إعلان

ليبيا... لماذا؟!

عصام شيحة

ليبيا... لماذا؟!

عصام شيحة
09:00 م الثلاثاء 28 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن الأزمة الليبية مرشحة بقوة في الفترة المُقبلة لتتبوأ مكانة بارزة في أجندة المجتمع الإقليمي والدولي على السواء؛ فليبيا جديرة بالتهافت عليها، فنفطها من النوع المُفضل في أوروبا، واستخراجه قليل التكلفة، ويمكن نقله إلى أوروبا بسرعة ودون المرور بمخاطر الصراع الأمريكي/ الإيراني أو غيره، فضلاً عن كنز اقتصادي يثير اللعاب إذا ما بدأت عملية تعميرها، ويصل الأمر إلي حد وجود محتمل بشكل كبير لثروة نقدية مُخبأة منذ عهد العقيد الراحل معمر القذافي تُقدر بمئات المليارات من الدولارات.

انطلاقاً من هذه الرؤية، لا غرابة في أن يحتشد في ليبيا آلاف العناصر من المرتزقة والإرهابيين الممولين من رعاة الإرهاب، وأبرزهم تركيا وقطر، حتى بات دور المواطن الليبي، صاحب الوطن، غريباً مُطارداً علي أرضه، يتوسل مجتمعاً دولياً مُنصفاً يُعيد الحقوق إلي أصحابها، وهي مهمة لطالما فشل المجتمع الدولي فيها بدافع من المصالح المتشابكة والمتعارضة علي الساحة الدولية، وامتداداتها الإقليمية المعقدة استناداً إلي سيادة نظرية القوة في العلاقات الدولية المعاصرة.

في هذه الأثناء، رأي البعض أن في ليبيا فرصة لتعكير صفو عملية التنمية في مصر، وتصدير مشكلات أمنية من اتجاهات شتى، عساها تستنزف قدرات الدولة المصرية، وتعرقل حركة التنمية التي شهد بها العالم في السنوات الأخيرة، إلى حد أن اعتبرها الكثير من المؤسسات الدولية نموذجاً ينبغي أن يُحتذي من جهة الدول الراغبة في تحقيق تحولات اقتصادية جذرية تتبني طموحات شعوبها.

من جهة أخرى، لطالما ركز الأمن القومي المصري على الجهة الشرقية للبلاد، باعتبارها منشأ المخاطر، وطريق مُعتاد لأعداء الوطن، من الهكسوس إلي إسرائيل، بينما كانت الحدود الغربية والجنوبية هادئة لا يُبدد هدوءها تحرشات صغيرة هنا أو هناك، لا ترقى أبداً إلى مستوى الصراعات التي استقبلناها من الشرق.

وعليه فقد تجاوبت مصر بحنكة آلاف السنين الكامنة في الشخصية المصرية، ولم تشغلها معركة البناء عن تعزيز القدرات العسكرية بغرض حماية مكتسبات الشعب ومقدرات الأمة، وأخلصت الجهود الوطنية بالفعل في بذل الكثير من العمل الوطني المُضني لبناء حائط سد منيع يجابه المخاطر التي تلوح في الأفق من الغرب والجنوب. وهو أمر ينبغي أن تستعد له الجبهة الداخلية على نفس القدر، وبكثير من الحيطة والحذر، وهي مهمة منوط تنفيذها بوعي إلى كافة الشركاء في الوطن، إعلام وأحزاب ومجتمع مدني... إلخ.

أما عسكرياً، فقد كانت الطفرة الكبيرة في القدرات العسكرية المصرية على وعي كامل بالتهديدات التي تجابه الوطن؛ ولم يقتصر الأمر على تنويع السلاح ونوعيته، فكانت قاعدة برنيس العسكرية في أقصى الجنوب، وهي كذلك الأكبر في البحر الأحمر قاطبة. كما أنها ثاني القواعد العسكرية في مصر حجماً وتسليحاً، بعد قاعدة محمد نجيب بالمنطقة الشمالية وهي الأكبر في الشرق الأوسط كله.

ولما كان ليس من الحكمة التقليل من شأن العدو؛ فإن التعويل أكثر من اللازم على مخرجات مؤتمر برلين المتعلقة بالأزمة الليبية، لا يُعد من الحكمة في شيء؛ فخريطة الأهداف التي تسعى إليها كافة الأطراف الفاعلة على الأرض الليبية بالغة الخطورة، ومتشعبة بل وشديدة التعقيد، لا تسمح أبداً بأي تهاون. ولا يقتصر الأمر على أطماع أردوغان في غاز شرق المتوسط، وقد أفقدته توازنه، وإخفاقه المتواصل في نيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وما تواجهه بلاده من صعوبات اقتصادية خانقة، كل ذلك لن يجعله يتراجع إلى داخل حدود المنطق المقبول من المجتمع الدولي.

ومازال الحديث متواصلاً، بإذن الله، نرسم فيه ملامح الأطراف كافة، ونحدد خريطة أهدافهم؛ فإلى لقاء قريب بإذن الله.

للتواصل مع كاتب المقال: eshiha@yahoo.com‏

إعلان