إعلان

قانون المصالحة الاقتصادية في تونس بعد اخفاقين.. هل يُمرر؟

01:26 م الأحد 05 فبراير 2017

قانون المصالحة الاقتصادية في تونس

تونس - (أ ش أ)

عادة ما يكون التصالح مع الماضي نقطة لصناعة الحاضر والانطلاق للمستقبل، لكن عندما تعلق الأمر بـ"مشروع قانون المصالحة الاقتصادية" المقترح في تونس كانت محاولة التصالح مع الماضي لمرتين بداية لشقاق سياسي وشعبي وحجر عثرة في طريق تونس نحو المستقبل.
وتجدد هذه الأيام الحديث عن إعادة طرح مشروع قانون المصالحة الاقتصادية وتجدد الجدل بين الشخصيات والأحزاب المتحمسة والمعارضة له، وثارت مشاعر الغضب مع ظهور صهري الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي على شاشات الفضائيات، وهما بلحسن الطرابلسي شقيق زوجته ليلي الطرابلسي، وصخر الماطري زوج ابنته نسرين، وهو ما اعتبره البعض تمهيدا لعودتهما إلى تونس.

بداية طرح مشروع القانون
كانت البداية في يوليو 2015 عندما اقترح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي القانون قائلا "إنه حان الوقت لتجاوز حقبة الماضي وإنه لابد من مصالحة وطنية.. وقيل حينها إن القانون يهدف إلى طي صفحة الماضي وإغلاق الملفات المرتبطة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام.
وركز القانون على عدم التتبع القضائي في قضايا الفساد المالي للموظفين العموميين بالدولة ورجال الأعمال السابقين، باستثناء قضايا الرشوة والاستيلاء على المال العام، مقابل إعادة الأموال بناء على لجنة يتم تشكيلها للنظر في طلبات الصلح على أن يتم الصلح بمقتضى قرار يمضى من رئيس اللجنة مقابل دفع مبلغ مالي يعادل قيمة الأموال المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها، وتضاف عليها نسبة 5% عن كل سنة من تاريخ حصولها.
ورأت حكومة رئيس الوزراء أنذاك الحبيب الصيد لدى تبني مشروع القانون أن المصالحة الاقتصادية باتت ضرورة ملحة لانقاذ البلاد من الأزمة الخانقة التي تتخبط فيها منذ قيام الثورة باعتبار أن المصالحة ستضخ كثيرا من الأموال لخزينة الدولة التي هي في أمس الحاجة إليها.
وأثار مشروع القانون جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية والحقوقية في تونس حيث اعتبره كثيرون محاولة "لتبييض الفساد والفاسدين"، ونظمت الأحزاب وعدد من منظمات المجتمع المدني الكثير من الاحتجاجات رغم رفض الشرطة إعطاء تصاريح لها، ورغم قانون الطوارئ الذي كان مفروضا حينها وتلويح الشرطة بتطبيق القانون.
وواجه مشروع القانون، حركة شبابية احتجاجية على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت على نفسها اسم (مانيش مسامح)، وأسفرت الضجة الشعبية الحاصلة عن تعطيل مناقشة مشروع القانون في البرلمان.

إعادة طرح نسخة معدلة من مشروع القانون
وبعد مرور عام وتحديدا في شهر يوليو 2016 أعيد طرح نسخة معدلة جديدة من مشروع القانون غير أن النسخة المعدلة هي الأخرى واجهت احتجاجات من قبل نواب المعارضة، خاصة الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي، حيث دعوا إلى سحبه من مجلس النواب.
ودعت جمعية القضاة التونسيين، في بيان لها يوم 15 يوليو 2016، إلى سحب مشروع القانون لمخالفته للدستور ولمقتضيات العدالة الانتقالية.. ثم انصرف انتباه وسائل الإعلام عن مشروع القانون في آخر يوليو الماضي مع تصويت البرلمان على سحب الثقة من حكومة الحبيب الصيد وتكليف الرئيس التونسي ليوسف الشاهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية التي انشغل بها الإعلام والرأي العام التونسي بشدة كونها أكثر حكومة متنوعة أيدولوجيا وحزبيا في تاريخ تونس لضمها ليبراليين واجتماعيين ونقابيين ويساريين ويمينيين.
وفي أكتوبر الماضي، صرح رئيس لجنة التشريع العام في البرلمان الطيب المدني عن حزب (نداء تونس) بأن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية لن يكون من أولويات اللجنة، مبينا أنه كرئيس اللجنة سيعطى الأولوية لمشروع قانون مكافحة المخدرات نظرا لانعكاسه المباشر على الشباب والمجتمع وما تتكبده الدولة من خسائر مالية بسبب ارتفاع عدد سجناء المخدرات.
وتوقع البعض أن هذا بمثابة سحب غير معلن من قبل الرئاسة لمشروع القانون، غير أن المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية نور الدين بن تيشة خرج لينفي في نوفمبر الماضي سحب مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية من مجلس الشعب، مشيرا إلى أنه يجرى تنقيحه بمقترحات موضوعية من رئاسة الجمهورية والنواب لعرضه لاحقا على جلسة عامة.

عودة الحديث عن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية.. الثالثة ثابتة
قال الطيب المدني رئيس لجنة التشريع العام في البرلمان التونسي في 20 يناير الماضي "إنه من المنتظر إعادة النظر في مشروع قانون المصالحة الاقتصادية داخل اللجنة أواخر شهر فبراير الجاري.
وقالت سناء المرسني النائبة عن حركة النهضة ومقررة اللجنة "إن عودة مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية إلى النقاش داخل اللجنة أمر وارد جدا، ولم يتبق سوى المصادقة على فصوله قبل إحالته على الجلسة العامة".

لا مصالحة اقتصادية إلا بالعدالة الانتقالية
ردا على الحديث عن إعادة طرح المشروع من جديد.. أكد حزب التيار الديمقراطي في ندوة بالعاصمة التونسية في أواخر الشهر الماضي تحت عنوان (لا مصالحة اقتصادية إلا بالعدالة الانتقالية) رفضه التام لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية، داعيا الحكومة إلى سحب هذا القانون معتبرا أن الإصرار على تقديمه يأتي في سياق محاولة أطراف من الائتلاف الحاكم لخدمة مصالح من ثبت تورطهم سابقا في الفساد.
وعبرت منظمة (أنا يقظ) التونسية المستقلة، التي تأسست عام 2011، بهدف متابعة ورصد الفساد المالي والإداري عن دهشتها إزاء الاصرار على تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية قائلة "إن الأمر يدعو إلى الريبة خاصة بعد انتكاس مبادرة طرحه في مناسبتين رضوخا لرد فعل الشارع".

تيار آخر مؤيد.. وبشدة
ورغم معارضة أحزاب ومنظمات تونسية لمشروع القانون المثير للجدل تجد على الجانب الآخر تيارا مؤيدا له وبشدة.. ففي ندوة بالعاصمة التونسية الشهر الماضي دعت جمعية البرلمانيين التونسيين إلى ضرورة تسريع الاجراءات الخاصة بالمصادقة على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية، معتبرين أنه يعد "أساسا لإعادة بناء الوحدة الوطنية".
ورأى المشاركون، في الندوة، أنه يجب الانتصار لصالح مشروع القانون وطي صفحة الماضي وعدم الانصياع إلى الأهواء والأحقاد على حساب المصلحة الوطنية.
ومن جانبه، دعا هادي الجيلاني الرئيس السابق لمنظمة الأعراف التونسية (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) إلى تفعيل المبادرة المتعلقة بالمصالحة الاقتصادية وطي صفحة الماضي، معتبرا أن هذه المصالحة ستساهم في دعم الاستثمار والتشغيل وتحقيق نسب نمو عالية مستشهدا بالتجربة التي مرت بها جنوب أفريقيا.
وشدد كمال بن يونس رئيس المؤسسة العربية والأفريقية للدراسات (ابن رشد) على ضرورة المصالحة الوطنية والتوافق بين مختلف الأطراف، مشيرا إلى أن ذلك سيجنب تونس سيناريو ليبيا وسوريا واليمن.
وقال بن يونس "إن مصادرة آلاف الشركات والضيعات الفلاحية ومغادرة الكثير من رجال الأعمال بعد الثورة تسبب في ركود اقتصادي بالبلاد، مشددا على أن بلاده بوسعها أن تقدم نموذجا للمنطقة إذا اتبعت المصالحة".

فيديو قد يعجبك: