إعلان

هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (3-3)

08:47 ص الثلاثاء 22 ديسمبر 2015

القيادي في حزب الدستور هاني الجمل

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حاوره – سامي مجدي:
في الجزء الثالث نيسر مع هاني الجمل في الطريق الذي أوصله في نهاية المطاف إلى غياهب السجون، قضى فيها ردحا من الزمن عانى فيها ما عانى وتعلم منها أيضا ما تعلم. بعد أن تحدث في الجزأين الأول و الثاني عن الثورة وامال الشباب واحباطاتهم وما آلت إليه أوضاع البلاد خلال فترة حكم المجلس العسكري والإخوان المسلمين من بعده، وما آلت إليه الأمور بعد ثورة 30 يونيو وصولا إلى فض اعتصام رابعة والموقف مما جرى في تلك الفترة. لقراءة الحوار كاملا... اضغط هنا

الاعتقال والسجن
هاني الجمل

مرة أخرى سارت عجلة الزمن، وواصل النظام المضي في طريقه الذي يؤيده فيه أغلبية معتبرة من الشعب، وباتت الساحة لا تحتمل من ينطق بكلمة غير تلك التي يريدها النظام، فالإعلام تحول إلى ''صوت واحد'' والسياسة أميتت مرة أخرى، بزعم الحرب على الإرهاب الذي لن تقتلع جذوره بالحل الأمني وحده، ولن تقتلع إلا بتحقيق العدل وسيادة دولة القانون، على ما يقول مراقبون مستقلون.

كان الجمل برفقة زمرة من الشباب والباحثين عن طريق اخر غير الذي اختاره الإخوان ومشايعوهم وغير ذلك الذي يمضي فيه النظام، يدعون لما يعتقدون أنه ''الأمثل'' لبلد ثار شبابه ضد الظلم والطغيان منشدين العيش الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وفي تلك الأثناء، بدأت لجنة صياغة دستور 2014، عملها. وكان الكثير من المواد محل جدال وتجاذب، على رأسها تلك المادة التي تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية (المادة 204). وذات يوم دعا ناشطون إلى وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى الذي كان يحتضن مناقشات لجنة الخمسين اعتراضا على تلك المادة.

انضم الجمل إلى تلك الوقفة متأخرا. لكنه كان من ضمن من اعتقلوا وزج بهم في غياهب السجون. قبض عليه ثم أخلي سبيله بعدها بتسعة أيام. ثم قبض عليه مجددا وتحفظ عليه القاض في إحدى جلسات المحاكمة بعدها بعام تقريبا.

''كنا على ما يبدو كبش فداء للسلطة التي كانت مجروحة اثر تفجيرات إرهابية في سيناء'' يقول الجمل، مضيفا أن نفرا من الإعلاميين ''السيئين'' شنوا ''حملة تحريض'' ضدنا، وبعدها بيومين فقط حددت لهم جلسة محاكمة. ذهبوا رغم أن استدعاءً لم يصلهم كما هو متبع. تحفظ القاضي على ''المتهمين'' وأحيلوا إلى سجن في القاهرة، وكان الوضع مختلفا كليا عن الوضع في فترة الحبس الأولى.

ويستذكر هاني الجمل ما جرى معه ورفاقه ممن طالتهم قبضة الشرطة في ذلك اليوم المحفور في ذاكرته بكل تفاصيله. وكما يعامل كافة المساجين أُمروا بنزع ملابسهم، وارتداء ''البدلة البيضاء'' المخصصة للسجناء، وحلقت رؤوسهم. ولم تعد إليهم الملابس مرة أخرى.

علاء عبد الفتاح
علاء عبد الفتاح

في العنابر، وكانوا قد دخلوها حفاة، وزعوا على عنابر أربعة مكون منها السجن إضافة إلى عنبر اخر مخصص لسجناء جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الاخرين (عنبر رقم 3). ''كنا كل خمسة أو ستة في عنبر. ووزعنا كل واحد على غرفة بقصد التنكيل بنا. علاء عبد الفتاح (وقد كان أشهرهم) وضع في سجن الزراعة بعيدا عنا. أتصور لشهرة علاء وخوفهم من مسائلتهم دوليا إذا تعرض علاء لأي أذى من نوعية المساجين الجنائيين التي كانت معنا وربما لتخوفهم من مجرد وجود علاء معنا''.

كان الخوف يتملك هاني ومن معه ولا يفهمون شيئا. ''فهذه المرة كانت مختلفة عن الحبس في المرة الأولى، حيث كنا حوالي 25 شخصا في مكان يسع أكثر من 50. وهناك أربع دورات مياه. والمعاملة كانت مختلفة تماما''.

أما في المرة الثانية، فالوضع كان مختلفا. ويدلل على ذلك بوصف الغرفة التي كانت مكتظة بالسجناء ''الغرفة كانت ثمانية أمتار في ثلاثة أمتار. بها حمام في أحد أركانها وأمامه مساحة صغيرة تستخدم كمطبخ. هناك حنفية صغيرة في الحمام تستخدم في الغسيل والطبخ وخلافه. وهناك أيضا سخان حراري لعمل الأكل وخلافه أيضا''.

بقية المساحة للمساجين. ''لديك فرشة صغيرة عبارة عن عدة بطاطين تنام عليها. طول الفرشة متر ونصف المتر وعرضها نصف متر ... لا تستطيع مد قدمك وأنت نائم حيث ينام أحدهم بمواجهتك .... ليس هناك أي نوع من أنواع الخصوصية. الوضع بشع بشع بشع''، قالها الجمل وكرر الأخيرة ثلاث مرات.

كان هان الجمل يتحدث وفي مخيلته هؤلاء الذين تركهم وراءه في السجن. يتخيل أوضاعهم ومعاناتهم وكيف يمر عليهم الزمن.

''لدي إحساس رهيب بالذنب تجاه من تركتهم داخل السجن. فالوضع غير انساني بالمرة، الحبس الاحتياطي الذي يستمر لعدة سنوات.. أوضاع المساجين كافة المساجين. بعضهم لا يرون قاضيهم لأكثر من عام. مرات لانشغال الشرطة بتأمين محاكمات أخرى مثل محاكمة مرسي. ومرات لأسباب أخرى!''.

وكما الحياة خارج الأسوار، تتباين المعاملة أيضا خلفها؛ ويتوقف ذلك على ''من أنت؟ ومن تتبع؟ إذا كنت مسنودا فالمعاملة تختلف أما 'اللي ملوش ظهر بيضرب على بطنه '، كما يقول المثل الشعبي والأمثلة ما أكثرها''. وهذا ينطبق على السجين الجنائي، وهم أغلب من وراء القضبان.

لم يكن الوقت يمر على الجمل ورفاقه خاصة في الشهر الأول من السجن. كانت ''حاجة قاتلة''. وما هون من ذلك تلاحق الجلسات وخروجهم ورؤية بعضهم وأصدقاءهم وعائلاتهم. يضاف إلى ذلك قراءة ما طالته أيديهم ''كنا نحاول أن ندخل كتبا. كنت أقرأ بمعدلات كبيرة للغاية. الكتاب بخلصه في يوم أو يومين على الأكثر''.

إنسانية الحبس
prison_barlamane-550x309

وبنظرة فلسفية بعض الشيء، يقول الجمل إنهم في السجن كانوا يفكرون في أن ''الحبس نفسه أمر غير إنساني. وقد تكون العقوبة الجسدية من جلد وقطع يد وخلافه والتي يتعامل معها العالم على أنها من القرون الوسطى، أخف وطأة من حبس الحرية وزي ما كان أحد المساجين من البدو بيقول 'مفيش حاجة بتتحبس غير الفراخ'''، بحسب تعبيره.

ويرى الجمل أن ''هؤلاء ليسوا مجرمين بقدر ما دفعتهم الظروف إلى الاتيان بما قاموا به من سرقات ومخدرات وخلافه. فالجهل والفقر عنصران رئيسيان في تفشي الأمراض الاجتماعية التي تنتج منها الجرائم. وهم بحكم غياب الحكومة أو فسادها يحلون مشاكلهم بأنفسهم. وهذا فضلا عن عدم معرفتهم بحقوقهم. وبنظرة أوسع قليلا، أرى أن هؤلاء نتاج الدولة الأمنية التي نعيش فيها التي تلجأ للحلول الأمنية في حل أي مشكلة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية... إلخ''.

وفي المدة التي قضاها الجمل خلف الأسوار، اكتشف إلى أي مدى فشلت القوى الثورية والمدنية عموما، في إيصال صوت الثورة إلى المناطق الشعبية والوصول إلى المهمشين، الذين قامت الثورة في الأساس من أجلهم. يقول ''اكتشفت أن هناك ناس كثيرة لا تعرف شيئا عن الثورة. سألونا: 'كنتوا فين؟! لماذا لم تأتوا وتتحدثوا إلينا؟!' هؤلاء هم الظهير الشعبي ونحن فشلنا في الوصول إليهم. التيار المدني والثوري فشل تماما في هذه النقطة. كان السجن فرصة جيدة لفهم هؤلاء الناس والتواصل معهم''.

وطالب الجمل بتحسين أوضاع المساجين أي مساجين، وألا تكون هنا تفرقة فيما بينهم. ويقول ''لا يصح أن تعامل المشتبه به أو المتهم أو المدان بهذه الطريقة. لابد من توفير الظروف الطبيعة الإنسانية للمحاكمة العادلة أولا. وإذا أدين ينفذ الحكم الذي حكم به القاضي. لا أن يحبس الإنسان احتياطيا لمدة لا تنتهي. وأن يبقى الإنسان في السجن حسب مزاج الشرطة.. هؤلاء لهم حقوق''.

وقال هاني الجمل ''عندما أتذكر فترة السجن تصعب عليّ نفسي جدا ويصعب عليّ أهلي... كان الوضع مرارا''.

قضية الشورى

اقرأ أيضا:

هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (1-3)
هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (2-3)

 

 

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج