرحلة الثانية من "أولادنا" تحت عنوان "ضد التنمر"، وكان إطلاق المرحلة الثالثة من حملة "أولادنا" يوم 29 سبتمبر الماضي.

"عامل مساعد مش أكتر"، هكذا يري الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، الدورالذي تقوم به الحملات الإعلانية التوعوية، موضحاً أنها غير كافية لوقف العنف ضد الأطفال، ومن الضروري أن يعمل المجلس القومي للطفولة والأمومة، والمؤسسات المعنية بحماية الطفل، على أرض الواقع بالتوازي مع إطلاق الحملات.

"مفيش أكتر من الحملات التوعوية اللى بتتعمل في مصر"، يقول "العالم" إن المشكلة الأكبر، هي وجود فجوات زمنية بين الحملات وبعضها البعض، غير أن أغلب هذه الحملات تُطلق بعد حادث أو انتشار ظاهرة بعينها في المجتمع، وهذا يلغي الدور الوقائي المفترض أن يسبق حدوث مثل هذه الظواهر "ياما اتعمل حملات توعية للمرأة والأطفال، ولكن بتتعمل بعد ظهور المشكلة مش العكس".

مشكلة أخرى يراها الأستاذ بكلية الإعلام تتعلق بالتخطيط لعمل الحملات التوعوية للأطفال في مصر "لازم يكون لكل فئة عمرية، رسالة توعوية مختلفة عن السن الآخر، مش تعمل حملة واحدة لكل الأعمار"، مؤكداً أن مراعاة هذا العامل يكون له أثره الإيجابي والفعال في تحقيق الحملات لأهدافها.

الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تقول إن انهيار القيم وغياب الدور التربوي، الذي كانت تقوم به الأسر والمجتمع، هما من المشكلات التي تؤدي إلى العنف والاغتصاب والقتل "يعني زمان كان الأب بيقعد مع الأسرة أطول فترة ممكنة فبيبقى فيه توجيه ونصح، لكن دلوقتي ده مبقاش موجود"، ترى كذلك أن أساليب التربية تختلف من بيئة إلى أخرى، بحسب درجة الوعي، وبالتالي فإن وجود حملات توعوية وتربوية تخاطب الأسر أمر ضروري "لأنه لحد دلوقتي في أسر بتعاقب بالملعقة السخنة، واللسع والحرق، وبيعتبروا ده أساس التربية".

تشير "خضر" إلى أهمية دراسة والاطلاع على تجارب الدول الأوروبية التي تتعامل بحزم شديد مع قضايا العنف الأسري، خاصة العنف ضد الأطفال، وتعد أستراليا أبرز هذه الدول، والتي وضعت قانونًا يمنع المدانين في قضايا عنف أسري من دخول أراضيها، وكذلك طردهم إذا تورطوا في هذا النوع من القضايا.

فيديو قد يعجبك: