إعلان

تنفيسة| «الجندي»: أول من حاور الشباب

محمد جادالله

تنفيسة| «الجندي»: أول من حاور الشباب

محمد جادالله
07:00 م الإثنين 28 يوليو 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

في حوار هو الأول من نوعه في الإعلام المصري والعربي، يظهر فضيلة الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، محاورًا للشباب، مستمعًا لأفكارهم، ومناقشًا لرؤاهم؛ ليس على المستوى الديني فحسب، بل أيضًا لما تُكنّه صدورهم من آراء في مختلف القضايا.

يطلّ علينا شيخُنا الجليل في زمنٍ اشتدّت فيه الحاجةُ إلى من يُعيدُ للخطاب الدينيِّ بهاءه، وللمعنى هيبته؛ فبرزتم – كصوتٍ نقيٍّ من أعماق الأصالة، ومشكاةٍ تنبع منها أنوارُ الهداية. ما أنطقكم الله إلا بالحكمة، ولا قرنَ علمَكم إلا بالتواضع، فكنتم للناس جسرًا من البيان إلى الإيمان، ورايةً مرفوعةً في وجه الجهل والتيه. حملتم أمانة الدعوة بصدق العلماء، وصدحتم بها في منابر الإعلام، كأمينٍ على جوهر الدين لا على مظهره. فطوبى لكم مقامًا في الدنيا، وسِفرًا في القلوب، وأثرًا باقِيًا لا يزول.

وخيرُ دليلٍ على ذلك، ما يُقدّمه الشيخ الجندي عبر برنامجه المبارك "لعلهم يفقهون"، المُذاع على قناة dmc، من دروسٍ تُخاطب العقولَ والقلوب، وتفتح أبواب التأمل لمن أنهكته دوّامةُ الحياة.

ومما يُضاعف الأثر ويزيده لمعانًا وعمقًا، ذلك الحوارُ الصادقُ المتصلُ مع الشباب، الذي يُبثّ كل أربعاء تحت عنوان "حوار الأجيال"، وهو حوار يُبرز أهميةَ أسلوب المناقشة الجماعية، وأثرَ تقمّص الأدوار في تنمية وعي الشباب.

تهدف هذه الحلقات إلى إبراز الدور الرئيس لقيم الحوار في تحصين الشباب ضدّ التطرف الفكري والإرهاب في المجتمع، والتعرف إلى مستوى التزامهم بقيم الحوار الهادف، واستكشاف الآليات والأساليب الكفيلة بتعزيز هذا الدور في البيئة المصرية.

ولهذا، يُعدّ الحوار من أهم آليات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر، لما له من أثرٍ بالغٍ في تنمية قدرة الأفراد على التفكير المشترك، والتحليل، والاستدلال. كما يُعَدّ الحوار نشاطًا يحرّر الإنسان من الانغلاق والانعزال، ويفتح له آفاق التواصل لاكتساب كل جديد، مما يُسهم في تعزيز وعيه وتعامله الرشيد مع الأفكار والأحداث التي يشهدها المجتمع.

كما تعلمنا مع العلّامة الشيخ خالد الجندي، فإن للحوار أصولًا راسخة في الديانة الإسلامية؛ فقد ورد في القرآن الكريم ما يدلّ على ذلك، كما في قوله تعالى في سورة الكهف (الآية 37): ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾، وفي سورة المجادلة (الآية 1): ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾. كما أن هادي البشرية، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان يُحاور أصحابه ويُشاورهم في كل كبيرة وصغيرة، ويُقدّر آراءهم ويأخذ بها.

فأوضح لنا مولانا التمايزَ الذي يُقرّه القرآن الكريم بين كلٍّ من "الحوار" و"المجادلة"، فالقرآن – بوصفه كتابَ البشرية الخالد – ينقل لنا أفكار الناس على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم، ويُبرز الأداة التي تُسهم في عرض هذه الأفكار، والوسيلة التي تُبلّغ بها أهداف الرسالة. والمتأمّل في آياته يجد أن محور الحوار في القرآن يتمركز حول "الرسالة"، فكأنها العمود الذي تدور حوله البشرية. وكلما زادت الحاجة إلى الحوار، دلّ ذلك على اتساع المسافة بين طرفي النقاش، أما إذا اقترب الطرفان من التلاقي، فإن الحاجة إلى الإيضاح تقل تبعًا لذلك.

أضِف إلى ذلك، عزيزي القارئ، أننا نلمس في كل حلقة من حلقات يوم الأربعاء كيف يجعل القرآن الكريم من الحوار سبيلًا لجميع قضاياه، وأداةً لبيان الخلافات التي تُثار على ألسنة مخالفيه. فالقرآن لم يعتمد وسيلة للتفاهم مع الخصوم سوى الحوار، إذ لا يُقابل الاعتراض بالقمع، بل بالإقناع، ولا يردّ على الشك بالصمت، بل بالبينة والبرهان. ومن هنا، يُعدّ الحوار من أهمّ الأسس التي تقوم عليها الحياة الاجتماعية، لأنه الوسيلة التي تتيح للأفراد والجماعات التعبير عن آرائهم وميولهم ومشكلاتهم، كما يُمثل أداة للتفاهم والتفاعل، تنمو بها الأفكار وتتشارك، سعيًا إلى حياة أفضل يسودها الوعي والتكامل.

وبالرغم من أهمية ثقافة الحوار، فإن واقع المجتمعات العربية يكشف عن تدنّي مستوى هذه الثقافة بين أفرادها على اختلاف طبقاتهم. ويرجع ذلك إلى ضعف الوعي، وانتشار أساليب التسلط، وغياب التربية والتنشئة الاجتماعية القائمة على الحوار. وقد انعكس هذا الواقع سلبًا على سلوك الأفراد، وأسهم – بشكل غير مباشر – في ترسيخ ثقافة العنف، وعشوائية الاتجاهات والأفكار داخل شخصية الفرد. فعندما تحجب الأسرة عن الأبناء فرصة التحاور والتشاور والمناقشة النقدية، وتستبدلها بسياسات النفوذ والسيطرة بحكم الموقع الاجتماعي، فإنها تُنتج أفرادًا عاجزين عن التعبير والتفكير الحر، وأكثر عرضة للانغلاق والتطرف.

في حضرته تشكَّل وعينا، وتعمَّق فهمُنا بأن الفرد الذي ينشأ في بيئة تُعزّز ثقافة الحوار البنّاء والمتفهِّم داخل أسرته ومجتمعه؛ يُصبح إنسانًا سويًا، مؤمنًا إيمانًا راسخًا لا تُزعزعه الأحداث، ولا تُؤثّر في عقيدته التياراتُ الفكرية المنحرفة. فالحوار البنّاء يُعدّ رياضة للنفس، تُعلّمها تقبُّل آراء الآخرين، والانفتاح على نقدهم بروح واعية ونفس مطمئنة.

فالحوار قيمة حضارية وإنسانية، تنهض بها الأمم وتزدهر بها الشعوب، كما يُعدّ أحد الأساليب التربوية المهمة؛ فمن خلاله تتضح الصور، وتتغلغل الأفكار، وتقترب المعاني بين وجهات نظر الأفراد بأسلوب راقٍ. كما يساهم الحوار في تصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة لدى الآخرين، مما يُعزّز الفهم المشترك والتواصل الفعّال.

ويُعدّ الحوار ممارسة صحية داخل المجتمع لمواجهة التطرّف الفكري، كما يُمثّل ركيزة فكرية وثقافية تقوم على الإقناع بالحجة والمنطق، ويُتيح للفرد إيصال أفكاره إلى الآخرين بالبرهان والدليل. وهو أيضًا الوسيلة الأسمى والأكثر سلمًا للدعوة والتواصل مع الآخرين.

كما أن للحوار أهمية بالغة في النهوض بالأفراد والمجتمعات، ومواجهة المشكلات المتنوعة، مما يُؤكد أن الناس في حاجة ماسّة إلى الحوار لتأسيس صيغة معرفية وسلوكية متجددة، تقوم على تزاوج الأفكار وتبادل الرؤى، من خلال الوقوف على الرأي الآخر، تحقيقًا للتفاهم، وابتعادًا عن العزلة والانكفاء، اللذين لم يعد لهما موضع في عالم اليوم، في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصال وتنامي حاجة الإنسان إلى أخيه الإنسان.

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نتقدّم له بجزيل الشكر والتقدير. حفظك الله ورعاك وسدّد خُطاك. فعلى خُطاك تعلّمنا أن نُحسن السؤال ونُتقن الإصغاء، ومن حكمتك أدركنا أن الفهم عبادة، وأن السؤال مفتاح اليقين.

mohamedsayed@art.asu.edu.eg

إعلان

إعلان