إعلان

مصر يا ولاد..!

د. أحمد عمر

مصر يا ولاد..!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 12 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إذا كان الوعي التاريخي أمرًا مهمًا للإنسان في كل زمان ومكان، لأنه يُعظم فرص نجاحه، ويجعله يستفيد من تجاربه الخاصة وتجارب الآخرين، فهو إلى جانب التفكير الاستراتيجي والرؤية المستقبلية في غاية الأهمية للسياسي ورجل الدولة، وللنخب المثقفة وكل المهمومين بحاضر ومستقبل أوطانهم، وبدون تلك المهارات يفقدون البوصلة التي توجههم للطريق الصحيح، ويفقدون عمق الرؤية وشمولها، والقدرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تستهدفهم.

ومَن لا يقرأ التاريخ، ويفهم أحداثه ومؤامراته، وحياة البشر ومصائر الدول والحكام والشعوب فيه، ويُدرك مغزاه، ويأخذ منه العبرة والدرس- فهو مُهدد بالوقوع في نفس الأخطاء التي ارتكبها من سبقوه، ومهدد- أيضاً- بإعادة إنتاج الماضي بكل مشكلاته وأحداثه ونتائجه وفشله.

وكل قارئ لتاريخ مصر الحديثة والمعاصر منذ الحملة الفرنسية وفجر النهضة مع محمد علي ودوره في وضع أسس الدولة الحديثة.
مرورا بتأسيس الجمهورية الأولى على شرعية ثورة يوليو 1952، وما قام به الرئيس جمال عبد الناصر من تحولات جذرية في بنية المجتمع والدولة.

وصولًا لمحاولة إعادة بناء الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013، مع نظام حكم الرئيس السيسي، الذي جعل أولويته القصوى التفرغ لبناء مصر، دون التعرض أو التورط في أي سياق خارجي، يُعيق مسيرة البناء واسترداد مصر لقوتها ومكانتها.

كل قارئ لذلك التاريخ يعلم جيدًا صعوبة لحظتنا الراهنة، وما نواجهه فيها من تحديات ومخاطر داخلية وخارجية تستهدف تكرار السيناريو الذي حدث مع محمد علي وجمال عبد الناصر، لتوريطهم في الخارج، والحد من طموحهم في البناء، وإضعاف دور مصر ومكاناتها، وجعلها على الدوام دولة مستنزفة من الداخل، مشغولة بمشكلاتها وضعف اقتصادها، تدور في مكانها الثابت الذي يقع في المسافة ما بين الإبحار والغرق.

والرّهان اليوم في تجنب هذا المصير يقع على حكمة ووعي نظام حكم الرئيس السيسي، وحُسن قراءة رجاله للتاريخ، وحُسن إدارتهم للحظة الراهنة تكتيكيًا واستراتيجيًا ومن منظور وطني وإقليمي ودولي، مع إرادتهم التامة لصنع تاريخ جديد لمصر، ومستقبل مختلف، وبناء الدولة المصرية على أسس صحيحة، تتجنب أخطاء أنظمة الحكم السابقة.

وهذا يتطلب، في ظني، حتمية تجديد وتطوير الخطاب الإعلامي والثقافي الحالي، والسعي لكسب ثقة المصريين من كل الأجيال والطبقات والفئات، وتنمية وعيهم الوطني والتاريخي، وتعميق مشاعر الانتماء والولاء لديهم.
كما يتطلب، أيضًا، العمل على تحقيق حد مقبول من الإجماع الوطني على رؤية وسياسات وخيارات وأولويات نظام حكم الرئيس السيسي، من أجل توحيد وتقوية الجبهة الداخلية لدعم الدولة في معاركها الخارجية.

وهذا الهدف نتعلم أهميته من استقراء التاريخ المصري، وقد لفت الأنظار إليه أحد أبرز الرجال الوطنيين في تاريخنا المعاصر، هو السيد محمد حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي في زمن حكم الرئيس السادات، عندما قال في كتابه "أمن مصر القومي في عصر التحديات": "لقد ظلت جماهير هذا الشعب هي دائمًا أمضى أسلحة الكفاح وأعظمها فاعلية، وأكثرها حسما لنتائج الصراع. ولهذا فقد ارتبط نجاح شعبنا على جبهته الخارجية، بقدر ما توفرت له من قوة واستقرار على جبهته الداخلية السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالعمل الخارجي لا يمكن أن يُحقق الكثير ما لم يستند إلى قاعدة داخلية وطيدة وآمنة".

ومصر اليوم في أشد الحاجة لإعادة توحيد وبناء جبهتها الداخلية، وتوفير الاستقرار والقوة لها، وخاصة أننا أصبحنا نتصدى، لأول مرة، في تاريخنا المعاصر لتحديدات ومخاطر وجودية على أكثر من اتجاه، ولا بد من مواجهتها وتجاوزها والخروج منها منتصرين.

وشكل تلك المواجهة وتوقيتها هما خيار مؤسسات الدولة الوطنية التي يجب على كل مصري وطني أن يدعمها ويقف خلفها، ويثق بحُسن إدارتها انطلاقًا من المعطيات والمعلومات التي تملكها، وتدخل في باب المضنون به على غير أهله.

ولعل أبرز هذه الملفات ملف خطر الإرهاب في الداخل. ملف مخاطر السد الإثيوبي على مواردنا المائية من نهر النيل. ملف الأطماع التركية في ليبيا وتهديهم لمصالحنا وثوابت أمننا القومي على حدودنا الغربية. وملف إنهاء وجود ودور جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي المصري، وإفساد دورهم الإقليمي والدولي التاريخي في التآمر على الدولة المصرية.

فصل المقال: مصر يا ولاد تستحق منا الكثير، وتستحق أن يكون هدفنا الاستراتيجي جميعًا ألا تتوقف مسيرة البناء والتحديث فيها، وفي الوقت ذاته أن نواجه متحدين كل هذه الملفات التي تمثل تهديدات ومخاطر كبيرة تستهدفنا في الداخل والخارج.

إعلان