إعلان

روسيا وأوكرانيا: من هو بطرس الأكبر الذي "يسير بوتين على نهجه"؟

01:43 م السبت 11 يونيو 2022

بطرس الأكبر

موسكو- (بي بي سي):

احتفلت روسيا في الآونة الأخيرة بالذكرى الـ350 لميلاد بطرس الأكبر الذي يُعد أعظم قياصرة روسيا، ففي عهده تحولت البلاد إلى إمبراطورية وشهدت العديد من الإصلاحات.

وقد شبّه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سياسته بتلك التي كان يتبعها بطرس الأكبر حين كان يقاتل السويد، وغزا قسما من أراضيها وفنلندا وأجزاء من إستونيا ولاتفيا.

وبرر بوتين غزو موسكو لأوكرانيا بالقول إن بلاده تحاول الآن استعادة "أراضيها الأصلية"، تماما كما فعل حاكم روسيا بطرس الأكبر في بداية القرن الثامن عشر.

وقال بوتين، خلال لقاء مع رجال أعمال شباب في موسكو: "زرنا للتو معرضا مخصصا للذكرى الـ350 لميلاد بطرس الأكبر، إنه أمر مدهش، وكأن شيئا لم يتغير، فبطرس الأكبر خاض حرب الشمال على مدى 21 عاما، ويسود انطباع بأنه من خلال الحرب ضد السويد استولى على شيء ما، إنه لم يستول على شيء بل استعاده".

وفي إشارة إلى أنه كان يتحدث عن المنطقة التي تأسست عليها مدينة سان بطرسبرغ، أضاف بوتين أنه لم تعترف أي دولة أوروبية في ذلك الوقت بأنها أراض روسية.

وقال بوتين: "الجميع اعترف بها على أنها السويد، وعاش السلاف هناك منذ زمن سحيق مع الشعوب الفنلندية الأوغرية. علاوة على ذلك، كانت هذه المنطقة تحت سيطرة الدولة الروسية".

وأضاف: "بكل المقاييس، يبدو أنه يتعين علينا أن نستعيد ونقوى".

لكن من هو بطرس الأكبر؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن اسمه بالكامل هو بطرس أليكسيفيتش وهو الملقب ببطرس الأول وبطرس الأكبر، وقد وُلد في 9 يونيو من عام 1672 في موسكو بروسيا وتوفي في 8 فبراير من عام 1725 في سان بطرسبرغ، وهو قيصر روسيا الذي حكم بالاشتراك مع أخيه غير الشقيق إيفان الخامس بين عامي 1682و1696 ثم منفردا بالسلطة من عام 1696وحتى عام 1725، وقد أٌعلن إمبراطورا في عام 1721 وكان أحد أعظم رجال الدولة والمصلحين في بلاده.

قصة الحرب الدامية التي شنتها روسيا القيصرية ضد الشركس

روسيا وفنلندا: تاريخ مرير منذ الحروب الدينية وحتى أزمة الناتو

وبطرس هو ابن القيصر ألكسيس من زوجته الثانية ناتاليا كيريلوفنا ناريشكينا. وعلى عكس إخوته غير الأشقاء، أبناء زوجة والده الأولى، ماريا إيلينيشنا ميلوسلافسكايا، أثبت بطرس أنه طفل سليم ومفعم بالحيوية وفضولي.

الطفولة وتولي العرش

عندما توفي أليكسيس عام 1676، كان بطرس يبلغ من العمر 4 سنوات فقط. وقد تولى فيودور الثالث أخوه الأكبر غير الشقيق والشاب المريض العرش، ولكن في الواقع باتت السلطة في أيدي آل ميلوسلافسكي، أقارب والدة فيودور، والذين دفعوا بطرس وآل ناريشكين، أقارب والدة بطرس، إلى الظل.

وعندما توفي فيودور بدون أطفال في عام 1682، اندلع صراع شرس على السلطة بين آل ميلوسلافسكي وآل ناريشكين، إذ أراد الفريق الأول أن يضع إيفان الخامس شقيق فيودور على العرش بينما وقفت عائلة ناريشكين إلى جانب بطرس الموفور الصحة والذكي.

وأعلن ممثلو مختلف طوائف المجتمع، المجتمعين في الكرملين، دعمهم لبطرس، الذي أُعلن آنذاك قيصرا، لكن فصيل ميلوسلافسكي استغل ثورة فرسان موسكو، أو فرسان الحرس الشخصي للملك والذين قتلوا بعض أتباع بطرس.

ثم تم إعلان إيفان وبطرس معا كقيصر مشترك. وفي النهاية، بسبب صحة إيفان غير المستقرة وصغر سن بطرس، عُينت صوفيا أخت إيفان، البالغة من العمر 25 عاما، وصية على العرش.

وقد سيطرت صوفيا، الذكية والمؤثرة، على الحكومة. وبعد استبعاده من الشؤون العامة، عاش بطرس مع والدته في قرية صغيرة بالقرب من موسكو، وغالبا ما كان يُخشى على سلامته.

وكانت إحدى نتائج تنحية صوفيا علنا لبطرس من الحكومة أنه لم يتلق التعليم المعتاد لقيصر روسي حيث نشأ في جو حر بدلا من أن يكون محصورا في حدود قصر ضيقة.

وفي حين أن مدرسه الأول كاتب الكنيسة السابق نيكيتا زوتوف، لم يقدم الكثير لإرضاء فضول بطرس، استمتع الصبي بالألعاب الصاخبة في الهواء الطلق واهتم بشكل خاص بالمسائل العسكرية، وكانت لعبه المفضلة هي الأسلحة. كما شغل نفسه بالنجارة وأعمال الحدادة والطباعة.

وفي أوائل عام 1689 رتبت والدته ناتاليا ناريشكينا زواجه من الجميلة إيدوكسيا إيفدوكيا لوبوخينا. ومن الواضح أن هذا الزواج كان عملا سياسيا يهدف إلى إظهار حقيقة أن بطرس، البالغ من العمر آنذاك 17 عاما، أصبح الآن رجلا بالغا، وله الحق في الحكم باسمه.

ولم يدم الزواج طويلا إذ سرعان ما بدأ بطرس يتجاهل زوجته، وفي عام 1698 نقلها إلى دير.

وفي أغسطس من عام 1689، اندلع تمرد جديد وقد حاولت صوفيا وفصيلها استخدام هذا الأمر لصالحهم في انقلاب آخر، لكن الأحداث هذه المرة تحولت بشكل حاسم لصالح بطرس الذي أطاح بصوفيا من السلطة ونفاها إلى دير نوفوديفيتشي حيث أُجبرت على أن تصبح راهبة.

ورغم أن إيفان الخامس ظل قيصرا مشتركا اسميا مع بطرس، فقد سُلمت الإدارة إلى أقارب بطرس، آل ناريشكين، حتى وفاة إيفان في عام 1696.

وفي بداية عهد بطرس، كانت روسيا قوة إقليمية كبيرة، ولكن مع عدم وجود منفذ إلى البحر الأسود أو بحر قزوين أو البلطيق، وأصبح الفوز بمثل هذا المنفذ هو الهدف الرئيسي لسياسة بطرس الخارجية.

حملات آزوف (1695-1696)

كانت أولى الخطوات التي اتخذت في هذا الاتجاه هي الحملات التي أطلقها بطرس بين عامي 1695 و 1696 بهدف الاستيلاء على آزوف من تتار القرم.

ويمكن اعتبار حملات آزوف هذه بمثابة الوفاء بالتزامات روسيا، التي تم التعهد بها خلال ولاية صوفيا، تجاه "الرابطة المقدسة" المناهضة للعثمانيين عام 1684 والتي ضمت النمسا وبولندا والبندقية، ومن ناحية أخرى، كانت تلك الحملات تهدف إلى تأمين الحدود الجنوبية ضد غارات التتار، وكذلك الاقتراب من البحر الأسود.

وقد انتهت الحملة الأولى بالفشل في عام 1695، لكن هذا لم يثبط عزيمة بطرس فقد قام على الفور ببناء أسطول في فورونيج للإبحار عبر نهر دون وفي عام 1696 تم الاستيلاء على آزوف. ولتعزيز هذا النجاح، تم تأسيس تاجانروغ على الشاطئ الشمالي لمصب نهر الدون وبدأ بناء أسطول بحري كبير.

السفارة الكبرى لبطرس الأول (1697-1698)

بعد أن أرسل بالفعل بعض النبلاء الشباب إلى الخارج لدراسة البحرية، ذهب بطرس في عام 1697 مع ما يسمى بالسفارة الكبرى إلى أوروبا الغربية.

وقد تألفت السفارة من حوالي 250 شخصا، وكانت أهدافها الرئيسية هي دراسة الوضع الدولي وتقوية التحالف المناهض للعثمانيين، لكنها كانت تهدف أيضا إلى جمع معلومات حول الحياة الاقتصادية والثقافية في أوروبا.

وقد سافر بطرس متخفيا تحت اسم الرقيب بيوتر ميخائيلوف حيث اطلع بنفسه على الأوضاع في البلدان المتقدمة في الغرب.

وقد درس بطرس بناء السفن لمدة 4 أشهر، وعمل نجارا للسفن في ساحة شركة الهند الشرقية الهولندية في ساردام ، وبعد ذلك ذهب إلى بريطانيا حيث واصل دراسته لبناء السفن، وعمل في حوض بناء السفن التابع للبحرية الملكية في ديبتفورد، وزار أيضا المصانع والترسانات والمدارس والمتاحف وحضر أيضا جلسة للبرلمان.

وفي الوقت نفسه، تم الاستعانة بخدمات الخبراء الأجانب للعمل في روسيا.

على الجانب الدبلوماسي للسفارة الكبرى، أجرى بطرس مفاوضات مع الحكومتين الهولندية والبريطانية للتحالف ضد العثمانيين، لكن تلك القوى البحرية لم ترغب في الانخراط معه لأنهم كانوا منشغلين بالمشاكل التي كانت ستصل قريبا إلى أزمة بالنسبة لهم في حرب الخلافة الإسبانية.

تدمير فرسان الحرس الملكي (1698)

من إنجلترا، ذهب بطرس إلى النمسا، ولكنه بينما كان يتفاوض في فيينا من أجل استمرار التحالف المناهض للعثمانيين، تلقى أخبارا عن تمرد جديد للحرس الملكي في موسكو.

وفي صيف عام 1698 عاد إلى موسكو حيث قمع التمرد، وتم إعدام المئات من المشارين فيه، ونفي بقية المتمردين إلى مدن بعيدة، كما تم تفكيك فيالق فرسان الحرس.

عندما أصبح واضحا أن النمسا تستعد لخوض الحرب من أجل الخلافة الإسبانية، وللتفرغ لذلك تسعى للسلام مع العثمانيين، رأى بطرس أن روسيا لا تستطيع التفكير في حرب بدون حلفاء ضد العثمانيين، فتخلى عن خططه من أجل التقدم من بحر آزوف إلى البحر الأسود.

وتمكن من خلال معاهدة السلام الروسية العثمانية التي أُبرمت في إسطنبول عام 1700 من الاحتفاظ بملكية آزوف.

وبدأ يوجه اهتمامه صوب بحر البلطيق.

وكان السويديون قد احتلوا كاريليا وإنغريا وإستونيا وليفونيا وسدوا طريق روسيا إلى ساحل البلطيق.

ولطردهم، قام بطرس بدور نشط في تشكيل التحالف الكبير الذي ضم روسيا وساكسونيا والدنمارك والنرويج، والذي بدأ حرب الشمال عام 1700.

واستمرت هذه الحرب لمدة 21 عاما وكانت المشروع العسكري الرئيسي لبطرس وقد حشد جميع موارد روسيا من أجل تحقيق النصر.

ولم تُثبط هزيمة الروس في نارفا في عام 1700، في وقت مبكر جدا من الحرب، من عزيمة بطرس، وقد وصف لاحقا تلك الهزيمة بأنها كانت نعمة: "فقد أجبرتني على العمل ليل نهار".

وشارك بعد ذلك في الحصار الذي أدى إلى استيلاء روسيا على نارفا في عام 1704، وفي معارك ليسنايا في عام 1708، وبولتافا في عام 1709 حيث عانى تشارلز الثاني عشر ملك السويد من هزيمة كارثية.

كما شارك بطرس أيضا في معركة غانغوت البحرية عام 1714 والتي تُمثل أول انتصار روسي كبير في البحر.

وقد بدأ بطرس ببناء مدينة سان بطرسبرغ في عام 1703 على ضفاف نهر نيفا الذي يصب في خليج فنلندا، وأسسها كعاصمة جديدة لروسيا في عام 1712.

وبموجب معاهدة نيستاد في 10 سبتمبر من عام 1721 تم أخيرا التنازل عن الشواطئ الشرقية لبحر البلطيق لروسيا، وتم تقليص السويد إلى قوة ثانوية، وفتح الطريق للسيطرة الروسية على بولندا.

واحتفالا بانتصاره، قام مجلس الشيوخ في 2 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1721 بتغيير لقب بطرس من قيصر إلى إمبراطور.

الحرب العثمانية (1710-1713)في خضم حرب الشمال، وعندما كان بطرس يضغط في بولتافا، أعلنت الدولة العثمانية حربها على روسيا.

وفي صيف عام 1711، سار بطرس ضد العثمانيين عبر بيسارابيا إلى مولدوفا، لكنه تعرض وقواته للحصار على نهر بروت، فاضطر إلى طلب السلام، وكان محظوظا بالحصول على شروط خفيفة للغاية من المفاوضين العثمانيين الذين سمحوا له بالتراجع.

وسرعان ما قررت الحكومة العثمانية تجديد الأعمال العدائية، لكن تم إبرام صلح أدرنة في عام 1713 والذي ترك آزوف للعثمانيين.

وكان ألكسيس هو وريثه الشرعي، لكنه نشأ معاديا لبطرس ومتقبلا للتأثيرات الرجعية التي تعمل ضد إصلاحات بطرس.

في هذه الأثناء، كان بطرس قد ارتبط بامرأة من أصل متواضع هي الإمبراطورة المستقبلية كاثرين الأولى، التي أنجبت منه أبناء آخرين وتزوجها في عام 1712.

وقد ضغط بطرس على ألكسيس في عام 1716 يصبح راهبا ويتخلى عن حقه في الإرث، وقد لجأ ألكسيس إلى تشارلز السادس ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، لكنه أُجبر على العودة إلى روسيا عام 1718.

وفي روسيا، واجه ألكسيس تهمة الخيانة العظمى، وبعد التعذيب حُكم عليه بالإعدام. وقد مات في السجن، على الأرجح بسبب العنف، قبل التنفيذ الرسمي للحكم.

الحملة الفارسية (1722-1723)

خلال النصف الثاني من حرب الشمال، أرسل بطرس بعثات استكشافية إلى الشرق وتحديدا إلى سهول آسيا الوسطى في عام 1714، وإلى منطقة بحر قزوين في عام 1715 ، وإلى خيوة في عام 1717.

وفي عام 1722، عندما علم أن الأتراك العثمانيين سيستغلون ضعف بلاد فارس ويغزون منطقة بحر قزوين، غزا بطرس نفسه الأراضي الفارسية.

في عام 1723، تنازلت بلاد فارس عن الشواطئ الغربية والجنوبية لبحر قزوين لروسيا مقابل المساعدة العسكرية.

الوفاة والإرث

كانت صحة بطرس قد تدهورت في تلك الفترة، وفي يناير/كانون الثاني من عام 1725 توفي بطرس الأكبر عن عمر يناهز 52 عاما.

وعلى الرغم من أنه أصدر في عام 1722 مرسوما يحتفظ لنفسه بالحق في ترشيح خليفته، إلا أنه في الواقع لم يرشح أي شخص. وقد خلفته أرملته كاثرين التي تُوجت إمبراطورة في عام 1724.

واشتهر بطرس الأكبر بأنه كان حاكما إصلاحيا فهو من أسس الجيش والأسطول في روسيا، كما أسس مدينة سان بطرسبورغ عام 1703 التي تُعد ثاني أكبر وأهم مدينة في روسيا بعد موسكو.

وعلى الصعيد السياسي، أخضع الكنيسة للدولة وأنشأ مجلس الشيوخ.

كما عمل بطرس الأكبر على دفع روسيا للحاق ببقية الدول الأوروبية في طريق التنمية الصناعية من خلال استغلال خبرات تلك الدول في هذا المجال.

وبالإضافة للإنجازات العسكرية والسياسية، شهدت البلاد في عهده نهضة ثقافية.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: