إعلان

مارلين مونرو الحقيقية

د. ياسر ثابت

مارلين مونرو الحقيقية

د. ياسر ثابت
07:00 م الجمعة 31 أكتوبر 2025

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تابعنا على

«كنتُ شابة شقراء ومثيرة، تعلّمتُ أن أتحدّث بصوت مبحوح مثل مارلين ديتريتش، وأن أمشي مشية بهيئة خليعة بعض الشيء، وأن أستحضر مشاعر في عينيّ حينما أريد» (ص 92).

هكذا تحدّثت نورما جين التي عرفها العالم باسم «مارلين مونرو» عن نفسها. تتذكر حينما حادثها بن هكت الروائي وكاتب السيناريو الفائز بالأوسكار. كان قد قاطعها وهي تقرأ «يوليسيس» (عوليس) رواية جيمس جويس، وأخذ يتأمل صورتها على غلاف إحدى المجلات وهي بالمايوه، ليقول لها: «تعلمين نورما أن جويس قال إنه سيشغل البشرية لثلاثمئة عام، لكن أتدرين أنك ستشغلين العالم أبد الدهر؟» (ص 5).

كتاب «قصتي: مارلين مونرو» (دار المدى، 2017) صدر بترجمة باسم محمود، ويضم فصولًا من قصة حياة مونرو، كانت قد حكتها لبن هكت، فصاغها ثم ردها لها لتضع لمستها عليها.

اشتهرت مارلين مونرو كأيقونة للإثارة، وكثيرًا ما طعن نقادها في قدراتها الفنية، قائلين إنها تعتمد فقط على أنوثتها الساخنة، لكن مذكراتها ترسم صورة مختلفة، ففي الكتاب تحكي نورما جين عن نشأتها كفتاة يتيمة تتنقل من منزل حاضن يكفلها إلى آخر، وصولًا إلى قصة ذهابها إلى هوليوود ونجاحها وتحقيق الشهرة.

لم تر نورما جين والدها أبدًا، فقد مات قبل أن تولد. أمها التي كانت تقسم يومها بين فترتي عمل لتستطيع أن تعولها حاولت التخفيف عنها فاشترت لها بيانو لتتعلم العزف عليه. قالت لها: ستعزفين عليه وستكون هناك آرائك تتسع لشخصين يستمعان إليك. الآرائك التي تتسع لشخصين لم توجد أبدًا؛ فالأم نقلوها إلى مستشفى نوروك للأمراض العقلية (ص 31). وهناك ماتت، فانتقلت الطفلة للعيش مع العمة غريس (ص 33).

كبرت جين، لكن لم تحلم بعلاقة حب عادية مع شاب، كانت تتوق إلى حنان مفتقد، ولم تحلم بالأمومة أبدًا «فكرة أن يكون لدينا طفلة كانت توقف شعر رأسي من الفزع» (ص 60). كانت تحلم بأشياء أخرى تساعدها على تحقيق ذاتها فسعت للعمل كموديل في الإعلانات لتقطع نصف الطريق إلى الشاشة. التمثيل كان شيئًا لامعًا وجميلًا (ص 77).

ورغم حرصها على النجاح فإن أجواء الشهرة لم تبهرها. تقول: «هوليوود التي عرفتُها كانت هوليوود الفشل. تقريبًا كل شخص قابلته كان يعاني من سوء المأكل أو لديه نزعات للانتحار. الأمر كان مثلما يقول البيت في القصيدة: ماء ماء، في كل الأنحاء، لكن لا قطرة للارتواء.

صيت صيت، في كل الأنحاء، لكن لم يكن هناك أي مرحبًا من أجلنا. كنا نأكل في متجر الأدوية Drugstore في حين نقف أمام خزينة الدفع. كنا نجلس في غرف الانتظار.

كنا نشبه قبيلة من المتسولات فائقات الجمال، والتي هي بالأحرى قد غزت إحدى المدن إلى الأبد. وكان هناك الكثيرات منا! الرابحات في مسابقات الجمال، فتيات جامعيات مبهرات، سيرينات (حوريات) قد نشأن في المنازل من كل ولاية في البلاد. من المدن والمزارع. من المصانع، الفوديفيلات الجوالة، مدارس المسرح، وواحدة من ملجأ أيتام.

وحولنا كانت الذئاب. ليست الذئاب الكبيرة الموجودة فيما وراء بوابات الاستوديو، بل تلك الذئاب الصغيرة: العملاء الموهوبون الذين لديهم مكاتب، عملاء صحافة بلا زبائن، موظفو العلاقات العامة الذين هم بلا علاقات، والمديرون. متاجر الأدوية والمقاهي الرخيصة كانت ملأى بمديرين لشركات على استعداد كي ينقلوك إلى الجانب الآخر من الشاطئ، هذا لو أنك جندت نفسك تحت لوائهم.

لواؤهم كان ملاءة سرير» (ص 79-80).

وتضيف: «هوليوود مكان حيث سيدفعون لك آلاف الدولارات مقابل قبلة، وخمسين سنتًا من أجل روحك» (ص 91).

في مناسبة أخرى، تقول: «حين تمنّى بالفشل في هوليوود، الأمر يشبه أن تتضور جوعًا حتى الموت خارج صالة الولائم؛ بينما روائح الفيليه الرقيق تقتادك نحو الجنون» (ص 133).

لم تكن متصنعة في حياتها؛ حيث تقول إن «أسوأ شيء يحدث للبشر حين يرتدون ملابسهم ويذهبون لحفل هو أنهم يتركون ذواتهم الحقيقية في البيت. فهم يشبهون أناسًا يعتلون خشبة المسرح، ويؤدون أدوار أشخاص آخرين. هم يمثلون أنهم مهمون، وهم يريدونك أن تلتقي بأهميتهم، لا بذواتهم» (ص 209). وتقر بأن «الذهاب لمناسبات اجتماعية على هذا النسق كان أصعب دور لأجل أن أنجح» (ص 115). وتضيف: «أحيانًا كنت أذهب إلى حفل حيث لا أحد كان يتحدث إليّ طوال المساء. الرجال الخائفون من زوجاتهم أو حبيباتهم كانوا يتجنبونني ويبتعدون عني. والسيدات كن يجتمعن في عصابات في ركن كي يتباحثن أمر شخصي الخطِر» (ص 182).

كانت تحلم وتدعم أحلامها بالقراءة، خصوصًا بعد أن عرفت ناتاشا لايتس مدربة التمثيل المثقفة: «كانت تخبرني ماذا أقرأ.. قرأت تولستوي وتورغنيف. كانا يلهبان حماستي، ولم أكن أستطيع أن أدع كتابًا جانبًا حتى أنهيه. وكنت أهيم حالمة بكل الشخصيات التي قد قرأتها وسمعتها تتحدث إلى بعضها البعض». وتضيف: «بدأت أشتري كتبًا لفرويد وكتبًا لبعض من مريديه المحدثين. كنت أقرأ الكتب إلى أن أصاب بالدوار».

لذلك ضاقت بالرجال الثرثارين الذين يتحدثون بنرجسية عن أنفسهم، ومالت إلى المثقفين «الزاخرين بمعلومات وأفكار عن الحياة. إنه لمبهج أن تستمع لهؤلاء الرجال، لأنهم لا يتحدثون باختيال» (ص 178).

بل إنها كانت ذات آراء لافتة في معشر الرجال؛ إذ تقول على سبيل المثال لا الحصر: «لم يكن باستطاعتي أبدًا أن أنجذب لرجل لديه أسنان مثالية. الرجل ذو الأسنان المثالية دائمًا ما كان منفّرًا بالنسبة لي. أنا لا أعلم ما هذا، لكن لا بد أن هناك أمرًا بخصوص نوعية الرجال ذوي الأسنان المثالية الذين قد عرفتهم. لم يكونوا بالغين حد الكمال في أي مكان.

ثمة نوع آخر من الرجال لم يرق لي أبدًا، وهو ذلك الصنف الذي يخشى أن يقوم بإهانتك. دائمًا ما ينتهي بهم الأمر لأن يهينوك أسوأ من أي شخص آخر. أؤثر كثيرًا رجلًا أن يكون ذئبًا، ولو قرر أن يتحرش بي أن يفعلها في الحال وينتهي الأمر» (ص 175).

في لحظة ما من بداياتها الفنية، تقول مارلين مونرو:

«كنت ما أزال أحلق بعيدًا عن هذا العالم، وهو ما زال ثابتًا يحيط بي.

كان ذلك حين كنت أرقد في قاع ذلك المحيط، أتخيل أنني لن أرى ضوء النهار مجددًا أبدًا، إلى أن وقعت في الحب لأول مرة. لم أكن قد وقعت أبدًا في الحب فحسب، لكن أنا لم أحلم به أبدًا. هو كان شيئًا يوجد فقط لأجل أناس آخرين، أناس لديهم عائلات وبيوت.

غير أني حين رقدت في قاع ذاك المحيط وتقاذفتني أمواجه، رفعني كشراع في الهواء، وأوقفني على قدميّ، أنظر إلى العالم كما لو أني قد وُلدت للتو» (ص 134).

إعلان

إعلان