إعلان

متضررو الخط الثالث للمترو: "التعويضات ماتجبش فاترينة في وكالة البلح"

02:26 م الأحد 09 يوليه 2017

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - مصطفى فرحات ومي محمد ونانيس البيلي

في كل يوم يذهب "جمال أحمد" إلى محله الكائن بمنطقة بولاق أبو العلا والذي تلقى قرارا بإخلائه بسبب أعمال إنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق، يزداد حزنه ويتحسر عليه، الأمر الذي أصابه بحالة من الاكتئاب بجانب مرض الكلى الذي يعاني منه منذ سنوات، يقول صاحب محل الأدوات الكهربائية لمصراوي: "من فترة قريبة جددت للمحل وكلفني 50 ألف جنيه وقالوا لي إحنا بناخد أرض بس ملناش دعوة بالتجهيزات".

أواخر شهر مايو ، بدأت أعمال الحفر لإنشاء الخط الثالث لمترو الأنفاق في منطقتي بولاق أبو العلا والإسعاف، وأمرت السلطات أصحاب محلات بإخلائها.

تجار: هيئة المترو أخدت محلاتنا بملاليم وهتعمل مول وتأجر لنا بملايين

حتى هؤلاء الذين نجوا من قرارات الإخلاء، لم يسلموا من الخسائر، فقد أدى الحاجز الحديدي الذي وضعته الشركة المنفذة لأعمال الإنشاءات بمنطقة الإسعاف إلى حالة غير مسبوقة من الكساد، فلم يعد هناك سوى ممر ضيق يمتد لعشرات الأمتار، ما تسبب في هروب الزبائن ووصفه العاملون الغاضبون بـ"وقف حال"، بخلاف شكاوى المارة من الازدحام الخانق في أجواء حارة وما أحدثه من مشادات وسرقة وتحرش.

مصراوي انتقل إلى منطقتي بولاق أبو العلا وإسعاف لرصد أوضاع أصحاب المحلات.

حاول "جمال" التفاوض مع هيئة المترو بأنه لا يريد تعويضًا ماديًا مقابل أن يحصل على محله بعد انتهاء المشروع، لكن الهيئة رفضت طلبه مشترطة أن تكون عملية البيع وفق إيجار جديد "يعني هم أخدوه مني بملاليم دلوقتي، وعاوزين يديهولي بملايين بعد كدا".

في الفترة الأخيرة أصبح "جمال" يتجول في الشوارع التي تتواجد فيها محطات المترو، ينظر إلى مداخلها ومخارجها كي يعرف الفرق بينها وبين المحطة الجديدة التي يريدون بنائها مكان محله ويؤكد "مشالوش محل علشان يبنوا محطة هم بيثبتوا إنهم واخدين المكان استثمار".

في منطقة "بولاق أبو العلا"، قامت هيئة المترو بإخلاء الكثير من المحلات المطلة على شارع 26 يوليو، بالإضافة إلى بعض المحلات الواقعة في الشوارع الجانبية، لتوفر مساحة إجمالية حوالي 20 ألف مترًا مطوقة بحواجز حديدية.

محمد سعيد، صاحب ورشة حدادة وأحد الذين تم إخلاؤهم يحكي لمصراوي عن الأضرار التي تعرّض لها، قائلا إن حياته أصبحت مهددة خصوصًا أن الورشة كانت مصدر رزقه الوحيد، الأمر الذي اضطره إلى البحث عن مكان مؤقت في محيط ورشته القديمة، قبل أن يذهب إلى هيئة التنمية الصناعية بحثًا عن محل جديد "قالوا لي الأماكن المتاحة في بدر والسادات بمليون جنيه".

ويضيف "سعيد" أن التعويض الذي تقاضاه لم يكن كافيًا مقارنة بمساحة ورشته، مشيرًا إلى أنهم حاسبوه على مسطح الأرض فقط ولم يحاسبوه على الارتفاع أو السندرة الخراسانية: "هيئة المترو قالت لي عاوز ترفع قضية ارفع، لكن أنا تراجعت لأن القضاء حباله طويلة"، ويوضح أنهم لم يعلموا بموعد الإخلاء إلا منذ شهر واحد فقط "حاولنا نخليهم يمدوها لبعد رمضان لكنهم رفضوا".

لم يعترض "محمد" من جانبه على الإخلاء لأنه يعتبره مشروعًا قوميًا يصب في صالح المواطنين، لكن بحسب ما يرى فإن هيئة المترو تتعامل مع المشروع على اعتبار أنه مشروع استثماري خصوصًا أن الأرض التي تم إخلاؤها كبيرة جدًا على محطة مترو واحدة فقط "قالوا لنا جنب المترو هنبني مول تجاري، واللي عاوز محل هنديله بس هيتحاسب بسعر المزاد".

لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لـ"علي العمدة" صاحب محل أدوات منزلية، حيث يقول إن مسئولي هيئة المترو وعدوا التجار بأن يحصلوا على كرفانات أمام محلاتهم القديمة، لكنهم فوجئوا بالهدم ولم يحصلوا على الكرفانات التي وُعدوا بها "وزير النقل الجديد جه هدم كل حاجة كنا متفقين عليها".

العمدة: "هما خلونا أخدنا التعويضات دي بسيف على رقابنا.. يا تاخد يا مالكش حاجة"

بصوت يكسوه الغضب، يضيف "علي" أنه اضطر إلى التنازل عن المخزن رافضًا التفاوض على المحل بعد أن رأى التعويض غير كاف بالنسبة لمحل بهذه المواصفات وفي منطقة حية "التعويضات اللي أخدناها ما تجيبش فاترينة في وكالة البلح"، ويستطرد "هما خلونا أخدنا التعويضات دي بسيف على رقابنا، يا تاخد يا مالكش حاجة، وإحنا كدا كدا هننفذ".

منذ أن أخلى "علي العمدة" محله وهو يعيش حياة صعبة ومضطربة، فبعد أن قام بفسخ العقود مع الشركات التي كان يتعامل معها، أصبح ينزل كل يوم من بيته يجوب منطقة بولاق بحثًا عن محل جديد لكنه يعود إلى بيته مرة أخرى خائبًا، فمعظم المحلات التي يجدها إما إيجارها مرتفع أو إنها بعيدة ولا يمكن أن يذهب إليها أكبر عدد من الزبائن "ارحمونا شوية، إحنا بقالنا شهر متشردين في الشوارع" يقول بصوت مختنق.

وتشمل أعمال الحفر والإنشاء للمرحلة الثالثة من الخط الثالث لمترو الأنفاق محطات "ماسبيرو- الزمالك- الكيت كات- جمال عبدالناصر"، والتي ستمتد من محطة مترو العتبة حتى بولاق الدكرور بطول 17.7كم بعدد 15 محطة نفقية وسطحية وعلوية.

سينما "علي بابا" التي يعود تاريخها لنحو ثمانين عامًا، كانت ضمن نطاق الإزالة حيث تبلغ مساحتها حوالي 900 مترًا، يقول "سمير زارع" أحد الورثة لـمصراوي، إنهم لم يستطيعوا الاعتراض على قرار الإزالة "ما حدش يقدر يقف قدام الحكومة، ولم نحاول منع الهدم بالسعي لضم السينما لأماكن الأثرية لأن المشروع منفعة عامة للجميع... أتمنى يكون كدا فعلا وما يكونش حد بيضحك علينا".

ويضيف أن التعويض المادي الذي تلقوه كان ضئيلًا مقارنة بالمكان المميز لها حيث تطل مباشرة على الشارع الرئيسي، لافتًا إلى أن السينما على الرغم من قدمها كان لها حضورا قويا بين الجمهور.

وفي منطقة الإسعاف، وقف "سيد" بائع أربعيني، داخل محل للملابس بأطراف الممر الضيق يحتسي كوبًا من الشاي مع خلو المحل من الزبائن عدا سيدة وطفلتها تنتقل ببصرها بين البضاعة، ما إن تحدثنا إليه حتى انفجر ليفرغ ما بداخله من شكوى حول الأضرار التي لحقت بهم منذ بدء العمل بالخط الجديد للمترو قبل نحو شهر ونصف "حالنا وقف والمبيعات قلت بنسبة 60%".

يقول "سيد" إن المساحة الفاصلة بين الحاجز الحديدي "سور الصاج" الذي أقامته الشركة المنفذة للمترو وبين المحلات ضيقة للغاية وتكفي بالكاد لعبور شخصين، ولذلك يحاول المارة الهروب سريعًا والخروج منه: "مابيساعدش إن حد يقف قدام الفاترينة ويشوف العرض"، ويضيف أن الناس أصبحت تعتبره كممر للخروج من محطة مترو جمال عبد الناصر إلى الشارع.

تلتقط أطراف الحديث، "بسمة" بائعة بذات المحل وتقول إن المحل كان مليئا بالزبائن في مثل هذا التوقيت من العام الماضي لأنه موسم عيد، ولكن الآن من تطأ قدمهم المحل هم الزبائن القدامى فقط، حيث يهرب المارة من الممر الخانق ويبحثون عن حاجتهم في مكان آخر.

باعة بالإسعاف: الممر الضيق تسبب في هروب الزبائن واضطررنا لتقليل العمالة وخفض الرواتب

"انخفاض الرواتب وتسريح العمالة" أضرار أخرى ألمت بجميع العمال بالمحلات المطلة على الممر، بحسب "بسمة"، فتقول إن العامل يحصل على متوسط راتب ألف جنيه وألف آخر عمولة من نسبة المبيعات والذي أوقفه أصحاب العمل بعد انخفاض المبيعات: "بيقولولنا هنديكوا عمولة على إيه هو إحنا بنبيع حاجة، كويس إنكم بتقبضوا".

صوت ارتطام رافعة بسور الصاج يحدث دويًا ما إن التفتنا إليه حتى تصاعدت سحابة من التراب، تشير "بسمة" إليها وتقول إن الأتربة أيضًا تتسلل إلى محلهم الذي لا يحتوي على باب وتستقر على البضاعة، وتضيف أن أصحاب بعض المحلات الشهيرة بالممر يعتزمون إخلاءها والانتقال إلى منطقة أخرى.

تطالب "بسمة" و"سيد" بإيجاد وسائل لتعويض البائعين وأصحاب المحلات عن الخسائر التي لحقت بهم، ويقترحون لذلك منح تعويض مادي للبائعين ومنح تسهيلات لأصحاب المحلات مثل تخفيض الضرائب أو قيمة فواتير الكهرباء والمياه، بجانب محاولة توسيع المساحة بين السور والمحلات لكي يتثنى للعابرين التوقف ومشاهدة عروض المحلات.

في مساحة واسعة بمنتصف الممر الضيق تقود إلى شارع آخر، وقف "محمد" و"آية" مع طفليهما، يقول الشاب العشريني إنهم أصبحوا لا يسلكون الممر إلا في أضيق الحدود، ويضيف أنه يكون بصحبة زوجته ولا يتركها تسير بالممر بمفردها خوفًا عليها من التحرش "كان المكان واسع قبل ما يعملوا السور فكنت بسيبها لواحدها وأنا مطمن".

تضطر "آية" إلى المرور كثيراً من ذلك الطريق أثناء ذهابها لمنزل والدتها القريب من محطة مترو جمال عبد الناصر، وتقول إنها أصبحت تتجنب استقلال المترو حتى لا تسلك الممر الضيق بل أنها تستقل تاكسي وتتكبد أجرة مرتفعة ومسافة أطول.

"كان حر ومكتوم خالص ومفيش نفس" تصف الشابة العشرينية أجواء الممر في المرة الوحيدة التي سلكته فيه بمفردها بدون زوجها، وتضيف أنه وقع أمامها مشاجرات بسبب التحرش والسرقة، وتشير إلى توجهها إلى مناطق أخرى لشراء احتياجاتهم بدلاً من المحلات الموجودة بالممر والتي اعتادت الشراء منها في السابق.

ووقعت الهيئة القومية للأنفاق في أوائل الشهر الجاري في حضور وزير النقل الدكتور هشام عرفات عقد تصنيع وتوريد معدات تذاكر المرحلة الثالثة من الخط الثالث للمترو مع شركة "تاليس" الفرنسية وهي آخر مجموعة للمرحلة الثالثة من الخط الثالث.

يعيد ترتيب بضاعته وتبديل أماكنها عله يفلح في جذب زبائن، هكذا وقف "رامي" داخل أحد فروع أشهر محلات الملابس المنزلية، بلهجة غاضبة يقول الشاب العشريني إن المبيعات انخفضت نحو 80% منذ بدء العمل بالمترو وإقامة السور "زي ما انتي شايفة محدش بيدخل ولا فيه بيع".

"الشارع زحمة مين هيقف يتفرج على البضاعة" يقول "رامي"، ويضيف أن كثير من المشاجرات أصبحت تحدث بسبب الازدحام والتحرش، ويشير إلى أن مسؤولين بالمترو وعدوهم منذ أسبوعين بتوسيع مساحة الممر قليلاً وهو ما لم يحدث "قالوا السور هيرجع لورا شوية ومرجعش".

فيديو قد يعجبك: