إعلان

خمسون عامًا في مرمى الاحتلال .. لماذا الجولان؟

01:27 م السبت 05 يناير 2019

هضبة الجولان المُحتلة

كتبت – إيمان محمود:

في ختام العام المُنصرم؛ 2018، كانت قضية مرتفعات الجولان المُحتلة تحت قُبة مجلس الشيوخ الأمريكي، من خلال مشروع قرار ينص على اعتراف الولايات المتحدة بـ"السيادة" الإسرائيلية عليها.

ادّعى مشروع القرار، الذي قدمه النائبان الجمهوريان؛ تيد كروز وتوم قطون، أن "سوريا وحتى عام 1967، كانت تستغلّ الجولان في شنّ هجمات على إسرائيل".

النائبان أشارا من خلال المشروع إلى أن حرب أكتوبر عام 1973، أثبتت أن الجولان "تشكّل عمقًا استراتيجيًا حيويًا بالنسبة لإسرائيل"، مؤكدين أن هذه الأهمية ازدادت بعد تطور الأحداث في سوريا.

ومثلما فجّرت إدارة ترامب العام الماضي كارثة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ينتظر الجولان المُحتل مصيره من خلال مشروع القانون الذي سيُطرح على مجلس الشيوخ ليتم إقراره خلال العام 2019.

التقرير التالي يستعرض رحلة احتلال الجولان، وأسباب تشبثّ الاحتلال الإسرائيلي بهذه الهضبة الاستراتيجية..

1

الجولان

الجولان هو هضبة تحتل موقعًا متميزًا في بلاد الشام، ويُسمى أحيانًا باسم "الهضبة السورية"، الذي كان الاسم الأكثر شيوعًا قبل 1967، خاصة في اللغات العبرية والأوروبية، ففي بيان جيش الاحتلال الصادر في 10 يونيو 1967، قال: "الهضبة السورية في أيادينا".

يأتي موقع الجولان بالتحديد بين: جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وشمال فلسطين، ويبلغ متوسط ارتفاعها ما يُقارب 1000 متر، بينما تصل مساحتها إلى 1.800 كيلو متر.

يُحيط بهضبة الجولان من الجهة الغربيّة نهر الأردن، وبحيرة طبريا، ومن الجهة الشمالية جبل حرمون، ومن الجهة الشمالية الجنوبية وادي الرقاض، ومن الجهة الشرقيّة نهر اليرموك.

2

الطريق إلى "ضمّ الجولان"

في عام 1922؛ عندما تم الاعتراف بـ"الانتداب" رسميًا، كانت هضبة الجولان ضمن حدود فلسطين، وفي العام التالي، تخلّت عنها بريطانيا لفرنسا ضمن اتفاق بين الطرفين.

فعند رسم الحدود الدولية في 1923 بقيت منطقة الجولان داخل الحدود السورية، استنادًا إلى اتفاقية "سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا اللتين احتلتا بلاد الشام بعد الحرب العالمية الأولى.

بعد استقلال سوريا في 17 أبريل عام 1946، ظلّ الجولان ضمن حدودها، إلى أن اندلعت الحرب في 5 يونيو 1976 بين إسرائيل وكل من سوريا والأردن ومصر.

وفي 9 يونيو 1967؛ بعد نهاية المعارك في الجبهتين المصرية والأردنية، غزا جيش الاحتلال الإسرائيلي الجولان واحتل 1260 كم2 من مساحة الهضبة –أي أكثر من ثلثي مساحتها- بما في ذلك مدينة القُنيطرة.

وفي 1974 أعادت إسرائيل لسوريا مساحة 60 كم2 من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية فك الاشتباك، وقد عاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي ما زالت مدمرة.

وفي ديسمبر 1981؛ قرر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المُحتل من الجولان الواقع غربي خط الهدنة 1974 إلى إسرائيل، والذي عُرف بـ"قانون الجولان"، ليضرب بالقرارات الدولية عرض الحائط.

وبرغم عدم استخدام كلمة "ضمّ" في نص القرار، فسّره الاحتلال كأنه أمر بضمّ الجولان إلى إسرائيل وبدأت تتعامل مع المنطقة كأنها جزء من شمال إسرائيل.

لم يعترف المجتمع الدولي بالقرار الذي ترفضه الأمم المتحدة إلى الآن، وتشير إلى هضبة الجولان باعتبارها "أرضًا سورية محتلة"، ورغم أن مجلس الأمن اعتبر قرار إسرائيل ملغيًا وباطلاً، إلا أنه لم يفرض أي عقوبات.

3

مفاوضات فاشلة

بدأت المفاوضات بين سوريا وسلطة الاحتلال، من مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط في 30 أكتوبر 1992، برعاية أمريكية وروسية عقب انتهاء حرب الخليج الثانية، لكن الجولات الخمس الأولى لم تحقق أي نتائج.

دخلت المفاوضات التي بلغ مجموعها أكثر من 12 جولة، الترتيبات العملية للسلام بين الطرفين، وطرحت إسرائيل معادلة "عُمق الانسحاب من الجولان يتوقف على عُمق السلام وطبيعته".

عام 1993 قام وزير الخارجية الأمريكي بجولات بين سوريا وإسرائيل لتجاوز الطريق المسدود، وفي 3 أغسطس اجتمع برابين وفي اليوم التالي اجتمع بالرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ونقل إليه أن "رابين تعهّد بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران".

الجولات اللاحقة من المفاوضات تناولت سرعة الانسحاب من الجولان على أساس أن الانسحاب إلى خط الرابع من حزيران أمر مفروغ منه حسب من وجهة نظر سوريا.

وفي نوفمبر 1994، انطلقت المفاوضات في واشنطن، وتناولت الترتيبات الأمنية في الجولان بعد الانسحاب الإسرائيلي، لكنها انتهت بالفشل بعد بضعة أشهر.

تدخل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ووافقت سوريا على استئناف المفاوضات، وانتهت في مايو 1995 بالتوصل إلى اتفاق على أهداف ومبادئ وترتيبات الأمن، سُميت "ورقة التفاهمات".

اغتيل رابين في 24 أكتوبر 1995 وتولى شيمون بيريز رئاسة الحكومة، واستؤنفت المفاوضات مُجددًا، ثم توقفت بعد وقوع عدد من الهجمات الانتحارية في فبراير من العام ذاته.

جرت انتخابات إسرائيلية فاز فيها حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو، وخلال سنوات رئاسة نتنياهو للحكومة الاسرائيلية توقفت المفاوضات بين الدولتين رغم العديد من المساعي الأوروبية لإحيائها.

ثم عاد حزب العمل إلى الحُكم، وتولى ايهود باراك رئاسة الحكومة، وعادت المفاوضات في عام 2000، ترأسها عن الجانب السوري وزير الخارجية وقتذاك فاروق الشرع، لكن المفاوضات فشلت مرة أخرى.

وفي آخر محاولة من بيل كلينتون؛ اجتمع بالرئيس بشار الأسد، وهو يحمل عرضًا من ايهود باراك يتضمن الانسحاب من 99 بالمائة من الجولان وتعويض سوريا عن الأراضي التي تبقى تحت الاحتلال.

وتضمن العرض إبقاء شريط بعرض 500 متر بمحاذاة نهر الأردن، وشريط آخر على الضفة الشرقية لبحيرة طبريا، فكان رد الأسد أن باراك لا يرغب في السلام، ومن ثم فشل اللقاء.

لاحقًا وحتى عام 2010، كانت هناك تصريحات مستمرة من مسؤولي الجانبين حول استعدادهما للسلام، لكن لم يتطور الأمر إلى أكثر من مُجرّد "إبداء استعداد".

بطبيعة الحال توقف الحديث عن المفاوضات بعد اندلاع الأزمة السورية، عام 2011، ليعود الحديث عنها مرة أخرى بعد الانتصارات العسكرية للأسد، واقتراب عودته إلى الحياة الدبلوماسية.

4

المياه قبل الأرض

في تسعينيات القرن الماضي؛ طرح رئيس إسرائيل الأسبق شيمون بيريز، مبدأ "المياه قبل الأرض" قائلاً: "لو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فسوف نكتشف أن ليس لدينا اتفاق حقيقي".

هضبة الجولان تضم أكبر تجمع مائي في الوطن العربي، حيث بحيرة طبريا التي تعدّ أكبر مورد مياه في المنطقة بمساحة 170 كلم مربع، وسعة تصل إلى 4.3 مليار متر مكعب من الماء.

الجولان الذي تعادل مساحته 1 في المائة من مساحة سوريا الإجمالية يتمتع بمردود مائي، يعادل 3 في المئة من المياه التي تسقط فوق سوريا و14 في المائة من المخزون المائي السوري.

وهو ما يفسر الاهتمام الكبير الذي دفع الاحتلال للتمسك بهذه الهضبة وتنفيذ مشاريع استيطانية وزراعية ومائية المختلفة داخلها وفي محيطها، كما كلّف الاحتلال بعض المؤسسات المهتمة بشؤون المياه إجراء مسح شامل للثروة المائية فيها ووضع دراسات وافية وشاملة للاستفادة منها.

وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن بحيرة طبريا أصبحت مصدر المياه العذبة الأول في إسرائيل، ويمكنها أن تمد معظم إسرائيل بالمياه، في حال تعطّلت محطات تحلية المياه في البلاد لأي سبب من الأسباب.

5

ذهب الجولان الأسود

في مطلع التسعينيات؛ شرعت إسرائيل في محاولات للتنقيب عن النفط في الجولان، في عهد حكومة إسحاق رابين، لكنها توقفت إثر مفاوضات مع الجانب السوري، واستؤنفت في عام 1996، بعد صعود بنيامين نتنياهو إلى منصبه كرئيسًا للحكومة الإسرائيلية.

وبادرت شركة "جيني انرجي" إلى تأسيس شركة فرعية لها في إسرائيل تحمل اسم "أفيك للنفط والغاز" الإسرائيلية-الأميركية، ومهمتها البحث التجريبي عن النفط والغاز الصخري في هضبة الجولان.

وفي يناير 2015؛ رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، التماسًا لوقف المشروع كانت تقدمت به منظمات بيئية وجمعيات للمستوطنين في هضبة الجولان وأحزاب معارضة، وذلك خشية من تسرب المياه الممزوجة بالكيماويات التي تستعمل لتفكيك الصخر إلى المياه الجوفية وبحيرة طبرية.

وأشارت المعطيات بعد حفر البئر الأول، إلى أن عمليات التنقيب ستصل إلى عمق ما بين كيلومتر وكيلومترين تحت سطح الأرض، وتم بالفعل اكتشاف النفط في البئر الاستكشافي الأول الذي حفرته الشركة أواخر مايو 2015، أي بعد 4 أشهر من الحفر.

وفي نوفمبر 2015، نشرت مجلة إيكونوميست مقالاً بعنوان "ذهب أسود تحت الجولان" وأوضحت فيه أنشطة التنقيب عن النفط الجارية من جانب شركات إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، والتي يُعتقد الآن وجود ثروة نفطية فيها قد يصل الاحتياطي بها لمليارات من براميل النفط.

فيديو قد يعجبك: