إعلان

محمود البدوي: السينما تؤسس للتحرش الجنسي بالأطفال.. والدولة تخشى الفضيحة (حوار)

09:38 ص الإثنين 21 ديسمبر 2015

حوار - نسمة فرج وياسمين محمد:
 
"معلم يعتدي على طالبة بإحدى المدارس".. "طالبة تتعرض لتحرش جنسي داخل أروقة المدرسة".. "ولي أمر يتهم معلم بهتك عرض نجله".. عناوين اعتدنا أن تطالعنا بشكل شبه يومي عبر الصحف والمواقع الإخبارية، وأضحت تدق ناقوس الخطر على مستقبل العملية التعليمية، خاصة وأن أغلب تلك الحوادث تصدر عن معلم يُفترض أن يكون قدوة ومثل للأجيال القادمة وداخل مؤسسات ينبغي أن يؤتمن فيها على الطلاب.
 
ولهذا بادر "مصراوي" بإجراء حوار مع المحامي محمود البدوي، رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان، والذي أرجع أسباب انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالمدارس إلى غياب الوعي لدى الأسر والطلاب، وعدم اهتمام المدرسة بالقياس النفسي للمعلمين.
 
وحدثنا البدوي عن قانون الطفل، والخطوات التي يجب على الطفل اتخاذها حال تعرضه للتحرش، ودور منظمات المجتمع المدني في مواجهة تلك الحوادث. وإلى نص الحوار:
 
كيف تقيم انتشار حوادث التحرش الجنسي بالطلاب داخل المدارس؟
ظهور التحرش بالمدارس يمثل خطورة كبيرة، لأن المدرسة هي أكثر مكان يؤتمن فيه على الطفل، ولذلك نجد قانون العقوبات شدد العقوبة على من له الوصاية على الطفل مثل "المدرس – المدرب – الواصي"، لأنه يفترض في هذا الشخص توفر صفة الأمانة.
 
ما الأسباب التي تقف خلف تلك الحوادث؟
فئة الأطفال هي الفئة الأكثر ضعفًا، وعدم اكتمال نضجهم يجعلهم غير قادرين على تمييز بعض التصرفات، وتصنيفها من حيث كونها تحرش أم تودد، وكل طلاب المدارس يندرجون تحت فئة "أطفال" حيث لا تتجاوز أعمارهم الـ18 عامًا، وفقًا للمادة 80 من الدستور.
 
 كما أن الطفل بطبعه "خواف" ويخشى الرفض بما يطلب منه أو البوح بما يتعرض له، والأسرة قد لا تنتبه للأولاد بسبب ضغوط الحياة التي تسقطهم من حسابات الآباء والأمهات.
 
ولذلك على أولياء الأمور توخي الحذر من الأشخاص الذين يتعاملون من الأطفال على وجه الخصوص، وعليهم كذلك أن يعلموا أبنائهم الفرق بين الملامسة الآمنة وغير الآمنة، فتدرك الطفلة أن جسدها "خط أحمر"، ويعلم الطفل أماكن العفة في جسده.
 
ما الآليات التي أقرها قانون الطفل لحمايته من هذه الممارسات؟
قانون الطفل المصري من أفضل القوانين على مستوى العالم، حيث يعتبر ظلًا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي تتلخص روحها في 4 كلمات هي "تحقيق المصلحة الفضلى للطفل"، وتعتبر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، نتاج جهود المجتمع الدولي لمدة 70 سنة، وموادها تسري على أي طفل على مستوى العالم مهما كان، نوعه، دينه، عرقه، وجنسه.
 
ابتداءً، لم يكن لدينا قانون طفل، وفي سنة 1989 انضمت مصر للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وعام 1990 صدقت عليها، وبموجب الاتفاقية فإن بنودها تأتي في مرتبة أدنى من الدستور وأعلى من القانون في الهرم التشريعي. ونص دستور 71 على أنه إذا صدقت مصر على اتفاقية دولية ووقع تعارض بين تلك الاتفاقية وبين القانون المحلي، يصبح لزامًا على الدولة أن تعدل من تشريعاتها المحلية اتساقًا مع الاتفاقية.
 
ومنذ1990 إلى عام 1996 شرعنا القانون رقم 12 لسنة 1996، وبعد التغيرات المجتمعية كنا في حاجة لإدخال حزمة جديدة من التعديلات على القانون لعمل موائمة مع التغيرات الجديدة، فخرجنا بالقانون رقم 126 لسنة 2008.
 
ورغم ذلك لم يكن هناك ظهير حمائي دستوري للطفل، لذلك مع تعديلات الدستور بلجنة الخمسين عام2013، شاركنا كائتلاف من عدد من الجمعيات لصياغة المادة 80 من الدستور، وكانت هي أطول مادة في الدستور، والتزمنا فيها بروح الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل حيث نصت على أن "تلتزم الدولة بتحقيق المصلحة الفضلى للطفل".
 
وبهذا يصبح القانون لدينا هو أول قانون على مستوى العالم؛ يوائم بين الاتفاقية وبين القانون المحلي.
 
هذا بالنسبة للقانون، فماذا عن الواقع؟
رغم أننا لدينا أقوى بناء تشريعي لحقوق الطفل على مستوى العالم، لا تزال أحوال الطفل لدينا متدنية، لأننا نتفنن في التحايل على القانون وفقًا لفكرة "الفهلوة"، وبالتالي فإن كل هذه القوانين غير كافية لحماية الشريحة التي تمثل نحو 37% من جملة السكان.
 
ولكي نحمي الطفل من تلك الممارسات السيئة، نحتاج إلى ما هو أخطر من القانون، وهو العمل على زيادة الوعي المجتمعي لدى الأسر والأطفال.
 
كيف نستطيع أن نحقق زيادة الوعي المجتمعي؟
للأسف المعنيين بشأن الطفل يعملون وفقًا لنظرية "الجزر المنعزلة"، فالمنظمات تتبع نظام الغرف المغلقة، والمجلس القومي لحقوق الإنسان يتحدث فقط في البرامج التليفزيونية، والمجلس القومي للأمومة والطفولة منغلق على ذاته، والإعلام يركز على الخزعبلات، والمؤسسة الدينية لا تقوم بدورها، ووسط كل هذا لا يصل أحد للفئة المستهدفة.
 
إلى جانب ذلك فإن المبادرات التي تقوم بها بعض المنظمات لا تأتي بثمارها لأنهم لا يدرسون المجتمع المصري بشكل مناسب، فمثلًا الخط الساخن لنجدة الطفل "16000" التابع للمجلس القومي للأمومة والطفولة، فاشل فشل زريع، لأنه عبارة عن تجربة هندية طبقت في مصر دون تمصير، وبالتالي لم تحقق شيئًا.
 
ولذلك فإذا أردنا تحقيق الوعي المجتمعي، فإن علينا أولًا الوصول لخلطة سحرية نقضي بها على الجزر المنعزلة، ثم نبدأ بنقل الناس من مرحلة اللاوعي إلى مرحلة الوعي، ونعمل على زيادة مساحة الوعي لدى الأسر ولدى الطفل نفسه.
 
وعلى كل أسرة أن تلاحظ سلوك الطفل بشكل جيد، وتفتح قنوات اتصال بينها وبينه، وتلفت انتباهه إلى الأماكن التي لا يجب ملامستها، وتوضح له كيفية التعامل حال تعرض للتحرش، مثل "الصراخ – الابتعاد عن المكان- عدم الخوف وتبليغ الأب والأم بما حدث".
 
ما الخطوات التي يجب أن يتبعها الطفل للإبلاغ عن تعرضه للتحرش؟
أولًا يذهب للأب والأم، لأن المدرسة في الغالب ترفض الفضيحة، وتحاول التكتيم على الأمر، خاصة في ظل تواجد الكثير من المدارس الخاصة والتي تخشى كذلك على سمعتها في ظل التنافسية.
 
وبعد ذلك يتجه الأب والأم للإبلاغ عن الحالة و تحرير محضر بذلك.
 
ولكن بعض الأسر تمتنع عن الإبلاغ خوفًا من الفضيحة، كيف ترى ذلك؟
السلبية وعدم التعاطي الإيجابي مع الواقعة والسكوت عنها يعتبر موافقة ضمنية على استمرار ظاهرة التحرش، وهذا دور منظمات المجتمع المدني، توعية الأسر بأهمية التبيلغ عن الحالات، وتنبيههم إلى أن السكوت يسمح للجاني بتكرار فعلته سواء مع نفس الطفل أو مع أطفال آخرين.
 
منذ فترة، جاء لي ولي أمر وقال إن ابنته تعرضت لتحرش من مدرس في إحدى مدارس منطقة العمرانية بمحافظة الجيزة، وبعد تحرير شكوى في القسم، وتحويل المدرس للنيابة، فوجئت بأم الطالبة تطلب مني التنازل عن المحضر خوفًا من الفضيحة، وتم إخلاء سبيل المعلم. وبهذا يكون المجتمع قد أهدر كل الجهود بسبب نقص الوعي، فالقانون موجود والسلطات التنفيذية مستعدة ومنظمات المجتمع المدني موجودة، والجاني حر.
 
هل من أساليب أخرى بديلة عن الإبلاغ، ماذا عن النهوض بالمستوى الأخلاقي؟
قضية الأخلاق من الإشكاليات التي تواجههنا، لأنها قضية يصعب التحكم فيها، بالإضافة إلى حدوث بعض التغيرات التي تنعكس على الفرد وتؤثر على خلفيته العلمية والثقافية والدينية والأخلاقية سواء سلبًا أو إيجابًا.
 
ماذا عن دور الإعلام في التوعية؟
بالتأكيد للإعلام دور في عملية التوعية، إلا أننا لا نراه، فالأفلام الآن ترسخ لقيم التحرش، وتجعل من البلطجية أبطال يحتذى بهم الأطفال، والدراما لا تناقش المشكلات الاجتماعية، ولا ترسخ القيم الإيجابية في نفوس الشباب كذلك.
 
وبالنسبة لوسائل الإعلام الإخبارية، فإنه في حالة تناولها لحوادث التحرش تنتهك خصوصية الطفل حيث تنشر أسماء الأطفال وصورهم وبياناتهم من باب المصداقية، ولا يدرون أنهم بذلك يتسببون في وصم هذا الطفل اجتماعيًا.
 
أما بالنسبة لأفلام "الكارتون" التي غزت البيوت، فإن بها الكثير من الإيحاءات الجنسية التي لا تجد مراقبة من الدولة أو من الأسرة داخل المنزل.
 
هل تختلف نسب التحرش بين الطبقات الاجتماعية المختلفة؟
الفكرة لا ترتبط بمستوى اجتماعي معين، فلكل طبقة ظروفها ووضعها الذي يجعلها غير قادرة على الانتباه للأطفال من حولهم؛ مما يجعلهم فريسة للتحرش.
 
بم تفسر ارتفاع نسب التحرش عنها في السنوات الماضية؟
نسبة التحرش لم تزد، بالعكس قلت جدًا عما كانت، وما زاد هو المطالبة بمواجهة تلك الظاهرة، مما جعلنا نشعر بزيادتها.
 
فبعد الموجة الثورية التي حدثت بالمجتمع المصري في 2011، بدأ المواطنون يبحثون عن حقوقهم ويرصدون المشكلات ويوثقوها؛ مما جعل الواقعة التي تحدث في مكان ما تصل إلى الملايين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الواقع يوضح أن وقائع التحرش قبل 2011 كانت أكثر بكثير ولكن المجتمع كان يتكتم عليها.
 
كيف يمكن للمدرسة حماية الطلاب من التحرش؟
يجب عليهم تحري الجودة فيمن يتولى العملية التعليمية، فالمدرسة تحرص على معرفة مؤهل المعلم وخبراته، ولا تبحث عن أخلاقياته، رغم أنه يظل فترة طويلة جدًا مع الطالب ويفترض فيه تعليمه القيم.

لذا يجب على وزارة التربية والتعليم عمل قياسات نفسية واجتماعية دورية للمعلمين، ولا بد أن تعي إدارة المدرسة خطورة الأمانة التي تحملها، أولها التربية وثانيها العلم، هذا بالإضافة إلى إحكام الرقابة بين المدرسة والبيت.
 
لا أحاول بذلك أن أبحث عن المدينة الفاضلة، فمن الطبيعي أن يحدث خروقات، إلا أن الرقابة الجيدة، ومعاقبة المفسدين، وإعلان العقاب، أمر مهم ليحول بين تحول حوادث التحرش داخل المدارس إلى ظاهرة.
 
هل يحتاج الوضع إلى تضمين المناهج التعليمية مواد توعية بقضية التحرش الجنسي؟
توعية الطلاب بظاهرة التحرش من خلال المناهج الدراسية أصبح ضروري جدًا، خاصة في ظل البيروقراطية التي نعاني منها كجمعيات مهتمة بشئون الطفل، إذا حاولنا تنظيم حملات توعية للطلاب داخل المدارس.
 
ناقشنا الأمر بالنسبة لتحرش المعلم بالطلاب، فماذا عن تحرش الطلاب بالطلاب؟
وفقًا للمتبع فإن طالب المرحلة الثانوية لا يلتقي أبدًا بالطلاب في المراحل الأصغر سنًا، وفي حالة حدوث مثل هذا الأمر؛ فالخلل يتعارض مع قواعد الإشراف في المدرسة.
 
هل لدى الجمعية أية إحصاءات عن نسب التحرش في المدارس؟
للأسف الإحصاء صعب، فما يتم الإعلان عنه من وقائع التحرش لا يزيد عن 20% فقط من نسبة الحالات على أقصى تقدير، والـ80% الباقيين يتم التكتم عليهم، سواء بسبب الجهل وعدم الوعي والخوف من الفضيحة من قبل الأسر، أو عدم إعلان وزارة التربية والتعليم عن الحوادث إلى عند حدوث الواقعة.
 
ختامًا.. بماذا تنصح الطلاب الذين تعرضوا للتحرش داخل المدرسة؟
 لا تخف.. إعلن.. خد حقك.. احمِ نفسك وغيرك.

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج