إعلان

كيف تخرج إيران من حلقة "المنبوذ" عالميًا؟ وما هو الحل لإنهاء العداء مع أمريكا؟

كتب : مصراوي

01:46 م 23/12/2025

إيران وأمريكا

تابعنا على

واشنطن - (د ب أ)

منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 تحولت العلاقات بين واشنطن وطهران من التحالف الوثيق في عهد نظام حكم الشاه إلى العداء المستمر في ظل نظام الجمهورية الإسلامية.

وفي تحليل مشترك نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية قال جواد ظريف وزير خارجية إيران الأسبق، وأمير بارسا جارمسيري باحث الدكتوراه في مجال الدراسات الأمريكية بكلية الدراسات العالمية في جامعة طهران، إنه على مدى العقدين الماضيين، سعت إسرائيل والولايات المتحدة لإقناع العالم بعدم معاملة إيران كدولة عادية، وإنما باعتبارها الخطر الأكبر في النظام الدولي.

وصل العداء الأمريكي والإسرائيلي لإيران إلى ذروته بشن هجوم جوي كبير ضد الأراضي الإيرانية في يونيو الماضي، لترد إيران بقصف إسرائيل بالمسيرات والصواريخ مع مواصلة نزعة التحدي وبناء القدرات الدفاعية، بما في ذلك تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم.

وفسر ظريف وجارمسيري الموقف الأمريكي بتحول الأمن في العلاقات الدولية المعاصرة، من مطلب تسعى إليه الدول لنفسها فحسب، إلى مفهوم تستخدمه لتبرير السيطرة على سلوك الآخرين وتقييده وتوجيهه. فعندما يتحدث علماء السياسة عن "تحويل أي قضية إلى قضية أمن"، فإنهم يشيرون إلى عملية يتم من خلالها تصوير القضية على أنها تهديد وجودي يبرر اتخاذ تدابير استثنائية، وليست قضية يمكن للحكومات معالجتها عبر الأدوات السياسية المعتادة.

وقاد هذا النهج إلى حلقة مفرغة من تسييس قضية الأمن، ودوامة خبيثة يشعر فيها كل من إيران وخصومها بأنهم مضطرون لتبني سياسات أكثر عدائية ردا على سلوك الآخر.

ويرى ظريف وجارمسيري، أنه كسر هذه الحلقة المفرغة لن يكون بالأمر الهين، وسيتطلب من القوى الأجنبية احترام حقوق إيران وكرامتها، والكف عن تشويه سمعتها، وتهديدها، وإكراهها. في المقابل هناك ثمة خطوات يمكن لطهران اتخاذها للمساهمة في كسر هذه الحلقة المفرغة.

ويمكنها البدء بتعزيز الدعم الداخلي لنظام الحكم من خلال الإصلاحات الاقتصادية، ما يُعزز موقفها في المفاوضات الدولية. فالشعب الإيراني أثبت أنه أعظم رصيد لإيران في مقاومة العدوان الأجنبي وردعه. كما يمكن لطهران إعادة النظر في تركيزها على القوة الدفاعية المادية - وهو تركيز غالبا ما يضخم تصورات التهديد - وإعطاء الأولوية للتعاون والتنسيق، لا سيما على المستوى الإقليمي.

كذلك، بإمكان إيران إجراء حوار صريح مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمعالجة المخاوف المشتركة وإيجاد سبيل لاستئناف التعاون، كما يمكنها أيضاً التواصل مع الولايات المتحدة لإدارة خلافاتهما، بدءاً بالملف النووي والعقوبات الأمريكية.

وعلى مدى العقدين الماضيين، كانت إيران هدفا لحملة أمنية مكثفة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين عملتا على بناء ونشر سردية تصور إيران كتهديد وجودي ليس فقط لمصالحهما، بل للعالم أجمع.

وصف بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الحكومة الإيرانية بأنها "طائفة متطرفة"، وزعم في خطاب ألقاه أمام الكنيست عام 1992 أن "إيران على بعد ثلاث إلى خمس سنوات من امتلاك سلاح نووي"، وهو ما لم يحدث بعد مرور أكثر من 30 عاما على هذا الزعم.

أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فوصف إيران بأنها "مكان شرير للغاية". كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية استثنائية على إيران. وقامت إسرائيل، بدعم من واشنطن، بقصف البنية التحتية الإيرانية وقتل قادة عسكريين وعلماء ومدنيين عاديين خلال حرب الاثني عشر يوما في يونيو الماضي.

لذلك، اضطرت إيران إلى تبني سياسات عدائية بدلا من مواصلة خططها التنموية لتحقيق أهدافها الأساسية. وردا على الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتزايدة، رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60% وقلصت تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وفي أعقاب الهجمات الأمريكية الإسرائيلية المشتركة غير المبررة، بدأ الإيرانيون العاديون يناقشون ما إذا كان ينبغي تغيير العقيدة الدفاعية الإيرانية لتشمل امتلاك الأسلحة النووية. ولولا هذا العدوان، لكانت إيران قد واصلت تعاونها غير المسبوق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب الاتفاق النووي لعام 2015، ولركزت على التعاون الإقليمي الذي دافعت عنه منذ عام 1985.

ولكي تصبح إيران أفضل والعالم أكثر أمنا، يرى ظريف وجارمسيري أن طهران وخصومها سيحتاجون إلى إيجاد مخرج من هذه الدوامة. وبالطبع فإن ضغط الخصوم لم يقنع إيران بتغيير سلوكها. وبالمثل، كما أن استراتيجيات إيران الدفاعية، كزيادة تخصيب اليورانيوم لم تقلص التهديدات التي تواجهها.

في الوقت نفسه فإن تسييس قضية الأمن يعمل في مجال التصورات الذهنية وليس في القدرات المادية. لذلك، غالبا ما تصب التدابير الدفاعية التي يتخذها الطرف المستهدف في مصلحة القوى المعادية بتعزيز رواياتها وليس في صالح صاحب التدابير.

وينطبق هذا بشكل خاص على الخطاب الاستفزازي، مثل التصريحات السخيفة التي أدلى بها سياسيون إيرانيون غير مسؤولين في العقد الماضي، والتي زعموا فيها أن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية وهي دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء، وهو ما استخدمته الدول المعادية لطهران في تبرير ضغوطها عليها.

وقد يُوحي ذلك بأن طهران عالقة في مأزق لا مفر منه. لكن التاريخ يُظهر أنه بالدبلوماسية الحذرة، يمكنها إيجاد مخرج. فقد تمكنت إيران من كسر حلقة التسييس الأمني خلال النصف الأول من العقد الثاني من الألفية الثانية من خلال الحوار مع الولايات المتحدة، والذي توج بالاتفاق النووي الإيراني عام 2015 بين إيران من ناحية والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، لضمان عدم تطوير إيران لسلاح نووي مقابل رفع كافة العقوبات الاقتصادية الدولية عنها.

يعود نجاح إيران في إبرام هذا الاتفاق بالدرجة الأولى إلى الإقبال الكبير على الانتخابات الرئاسية لعام 2013، والتي بددت أوهام الولايات المتحدة وأوروبا بشأن الانهيار الوشيك للجمهورية الإسلامية، وهي أوهام تعود إلى الاضطرابات التي أعقبت انتخابات 2009 في إيران. كما منحت انتخابات 2013 شرعية داخلية لإدارة الرئيس الإيراني الجديد في ذلك الوقت حسن روحاني، التي سعت إلى صون حقوق الشعب الإيراني وحمايتها عبر الحوار لا المواجهة.

ومازال بإمكان الحكومة الإيرانية تعزيز ثقة الشعب بشكل أكبر من خلال تحسين الظروف المعيشية للإيرانيين. ورغم أن الحرب الاقتصادية الأمريكية على إيران تحول دون تحقيق تحسينات اقتصادية كبيرة في المستقبل القريب، لا يزال بإمكان الحكومة مكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية، وكبح جماح سلوكيات استغلال النفوذ الناجمة عن التحايل على العقوبات. من شأن ذلك أن يقلل من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، ويرفع مستوى رضا الشعب، وبالتالي يقلل الحاجة إلى سياسات أمنية داخلية.

وفي حين تسعى طهران إلى بناء توافق في الآراء داخلياً، يمكنها البدء في تحسين سمعتها الدولية، مع إعطاء الأولوية لتدابير بناء الثقة مع جيران إيران.

على سبيل المثال، يمكنها إحياء مبادرة "مسعى هرمز للسلام" التي اقترحها الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، التي تهدف إلى تعزيز التعاون وبناء الثقة بين الدول المجاورة لمضيق هرمز الاستراتيجي. كما يمكنها إنشاء "رابطة حوار غرب آسيا الإسلامية"، التي تهدف إلى نشر الود بدلا من العداء من خلال حوارات بين الدول الثماني المطلة على الخليج العربي، بالإضافة إلى مصر والأردن وسوريا وتركيا.

أيضا، يمكن لإيران إنشاء "شبكة الشرق الأوسط للبحوث والتطوير النووي"، التي من شأنها إنشاء آليات إقليمية لضمان عدم الانتشار النووي ونزع السلاح النووي، مع تعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للتكنولوجيا النووية بين دول المنطقة الرافضة للأسلحة النووية.

ويرى ظريف وجارمسيري أنه في المقابل يتعين على دول المنطقة الأخرى القيام بدورها في كسر حلقة التسييس الأمني، بالتركيز على عزل الشخصية الإقليمية الأشد تهديدا للأمن والاستقرار وهو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي أثبت هو وحلفاؤه أنهم يعتبرون السلام والاستقرار تهديدا وجوديا لمصالحهم.

ويوفر سلوك إسرائيل مؤخرا فرصةً للقادة الإيرانيين. فقد أدت الجرائم المروعة لها في غزة إلى استنكار عالمي وأيقظت الضمائر متجاوزةً الحواجز الأيديولوجية.

وبالتالي، يمكن للمسؤولين الإيرانيين التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، لتعزيز التعاطف العالمي وبناء توافق قوي ضد سياسات الفصل العنصري والإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي.

أخيرا يتطلب الخروج من دائرة التسييس الأمني مجموعة من الاستراتيجيات المتزامنة والشاملة والمنسقة من جانب إيران، بما في ذلك تبني دبلوماسية إقليمية ودولية فعالة ومتوازنة، وإصلاحات داخلية، وتدابير لبناء الثقة على الصعيدين المحلي والدولي، والعودة إلى القوة الأيديولوجية للثورة الإسلامية، وتعزيز القدرات الدفاعية للبلاد بطريقة غير استفزازية، وتغييرا في التواصل الاستراتيجي.

في الوقت نفسه، يعتبر كسر حلقة التسييس الأمني أمرا بالغ الأهمية للولايات المتحدة وأوروبا. لذا ينبغي عليهما البدء بالتعامل مع إيران كشريك لا كتهديد. وعليهما أن يتذكرا أن ذلك سيخدم مصالحهما. فبانخراطهما في خطاب عدائي ضد إيران وتصويرها كتهديد أمني وجودي، صعدت الولايات المتحدة وأوروبا التوترات الإقليمية والعالمية دون تحقيق أي من أهدافهما المعلنة.

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

إعلان

إعلان