إعلان

بطولة فرح.. وراء كل ابنة مصابة بالتوحد أم "تعافر" لإسعادها

08:21 م الأحد 06 مايو 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:

لم يكن القرار سهلاً على مها ندا؛ أن تصبح أمًا وطبيبة في الوقت ذاته، فحينما أتمّت ابنتها فرح عامين، اكتشفت إصابتها بسمات التوحد، غير أنها قررت ألا تستسلم. تعرف الأم خبايا المرض، تفهم جيدا أن ابنتها لديها نقاط قوّة، ركّزت طبيبة المخ والأعصاب على ذلك، ساعدها مجال عملها "أنا تخصص أطفال، حالة فرح بتعدي عليا كتير في مستشفى الدمرداش".

في البداية رفض زوج مها أن تتولى علاج ابنتهما "كان خايف أني أغلّب العاطفة على الطب"، غير أن مها أصرّت "كنت بقول له أنا أدرى بحالة بنتي وهعرف أفصل كويس". ومنذ ذلك الحين ما تركت مها سبيل لإسعاد ابنتها إلا وسارت فيه.

على مسرح قاعة المؤتمرات، في الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة "أولادنا"، الذي انقضت دورته الثانية قبل أيام، صعدت فرح لأول مرة بمفردها لتُغني، كانت الأم مهيأة لأي شيء، تسمرت عيناها على فرح بينما تتشنج يداها خجلة من الموقف، وصوتها يأبى الخروج. تناست مها الحضور وأخذت تردد "يلا يا فرح.. يلا يا فرح" وتعيد كلمات الأغنية عليها "دي سماتها وقدراتها ومش هتكسف منها ولازم أتقبلها". وبعد لحظات آتاها مردود يقينها، إذ اندفع الجمهور مشجعًا الفتاة ذات الـ14 عاما، تأثرت الأم "حسيت أن الناس دي طيبة وكنت عايزة ألف وأقول لهم شكرًا".

الحب زاد مها "دخلت في مرحلة إنكار في الأول، مكنتش مستوعبة إن فرح عندها مشكلة"، لكن مع الوقت اختفى الذهول، حل مكانه الرضا بالقضاء، ثم التفكير في حلول "ساعتها الحب والدعم بيكون كل حاجة، الطفل مهما كان عنده لما أهله بيحبوه بيتحسن".

تجاوزت الطبيبة صدمة معرفة إصابة ابنتها سريعًا، عملها مع العديد من حالات التوحد أعطاها حصانة، فأدارت دفتها تجاه والد فرح "كنت شاغلة نفسي أني قنعه أن بنتنا كويسة وجميلة وعندها قدرات لأني عارفة قد ايه تقيل إحساس إن ابنك فيه مشكلة". فكانت مها أول مَن أدرك قدرة فرح على القراءة وليس كما يعاملونها في المدرسة بأنها لاتزال طفلة تحبو.

ظلّت الأم تبحث عما يُسعد ابنتها، عمّا يجعلها أفضل "بغض النظر هي شاطرة فيه أو لأ". كانت تعرف أنها تحب الموسيقى؛ بدأت طبيبة المخ والأعصاب تُنظم ألحانا لكل شيء يخص فرح؛ المناهج لها إيقاع، فككت مها مناهج الابنة "بقيت أعمل لها المواد سؤال وجواب ونلحنها ونغنيها"، فوجئت أن فرح لا تنسى أبدا بتلك الطريقة "ذاكرتها مش زحمة، محتاجة بس المعلومات تدخل لها بطريقة واضحة من غير حشو كتير"، مع الوقت صارت الفتاة ذات الأربعة عشر عاما أكثر حفظا للمعلومات من شقيقها التوأم الذي لا يعاني من أي مشاكل.

1

جنبا إلى جنب تسير مها مع ابنتها. يوم الأم مُقسم بين العمل، فرح، والأشقاء والمنزل "طول الوقت بحاول أخلي بالي إني مجيش على حق اخواتها وفي نفس الوقت بخليهم يساعدوها"، أما يوم الصغيرة، فيبدأ بالذهاب للمدرسة، ثم تمرين السباحة؛ ذلك التدريب الشاق الذي سعت له مها بكل ما أوتيت من قوة.

"فرح بتعشق الماية من وهي صغيرة"، لاحظت الأم ذلك حينما رأت نظرتها لأخيها التوأم، وقتها قررت أن تجعلها تتعلم السباحة بأي ثمن "بقيت أتفق مع مدرب في النادي ينزّلها المايه باسمه عشان يسمحولها"، كان المدربون يخشون تدريبها "عشان عندها رعشة بسيطة"، غير أن مها لم تهتم بآرائهم.

2

مجهود الأم وابنتها أتى بثماره بعد عدة أشهر؛ شاركت الفتاة في بطولة الجمهورية لسباحة ذوي الإعاقات الذهنية "بعد أول 50 متر وقفت ومش عايزة تكمل". أخذت الوالدة تشجعها، ثم صمتت ثانيتين "خوفت لتكون تعبانة خاصة إن دي أول مرة لها في سبق 100 متر وقلنا تشارك عشان تتعلم يعني إيه بطولة". صعدت الفتاة للسباق النهائي وكان بإمكانها بلوغ المركز الأول غير أنها توقفت لنحو 40 ثانية، لكن مها شعرت أن ابنتها تستطيع استكمال السباق، فهبت تُحمسها، حتى عادت فرح للبطولة وحصدت الميدالية البرونزية.

توقن والدة فرح، أن ابنتها حال جميع أصحاب القدرات الخاصة "إمكانياتهم مختلفة عننا"، تفاجئها فرح كثيرًا، فيما تتمسك الأم في تلك اللحظات بدعاء "يا وهاب أنت بتدي من غير حساب"، فلا تُرد خائبة أبدًا.

في علاقة مها بابنتها، لا مكان للخوف "لو خوفت أجرّب بنتي مش هتتحسن"، كانت الأم تتلقى تفاصيل حالة فرح بمزيد من الإصرار، خضعت الطفلة خلال العام الماضي لعدة عمليات جراحية لتثبيت فقرات الظهر، لكن دعم الأم، وحُبها المطلق ظلا يفيضان على الفتاة، تارة بتخصيص وقت كبير لها، أو تشجعيها لخوض ما تريد.

3

مركز رتيبة الحفني لتدريب الأطفال ذوي الإعاقة كان أحد أمارات ذلك الدعم. منذ عامين تغني فرح ضمن الكورال هناك "قالولي إنها بتغني من طبقات كويسة"، لم تكد الأم تسمع ذلك، حتى أحضرت لها مُدرسة موسيقى في المنزل. ليست والدة فرح كغيرها، تنشغل بما سترى عليه أبنائها "نفسي ولادي يطلعوا الحاجة اللي بيحبوها وأنا هبقى معاهم". فإن كانت الموسيقى شغف ابنتها تتمنى أن تلتحق بدراستها.

حينما تكون مها مع فرح، تنسى أنها طبيبة. تدين السيدة الثلاثينية لابنتها بالكثير "فرح خلّتني أحنّ على الأطفال اللي بعالجهم"، أصبحت تتذوق الدواء الذي تعطيه للصغار في عيادتها "بقيت أقول للأهالي خلوا بالكم الدوا دi طعمه وحش أو بيلسع"، فيما تصطحب معها يوميا الألعاب للعيادة كي توزعها.

نذرت الأم نصف حياتها للابنة الكبيرة. أحيانًا يصيبها الإرهاق، فتستحضر هدفها "ربنا بعت لي فرح لأني عارفة اتعامل معاها"، فتستعيد رضاها وسعادتها "لما الأم تتقبل ولادها بمميزاتهم وعيوبهم هترتاح".

فيديو قد يعجبك: