إعلان

بالصور- طعام ومدح وزغاريد.. كيف احتفل أهالي أسوان بالمولد النبوي؟ (معايشة)

07:34 م الأربعاء 21 نوفمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد مهدي:

تصوير: حسام دياب:

الواحدة بعد مُنتصف الليل، لم تَنم بَعد قرية سلوا بأسوان، الأنوار تُضيء المكان، أعلام الطريقة الصوفية النقشبندية في الأنحاء، احتفالاً بالمولد النبوي الشريف، صوت المداح وفرقته يتبعهم همهمات الحضور وتعليقاتهم تُضفي صفاءً وراحة وبهجة، وجوه هائمة، آخرى تنفعل مع كُل كلمة في حقَ رسول الله، فيما لم تتوقف حركة الوافدين على الاحتفال، إذ يعتبر من أبرز الاحتفالات التي تنتشر داخل كافة مراكز وقرى أسوان في شهر مولد النبي محمد "دي ليلة بنستناها من السنة للسنة الجميع بيشارك فيها محبة للرسول" يقولها عم عيد السلواوي، المسؤول عن إقامة الاحتفال.

محبة النبي هي أساس كُل شيء، الفلك الذي يدور حوله الجميع، يبدو ذلك واضحًا منذ الاستعداد للاحتفالات قبل موعدها بـ 3 أشهر "بنتجمع من أول شهر مُحرم، نتفق على كُل التفاصيل، تجميع الفلوس، واحتياجات الليلة" هناك أشياء ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها على رأسها طعام الضيوف، المكون من لحم وخضار وعدس وأرز بجانب المشروبات والحلوى "بنشتري الدبيحة قبلها بكام شهر ونعلفها وندبحها قبل الليلة".

3

جميع الأهالي بلا استثناء يشاركون في احتياجات الاحتفال "اللي معاه يدفع بزيادة، والناس البسيطة تشارك لو حتى ب5 جنيه، عشان الكُل يفرح بوجوده معانا" ثم تأتي الخطوة التالية وهو تهيئة المضيفة "بيت كبير معمول لوجه الله والاحتفالات" مكون من ساحة كبيرة، و3 غرف منهم غُرفة مكشوفة على الساحة، وحمامين، تُستخدم في إعداد الطعام واستقبال ضيوف الليلة "وضبناها من جديد، لونا الحيطان وعملت زخارف تليق بالاحتفال" صنعها عم عيد بنفسه كونه رسام مشهور بالمنطقة.

عم عيد لا يتقاضى أجرًا مُقابل دوره في الاحتفال، كما أنه اتخذ عهدًا على نفسه لم يُخلفه منذ سنوات "شغلي في فترة الحج من رسومات على بيوت الناس، كُله بيتحط في خزنة، وبيطلع للمولد" يقتطع منه جزءً لأضحية عيد الأضحى "مش كتير على رسولنا الكريم، وربنا بيفيض علينا بالمنح بسبب اليوم دا"، يبتسم الرجل الستيني بينما يُعدد أسماء الذي عملوا لأيام طويلة خلال الفترة الماضية لتجهيز الليلة دون حاجة إلى مقابل أو شُكر، يكفيهم أن تمضي الليلة هانئة ويُذكر اسم النبي في حالة من السعادة بين الناس.

أمام المضيفة في الصباح الباكر، يأتي أبناء القرية إلى المكان يوزعون أنفسهم؛ من بينهم طه ومصطفى أولاد عم عيد "اتربينا على محبة اليوم دا وإننا نسيب كل حاجة عشانه" يذكرها طه بفخر، يندمج وسط الشباب في إعداد المكان لصورته النهائية، تجهيز الفراشة، وضع الزينة، رص فروع المصابيح في الشوارع بينما ينشغل آخرون بنقل الدكك والفراشة "بتيجي من بيوت القرية كلها" وأجهزة الصوت و تنظيف المَضيفة منهم "ياسر محمد" الذي يقول إن تلك الخدمة مقدمة للرسول ومحبيه "قلوبنا بتصفى وبالنا بيروق في ليلة زي دي" لذا لا يفوت هذه المناسبة أبدًا.

1

في الداخل، ينشغل "جعفر إبراهيم" الطاهي المسؤول عن طعام الاحتفال، في إتمام كافة التفاصيل، متابعة الشباب المتطوعين لمساعدته، وتذوق الأكل لمعرفة ما ينقصه، للرجل الأربعيني قصة مع المولد النبوي، إذ يعمل مديرًا ماليًا في مجلس مدينة كوم إمبو "لكن بلبي ندا المولد بقالي 10 سنين، مينفعش مجيش" يحُب الطهي كهواية، ويستمتع بها في حضرة الاحتفالات بالمولد.

احتياجات الطاهي تصل قبل أيام من المولد "6 حِلل كبار من الأهالي، وكل مشتملات الأكل" يطبخ على ِ3 شُعل كبيرة "زمان كنت بطبخ على الحطب"، يُجهز طعام يكفي لنحو 1200 شخص "بنوزع على الضيوف من الرجالة ونبعت للحريم في بيوتهم" بات له خبرة كبيرة عن الأمر "توزيع الأكل على الناس، ودايمًا يبقى فيه شوية للطواريء" يتذكر حينما كادت ليلة أن تنتهي وفوجئوا بقدوم المزيد من المحبين "ساعتها دبحنا جدي على طول وقطعته وسويته ولحقناهم".

يحلّ الليل، تمتليء ساحة المضيفة وأمام بوابتها بالناس، مئات الرجال بالزي الصعيدي، الجلباب والعمة، أطفال يحضرون برفقة أبائهم أو وحدهم، الجميع في أزهى حُلتهم، الابتهالات المسجلة تدوي بالمنطقة، قبل أن يعلن أحدهم في الميكرفون وصول شيوخ الطريقة النقشبندية "وبعدها نورنا الشريف إسماعيل حفيد الشيخ النقشبندي" ثم وصل المداح "الشيخ محمود الصغير" فتأهبوا لقضاء ليلة ستبقى في الذاكرة.

2

عم عيد بين الجميع، يُشرف على الليلة وحضور الضيوف، يُمسك بشيخ ورع يضعه أمام الحضور ليُلقي درسًا عن سيرة النبي، فيما يستعد العازفين برفقة المداح لظهورهم "بنمدح باللي يفيض علينا بيه ربنا، الشيخ يرتجل واحنا نشتغل وراه، وتاخدنا المحبة منقفش بمعاد، نكمل للصبح حتى" يذكرها محمد راشد، الذي يلعب على آلة الرق، يحصل الرجل على إجازة من عمله كمدرس لغة عربية في مدرسة بكوم أمبو "خلال فترة المولد النبوي، بتبقى للمديح والموالد، احنا عندنا في كل يوم احتفال".

يقف أخيرًا المداح، يُمسك بالميكرفون، يقرأ بداية ما تيسر من القرآن ثم يدور الِذكر في الأرجاء "المولد فرصة للترويح عن القلوب ما أعظمها" أمامه يتراص الناس في صفوف "بنبقى بالتوحيد، لا إله إلا الله، دا نظام خاص في أسوان ثم نسرد في المدائح النبوية والشمائل المحمدية" تهتز الرؤوس مع صوته، تتمايل الأجساد، يقف الأطفال بجوار الكبار، حالة من النشوة تمتلك المئات.

4

من حين إلى آخر يصرخ أحد الحضور "زيدنا يا شيخ زيدنا من حلاوة النبي" فتتعالى الهتافات، فيما تحضر عشرات النساء، تجلسن في شارع ملتصق بالاحتفال، كلما يُنهي الشيخ جزء من مديحه تعلو الزغاريد، عم عيد وأبنائه وشباب المنطقة ينتقلون بين الحضور لتوزيع الحلوى "دي بتجيلنا من ستات البيوت، بيعملولنا اللي يقدروا عليه ويبعتوا" البعض يمسك بهاتفه لتصوير ما يدور من متعة وسعادة.

لساعات يظل الاحتفال قائما، بين وافدين يتلقوا كرم الضيافة داخل المضيفة، وكبار يجلسون على الدكك، عيونهم تدور مع الابتهالات، عقولهم سكارى من الفرحة، وأطفال يلتفون حول الشيخ "مبضايقش منهم لأنهم شباب الغد ورجال المستقبل، وهما اللي هيقيموا المولد دا بعدين" لم يتوقف قبل حلول التانية صباحًا بينما لا يريد الحضور إنهاء تلك الليلة.

بعد أن انفض المكان، وغادر الجميع، لم يبقَ سوى عم عيد والباقون من أصحاب المولد "الحمدلله الجميع ماشي مبسوط وكانت ليلة عجب" ثم انهمكوا في تنظيف المكان ونقل الدكك ومستلزمات الاحتفالات إلى أصحابها مرة أخرى، ثم أُغلقت المضيفة فيما ينظر عم عيد إلى السماء "على معاد السنة الجاية إن عشنا وكان لينا عُمر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان