إعلان

انفجار بيروت: غادر المجدفون دون أن يفقدوا الحلم بالأولمبياد

12:00 م الخميس 10 سبتمبر 2020

مجدفون من الاتحاد اللبناني للتجديف يتدربون مقابل م

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بيروت- (بي بي سي):

كان من الممكن أن يفقد رودريك إبراهيم حياته بسهولة في الرابع من أغسطس الماضي. إذ كان الجندي وهاوي التجديف يخطط للتوجه إلى نادي التجديف المفضل لديه الذي يقع مقابل مرفأ بيروت في الساعة الخامسة والنصف بعد ظهر ذلك اليوم.

لكن حصة دراسة الكتاب المقدس على تطبيق زووم مع صديق له في لندن غيرت الخطة.

وقال رودريك البالغ من العمر 28 عاماً، "بسبب هذا الاجتماع، لم أذهب إلى نادي التجديف. كان من المفترض أن أكون هناك في ذلك الوقت.

بعد حوالي نصف ساعة، حدث انفجار هائل في الميناء، ونشأت سحابة أشبه بفطرٍ في الهواء وموجة تفجير كانت أسرع من الصوت هزت المدينة. قُتل ما يقرب من 200 شخص وأصيب الآلاف جراء ذلك.

وعلى بعد 200 متر من الميناء، تعرض مركز تدريب الاتحاد اللبناني للتجديف للدمار بشكل كامل.

يقو رودريك: "مع الله ، لا شيء مستحيل، مما يعني أنه ستكون هناك دائماً فرصة للنجاة".

"لكن لا يمكنني إخفاء السؤال الذي خطر ببالي من قبل.. ماذا كان سيحدث لي لو كنت في المركز؟".

عادة ما يكون النادي مكتظاً بالأعضاء في هذا الوقت، ولكن نظراً للقيود التي فرضت على الجميع قبل أيام قليلة فقط بسبب فيروس كورونا، كان المبنى خالياً من الناس.

كان رودريك من القلة الذين كانوا يزورون المركز لكونه مدرباً. وعلى الرغم من شعوره بالارتياح لعدم تواجد أي شخص في المبنى لحظة الانفجار، إلا أنه انهار حزناً عندما رأى المبنى مدمراً.

يقول: "كنت أقوم بكل شيء هناك بلا مقابل، كنت أدرب الناس وأصلح المعدات وأي شيء طواعية، كل ذلك لأنني أحبه؛ إنه حياتي".

"عندما وقع الانفجار، بكيت بشدة، كان الأمر في غاية الصعوبة".

تأسس الاتحاد اللبناني للتجديف عام 1968، وعلى الرغم من أنه يعاني من نقص التمويل ويدار من قبل متطوعين فقط، إلا أنه كان مركزاً لنحو 20 مجدفاً نشطاً، بدءاً من الأطفال إلى المحاربين القدماء.

مثل المدينة نفسها، فإن الاتحاد هو موطن لمجدفين من جميع الخلفيات. رودريغز مسيحي وزميله أكرم مسلم شيعي. يحافظ العديد من المجدفين السنة والشيعة والمسيحيين في النادي على روابط وثيقة خارج النادي أيضاً، ويحضرون حفلات زفاف بعضهم البعض، على سبيل المثال.

يقول رودريك : "نحن عائلة واحدة".

يتذكر الضابط حسن رستم ، الذي يترأس الاتحاد منذ عام 1998، لحظة وقوع الانفجار، ويقول: "كنت جالساً في المنزل مع عائلتي ، وفجأة بدا وكأن زلزالاً ضرب منزلي. لا أستطيع حتى وصف الصوت والإحساس الذي انتابنا في تلك اللحظة".

سارعنا لمشاهدة الأخبار لمعرفة ما حدث، وعلمت بالانفجار في مرفأ بيروت. غادرت مباشرة إلى مركز تدريبنا.

"لن أنسى أبداً ما رأيته في ذلك اليوم وأنا في طريقي إلى مركز التدريب، لقد كان بالفعل كابوساً. الحمد لله ،لم يكن أحد يتدرب في ذلك الوقت بسبب قيود كوفيد 19. تمر مركز تدريب التجديف بالكامل".

كان نادي التجديف شيئاً ثابتاً في حياة فرح الجارودي منذ أن كانت في العاشرة من عمرها. حصلت على أربع ميداليات ذهبية في البطولة الوطنية اللبنانية بين عامي 2003 و 2013 ، لكنها الآن فقط تجدف عندما يكون لديها وقت فراغ من وظيفتها كمهندسة تصميم داخلي.

وقضت أسعد أيامها وهي تجدف صعوداً وهبوطاً على امتداد 2 كم أمام الميناء. إنها تشبّه الحركة جيئة وذهابا بالتأمل وتقول: "أشعر وكأنني أطير مع الماء. إنه مريح للغاية".

في فترات الراحة من التدريب، كانت هي وهبة، شريكتها في التجديف، تستقلان القارب وتلحقان بالمجموعة. في بعض الأحيان كانتا تشغلان الموسيقى وتغنيان مع صوت المطربة اللبنانية فيروز عند غروب الشمس.

ونظراً لوجودهم في المياه المفتوحة، يحظى المجدفون في بيروت بحياة طبيعية أكثر من غيرهم.

تضحك فرح وتقول: "أحياناً تأتي الدلافين إلى الميناء إذا فقدت مسارها، لدينا سلحفاة بحرية معمرة، تخرج إلى سطح البحر أحياناً فنسعد بذلك كثيراً".

"وبمجرد أن نصل إلى مسافة 2 كم في النهاية، نكون قريبين من المياه المفتوحة. ستجد هناك الكثير من طيور النورس... إنه منظر رائع".

وفي بعض الأحيان يمكن أن تكون المياه خطرة، ويجب على المجدفين أن يراقبوا السفن التي تدخل الميناء باستمرار.

في 4 أغسطس، كانت فرح تقضي إجازتها في اسطنبول عندما هبط عليها سيل من الرسائل عبر واتس آب، وكلها تسألها فيما لو كانت بخير. ثم رأت فرح لقطات من انفجار مدينتها.

"الشيء الذي بقينا نكرره كان:" إنها تبدو مثل هيروشيما، عاودت مشاهدة مقاطع الفيديو مراراً. كنت أرتجف، بدا الأمر وكأنني أشاهد فيلماً من وحي الخيال".

وتتابع: "كانت بيروت زاهية قبل الانفجار، والآن لا أرى سوى اللونين الأبيض والأسود. تبدو كما كانت عليها خلال الحرب الأهلية".

على الرغم من الدمار الذي لحق بالنادي، هناك آمال في إعادة بنائه.

وأعرب المجدفون من مختلف أنحاء العالم عن رغبتهم في تقديم المساعدة لهم من قوارب وغيرها من المعدات، كما قدم آخرون تبرعات مالية. وهناك خطط لإنشاء صفحة لجمع التبرعات أيضاً.

رودريك الذي فاز بالميدالية الفضية في البطولة العربية للتجديف في الصالات عام 2018 - يحلم بالوصول لأولمبياد 2024 في باريس. ويعترف بأن هذه كانت مهمة صعبة بما يكفي قبل الانفجار بسبب نقص التمويل والتسهيلات في لبنان.

"أتخيل مدربي الذي ليس موجوداً، أتخيله أمامي، وهو يصرخ بي عندما تبطأ مجاذيفي وهو يقول لي أحذر

رودريك مصمم على إعادة الحياة إلى النادي في أسرع وقت ممكن، حتى لو كان الأمل ضعيفا في بيروت.

كان لبنان حتى قبل الانفجار، يعاني من أزمة اقتصادية وتفشي فيروس كورونا.

ويقول: "بعد كل هذا فقدت كل أمل. عندما أعقد الآمال على شيء ويختفي لسبب ما، من الصعب تجاوزه، إنه صعب فعلاً". " أعيش يومي بيوم، لكني أبذل قصارى جهدي لبناء مستقبلي، ولا أريد أن أترك أحلامي تضيع مني".

وعلى الرغم من أن ناديه منهار مثله مثل باقي المباني الأخرى في أجزاء واسعة من المدينة، إلا أنه لا يزال يحصي النعم التي يتمتع بها.

ويقول: "لا يمكنني أن أتمنى أي شيء آخر، فرؤية نفسي في المرآة ومعرفة أنني ما زلت على قيد الحياة هو أجمل شيء أملكه الآن."

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: